بدلاً من أوهام ورشة البحرين

بدلاً من أوهام ورشة البحرين

11 يونيو 2019
+ الخط -
إلى فترة قصيرة، كان التفكير السائد أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي هو بالأساس سياسي وليس اقتصاديا. ولكن الولايات المتحدة ومملكة البحرين تتبنيّان "ورشة" اقتصادية، تعمل على تغيير هذا الترتيب، ففريق الرئيس الأميركي، ترامب، للشرق الأوسط مصرٌّ على أنه ليس هناك إلغاء للمسار السياسي، وإنما تأجيله. وللتوضيح، ليست أفكار هذا الفريق جديدة، فبعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في 1967، دشّن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، موشيه دايان، مشروع "الجسور المفتوحة"، وهي استراتيجية تعتمد على فكرة تقليص التدخل الإسرائيلي بقدر المستطاع في حياة الفلسطينيين اليومية تحت الاحتلال العسكري. نجحت الفكرة فترة قصيرة، ثم عند بدء عمليات الاستيطان الكولونيالي، في الخليل أولا، ورفض الشعب الفلسطيني لها، استخدم المحتل القوة، واستمر، في الوقت نفسه، عنوان المرحلة "الاحتلال اللطيف"، وهو ما فشل، خصوصا بعد صعود حزب الليكود إلى الحكم في 1977، ما أدى، في النهاية، إلى تفجير الانتفاضة الأولى، والتي واجهها وزير الجيش الإسرائيلي، إسحق رابين، بسياسة القبضة الحديدية. وتم اقتراح سلام اقتصادي عام 2008، فشل في جذب أي اهتمام. وهذا فريق مستشاري الرئيس ترامب، جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، يأخذ صفحة من ذلك المشروع الاقتصادي، ويعيد تصديرها تحت مسمّى ورشة "السلام من أجل الرفاهية"، تنعقد في 25 يونيو/ حزيران الحالي في البحرين، تم الإعداد لها من دون التنسيق أو التشاور مع القيادة الفلسطينية التي أعلنت مقاطعتها هذه الورشة، ما سيعني أن من الصعب نجاحها. 
وإذا كان صدقا أن أولوية الفريق المذكور هو الازدهار في فلسطين، فهناك طريقٌ أسهل وأقل كلفة من مسار البحرين، فقراءة الأدبيات والدراسات الاقتصادية للبنك الدولي، وغيره من المؤسسات المتخصصة، تفيد بأن ثمّة مسارا أسهل بكثير للنمو الاقتصادي الفلسطيني. وعندما يحيل غرينبلات المسؤولية عن الأوضاع في قطاع غزة على حركة حماس التي استولت على مقاليد الأمور فيه منذ عام 2007، فإنه لا يقدّم أي إشارة إلى دور إسرائيل في الأزمة 
المعيشية الحادثة في القطاع.
ويكرر الخبراء الاقتصاديون أن الصعوبات الاقتصادية في فلسطين مرتبطة بشكل رئيس بالمضايقات الإسرائيلية على حركة الناس والبضائع بين المناطق المحتلة، وما بينها وبين باقي العالم. وتوفر قراءة للدراسات الاقتصادية المتوفرة، ومنها دراسات البنك الدولي، خريطة طريق واضحة للازدهار الاقتصادي الفلسطيني. وبكل بساطة، قرار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية هو ما سيأتي، بسهولة، بنتائج ملموسة في تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين فورا.
لقد وفر اتفاق المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي (أوسلو)، والذي تم توقيعه أمام الشاهد الأميركي في البيت الأبيض عام 1993، حلولا واضحة عديدة، منها الطريق الآمن بين غزة والضفة الغربية، والذي تم بالفعل تشغيله، غير أن إسرائيل سرعان ما ألغته، فلو تم السماح بتنقل الأشخاص والبضائع، لتم تخفيف ملموس لمعاناة 1.8 مليون فلسطيني يعيشون في ما يشبه طنجرة الضغط، وقد تم تصميم ذلك الطريق بوجود بنود تحمي أمن إسرائيل، إلا أن غياب الإرادة السياسية هو ما أحبط مشروعه.
ينص البيان الأميركي البحريني بشأن الورشة الاقتصادية على أن هدفها "تطوير البنية البشرية وتوفير فرص لنجاح نمو يتمحور حول الاقتصاد الخاص". وهذه تسميات برّاقة وغير منطقية لمنطقة تحت احتلال، وتعاني من مضايقات أمنية، فيما اشتملت الخطة التي طرحها رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، سلام فياض، على حلول توفر مجالا لنمو الاقتصاد الحر، فقد اقترحت تطوير البنية التحتية، لتشمل ميناء ومطاراً لتسهل عملية التصدير الفلسطيني إلى أسواق أوروبا وغيرها، وقد رفضت إسرائيل هذه الخطط وغيرها، مثل إمكانية التنقيب عن النفط في الضفة الغربية والغاز من شواطئ غزة، كما تم تقليص إمكانات تطوّر الاقتصاد الرقمي الفلسطيني، فتم السماح فقط أخيراً بإدخال معدات الجيل الثالث إلى الضفة الغربية فقط، فيما لا تزال معدّات الخليوي للجيل الرابع ممنوعة عن الضفة وقطاع غزة، ويتم السماح للشركات 
الإسرائيلية بمنافسة الشركات الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية بدون أي محدّدات.
إذا، بدل أن تقدّم أميركا خططا أحادية الجانب لتطوير الاقتصاد الفلسطيني، وهو ما ترفضه القيادة الفلسطينية، والذي سيتطلب إقناع الدول المشاركة في ورشة البحرين بدفع فاتورة تصل إلى 78 مليار دولار حسب التقارير، هناك طريق آخر، أن يطلب فريق ترامب من إسرائيل رفع القيود المفروضة لأسباب سياسية على الشعب الفلسطيني، فذلك سيساعد على تمهيد الطريق لنقاش سياسي. ومن الضروري أيضا الطلب من دولة الاحتلال أن تلتزم بالاتفاقيات التي تم توقيعها، وبشهادة الحكومة الأميركية، ومنها نقل كل الأموال التي تجبيها لصالح الخزينة الفلسطينية، وحسب بروتوكول باريس.
في النهاية، لا بد من إيجاد حل سياسي لإنهاء الاحتلال، وتوفير حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وهو حق غير قابل للتصرّف. وإذا كان هذا الحق غير متوفر حاليا، بسبب اختلال ميزان القوى، فيجب العمل على تحفيف الضغوط الاقتصادية، باحترام الاتفاقيات والمواثيق، ومنها نقل كامل المستحقات الفلسطينية، وهذه من أبسط الحقوق، بدلا من إضاعة الوقت في أوهام أن الشعب الفلسطيني سيبيع حقوقه مقابل حفنة من المال الملوث.