بالصور: احتجاجات تونس.. أحداث عنف تشوه تظاهرات القيروان

بالصور: احتجاجات تونس.. أحداث عنف تشوه تظاهرات القيروان

24 يناير 2016
محتجون يطالبون بالتوظيف وتنمية عادلة في القيروان (العربي الجديد)
+ الخط -
مع بلوغهما سن الـ 44 عاماً، أصبح حسام القاسمي وزوجته، يشعران بالقلق الشديد، من فوات فرصة انتدابهما موظفين في القطاع العام في ولاية القيروان التونسية، (تبعد 160 كم عن العاصمة التونسية)، إذ تمنع قوانين التشغيل توظيف من يتخطى عمره 45 عاماً، وهو ما دفع الزوجان إلى مشاركة المئات من العاطلين في الحراك الاحتجاجي الذي شهدته المحافظة الواقعة وسط تونس، من أجل المطالبة بالتشغيل.

يقول حسام لـ"العربي الجديد": "أعمل في وظائف هامشية بالأجر اليومي، رغم أني خريج جامعي، سئمت الانتظار وتتبع الحلول الوقتية، وحان الوقت ليتم انتدابي للوظيفة العمومية لألتحق بعمل كريم يؤمن مستقبل عائلتي".

شغل حرية وكرامة وطنيّة

"شغل حرية كرامة وطنيّة"، هي أبرز شعارات الاحتجاجات السلميّة التي انطلقت من أمام مقر إدارة التشغيل بمحافظة القيروان، يوم الخميس 21 يناير/كانون الثاني، باتجاه مقر الولاية، بمشاركة مئات العاطلين عن العمل إلى جانب عاملين ضمن آليات تشغيلية غير رسمية كانوا ينتظرون إدماجهم في الوظيفة العمومية منذ سنوات وهو مالم يتم بعد.

ولم يمنع الاحتجاج السلمي ضد محافظ القيروان من رفع شعارات سياسية تطالبه بالرحيل ووصف الحكومة بكونها "عاجزة عن تلبية مطالب العاطلين" ويدعونها الى "الاستقالة" لتأتي مكانها حكومة أخرى قادرة على ذلك. وكذلك شعارات تدعو الى "الصدام الصدام حتى يسقط النظام".

ينظم الاحتجاجات السلمية والاعتصام داخل مقر محافظة القيروان وفي المعتمديات (مناطق ريفية)، منظمة تعنى بالدفاع عن العاطلين من ذوي الشهائد العلمية العليا (اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل)، إلى جانب منسقين للنقابة العامة لعملة الآلية والحظيرة، وهو هيكل نقابي يتبناه الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية في تونس).

وتساند الاعتصامات والاحتجاجات وترافقها شخصيات حقوقية من منظمة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان (مستقلة) وناشطين في أحزاب سياسية تنتمي إلى "الجبهة الشعبية" وهو ائتلاف أحزاب سياسية ذات توجه يساري وقومي اشتراكي.

مجموعة أخرى من العاطلين (بين 15 و20 شاباً) مستقلة عن احتجاجات اتحادات أصحاب الشهادات العليا، قررت مواصلة الاعتصام أمام مكتب محافظ القيروان وألصقت على الجدران مطالبها وهي التشغيل، من هؤلاء أسامة ملاط ثلاثيني، قال لـ"العربي الجديد"، إنه بعد قرار الحكومة توفير 5 آلاف فرصة عمل لأبناء ولاية القصرين التي انطلقت بها أولى الاحتجاجات، فإن "شبان القيروان يطالبون بنصيبهم من التنمية وبتفعيل الحق الدستوري في التمييز الإيجابي، والذي ينص على أن تسعى الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استناداً إلى مؤشرات التنمية واعتماداً على مبدأ التمييز الإيجابي"، ويقول أسامة وزملاؤه، إنهم متمسكون بمواصلة الاعتصام الى حين توفير فرص عمل حقيقية.



البطالة في القيروان

تبلغ نسبة البطالة بمحافظة القيروان 25% من إجمالي القوى العاملة بالمحافظة التي يبلغ عدد سكانها، (600 ألف نسمة)، وهي نسبة أعلى من معدل البطالة في تونس الذي يتراوح بين 15% إلى 17%، وفقاً لأحدث بيانات المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

وكشف مصدر في الإدارة الجهوية للتنمية، تتبع وزارة التنمية والاستثمار الخارجي، أن القيروان بها أكثر من 80 ألف مطلب شغل، في مقابل غياب فرص وظائف في القطاع الخاص نتيجة عدم إقامة مؤسسات تشغيل خاصة، منذ العام 2010 بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي، ويؤكد المصدر لـ"العربي الجديد"، أن عدد العاملين في القطاع الخاص لا يتجاوز 11 ألف عامل.

في حواره مع المحتجين المطالبين بالشغل قال والي القيروان، شكري بن حسن، (تم تعيينه منذ فبراير/شباط 2015 بعد الانتخابات الرئاسيّة)، إن التشغيل في القطاع العمومي من مسؤولية الحكومة، رافضاً الاتهام بالفشل، الموجه له من المتظاهرين، وهتافات "ارحل" المرفوعة في وجهه، ما دفعه إلى مغادرة مكتبه بعد وصول المئات إليه، محاطاً بقوات حفظ النظام.



من السلمية إلى العنف

على خلاف الاحتجاجات السلمية التي قام بها العاطلون عن العمل، خلال ساعات النهار، جرت تحركات احتجاجية عنيفة وسط الشوارع. ووفقاً لما وثقه معد التحقيق، فإن أبطال تلك الاحتجاجات العنيفة، شبان وأطفال، وجرى خلالها، حرق العجلات المطاطية وغلق الطرقات. وقد انطلقت تلك الاحتجاجات في المناطق الريفية التابعة للقيروان (11 معتمدية تحيط بالولاية، التي تشكو من صعوبات في توفير لقمة العيش وتوفر المرافق الأساسية من الماء والخدمات الصحية وتتهم الحكومة بتهميشها).

يقول أحمد ناجح من أبناء القيروان وأحد المعترضين على أداء الوالي، إن الاحتجاجات المطالبة بالتنمية والتشغيل، أخذت منعرجاً عنيفاً على ضوء اقتحام مؤسسات عمومية وإحراق مؤسسات ورشق مقرات أمنية بالحجارة وحدوث مواجهات مع قوات الأمن وهو ما يشوه المطالب العادلة للمحتجين، متابعاً في شهادته : "على خلاف الاحتجاجات السلمية التي لم يتدخل الأمن لتفريقها، حصلت مواجهات بين قوات أمنية ومحتجين لجأوا إلى العنف، وتسببت عمليات الحرق والتخريب والسطو في خسائر مادية للمباني والبضائع والمحتويات، كما خلفت خسائر بشرية لدى المواطنين بسبب عمليات سلب واعتراض سبيل عانى منها الجميع، حتى الأمنيين وموظفي جمارك والدفاع المدني كما تم إحراق شاحنة إطفاء بعد استدراجها من كمين من قبل محتجين".



حقوق الإنسان: مطالب الشغل والتنمية شرعية

يؤكد محمود وسلاتي، رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في القيروان (من مكونات الرباعي الراعي للحوار والذي نال جائزة نوبل للسلام)، أن التحركات العنيفة التي اشتعلت ليلاً، منفصلة عن المطالب "الشرعية بالشغل والتنمية". وأشار إلى كونها منظمة بشكل يهدف الى تشويه الاحتجاجات المطالبة بالشغل.

في حين عبر النائب عن القيروان في البرلمان التونسي، سهيل العلويني، (مستقيل من حركة نداء تونس والتحق بكتلة "الحرة") عن ريبته من أعمال العنف وخاصة حرق مقر الديوانة بالقيروان (الجمارك وتتبع لوزارة المالية)، مطالباً بتحقيق جدي فيه من طرف وزير الداخلية، والسلطات القضائية والصحافة المحلية وتساءل "من فتح الباب" للمحتجين لإحراق الديوانة، وتشويه مطالب المحتجين وحراكهم السلمي. وكانت كتلة الحرة (تضم نواباً مستقيلين من حزب نداء تونس)، قد أصدرت بياناً ساندت فيه المطالب الاجتماعية فيما طالبت الحكومة بالتحقيق في أحداث العنف.

لجان للحراسة

يؤكد مصدر قيادي في الشرطة العدلية بالقيروان، أنه تم القبض على عدد من المتهمين وحجز شاحنات محملة ببضاعة تم نهبها من مستودع الجمارك. وقال المصدر (رفض ذكر اسمه لعدم التصريح للأمنيين بالإدلاء بتعليقات على الأحداث) لـ"العربي الجديد"، إن منفذي السطو لصوص عاديون من الأحياء المجاورة ومنهم من جاء من مناطق ريفية لاستغلال الأحداث، وبعضهم تورط في عملية اقتحام مبنى القباضة المالية (مبنى تابع لوزارة المالية خاص بالضرائب)، في منطقة بوحجلة والاستيلاء على محتوياتها.

في مقابل ذلك، قام عدد من المواطنين بتأمين مقرات حكومية وحراسة الممتلكات الخاصة، في ظل تفرق الأمن في عديد المناطق ومغادرته نقاط التفتيش وتشتت جهود الأمن والجيش في مطاردة لصوص هنا وهناك، كما يقول أحمد إبراهيم، أحد الشباب المشاركين في لجان الحراسة هذه، والذي تابع لـ"العربي الجديد" "تسببت عملية قطع طريق في وفاة مواطن أثناء مطاردة شاحنته بواسطة شاحنة أخرى، ما أدى إلى انقلابها ونهب محتوياتها، ما دعا الأهالي للتجمع في شكل لجان تشبه ما وقت في أيام ثورة جانفي 2011".

وكانت الحكومة التونسية قد وجهت تهمة التآمر على أمن الدولة إلى جهات سياسية وإرهابية وعصابات تهريب. واعتبرت أن أحداث العنف هدفها تقويض أمن البلاد. وفيما يؤكد النائب البرلماني طارق الفتايتي عن حزب الاتحاد الوطني الحر (ليبرالي) المشارك في الائتلاف الحكومي، مساندة حزبه للمطالب الاجتماعيّة، داعياً الى وضع خريطة طريق تهدف الى تقديم حلول عاجلة للتنمية وتكون واضحة الأفق من خلال الاستثمار، يرى نائب الجبهة الشعبية عن جهة القيروان، طارق البراق، أن "خيارات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية لا تلبي مطالب الثورة وأولها التشغيل، ما أدى إلى تجويع المعطلين عن العمل وتقديم الوعود الكاذبة"، قائلاً لـ"العربي الجديد": "عصابات إجرامية تتخفي تحت عباءات الاحتجاج لتشوش اعتصام العاطلين عن العمل ومطالب التشغيل".