باسم يوسف.. طبّاخ السم

باسم يوسف.. طبّاخ السم

20 يونيو 2019

باسم يوسف في نيويورك (18/7/2018/Getty)

+ الخط -
الذنوب تخص أصحابها فقط، إن لم تصل آثارها إلى أي أحدٍ سوى صاحب الذنب، أما الذنب العام الذي قاد به أو من خلاله ملايين الجماهير إلى الضحك المقصود به تشويه أناس (أي ناس) جاءت بهم الثورة في استحقاقاتٍ خرجت لها الملايين صفوفا، من طلوع الشمس لمغيبها، في مشهدٍ مهيبٍ لم تر مصر قبله ولا بعده أبدا، ثم يخرج نصف مذيعٍ ونصف راقصٍ وربع ممثل كي يُضحك الجماهير على منتج ثورة، حتى وإن كان رئيسها رجلا من أصول كينية أو فلاحية أو تركية أو بحراوية أو صعيدية أو كان يلمس "أستيك الساعة"، أو ياقة قميصه، أو منتصف بنطلونه، أو يقبل لاعبة كرة سلة، أو طائرة أو حتى قردا أو كلبا.. إلخ، كما تتعامل وتعاملت الديمقراطيات التي يعيش الآن فيها باسم، وقد احترف الخلطات والبهارات والزبدة، بل احتكمت فقط إلى ما جاءت به الصناديق. أما أن يتعمم راقصٌ بعمامة باكستاني، تقليدا وسخرية من رئيسٍ يحمل درجة الدكتوراه، فهذه قلة أدب وذوق، مقصودٌ وموجهٌ وقد تم أخذ الثمن، وأن يتم ذلك أمام محكمةٍ مصرية، وهو فوق الأكتاف يضحك، فهذا شيءٌ كان مُعدّا، لا للضحك فقط، فكل الناس تضحك، ولكن لكسر الهيبة، ومتفق عليه، مع الأمن، سلفا، وصاحبه نال الأجر ومشى.
يطبخ أو يعجن أو يقف حتى على عربية فول مدمس في أميركا، أو حتى يعمل عجين الفلاحة في دبي أو أبوظبي، أو في مطاعم ضاحي خلفان وكافيهاته، فليس هذا هو موضوعنا. فقط نناقش ذنبا عاما في حق ثورةٍ تم اغتيالها بالضحكات أولا، سواء بواسطة إبراهيم عيسى وقد علّق "فردة كاوتش قديمة" في الأستديو، وقد كتب عليها "الإستبن"، أو بباسم ورقصاته مدفوعة الأجر خلال سنة كاملة، لم يتخلف ولو حتى أسبوعا، فهذا هو حقٌّ عام لثورة راح فيها آلاف الشهداء، وما زالت الجراح تنزف في السجون والمعتقلات. ولا ننسى أن أحمد دومة الذي قفز على المدرعة في ثورة يناير هو الآن سجين، وغيره مثل عبد المنعم أبو الفتوح، وما كانت أبدا تلك الثورة تستحق ترقيص الحواجب، بل كان على بني آدم يحمل شهادة طبية أن يراعي، على الأقل، مصيبة الدم المبذول، فما بالك لو كان كل من ضحك عليهم هم الآن في السجون، وأغلبهم يحملون الدكتوراه، وآلاف قُتلوا بعدها في ميدان رابعة وغيره، ويكاد يكون كل من أصابهم ضحكه السخيف هم في السجون، باستثناء أحمد موسى ومرتضى منصور بالطبع، فهل تلك مصادفة؟
هل أصاب ترقيص حواجب باسم يوسف هدفه الصحيح، وبانتقاء أيضا. الإجابة نعم بكل تأكيد، فهل ندم باسم على أفعاله خلال سنة، أم هل ندم باسم يوسف عن أفعاله في حق الثورة؟ أم ما زال يراوغ كل آن بتصريحات تقرّبه من السلطة عن بُعد مثل "مرسي أراد أن يكون دكتاتورا ولكنه لم يتمكّن"، فهل، يا أستاذ باسم، من يحاول أن يكون دكتاتورا يأخذ أول قراراته بعدما صار رئيسا (إلغاء الحبس الاحتياطي على الصحافة؟)، ذلك القانون الذي يتم به الآن حبس أكثر من خمسين صحافيا، هل الدكتاتور يفعل ذلك، وهل الدكتاتور تقف "شراشيح النسوان" أمام سيارته عند قصر الاتحادية، وترميه إحداهن بفردة حذائها؟
حاولت عدة فتيات، من أربع سنوات، أن يرفعن أصواتهن أمام قصر الاتحادية، منهن المترجمة يارا رفعت سلام، ابنة الشاعر والمترجم المعروف، فمكثت يارا وزميلاتها في سجن النساء سنتين. هل فعل ذلك الدكتاتور مرسي لفتاة؟ أم جئت بعد فترة الطبخ كي تحاسبه على ما لم يفعله؟
يظهر الدكتاتور فقط من أفعاله وأقواله، فهل قال مرسي "ما تسمعوش حاجة من حد غيري أنا بس". وأكد على العبارة مرة ثانية بوعيدٍ أشد، وهل أبعدك مرسي الدكتاتور عن الأستديو خلال سنة؟ وهل أرسل لك "شراشيح النسوان" كي تسبّك أمام دار السينما. بالطبع أنت كنت تعرف جيدا من أرسل إليك هؤلاء النساء، سواء من جهات أمنية، أو من رجال مرتضى، ولم يفعلها معك مرسي الدكتاتور.
عموما، الأمثلة يطول شرحها، وأنت تعرفها أكثر منّي، لأنك عشت في القلب منها، إلى أن تم إسكاتك، بل لم يكتف بذلك، بل إبعادك تماما عن وطنك الذي ما أبعدك عنه من ادعيت أنه دكتاتور يوما واحدا، ولكن هكذا يتمسّح الصبية في فروة الطغيان عن بعد.
فارجع لوطنك سالما إن أردت، ولا تكن لعوبا مرتين، مرة وأنت طليق، ومرة وأنت تطبخ الأكاذيب.