باسم عوض الله... عودة كابوس الأردنيين

باسم عوض الله... عودة كابوس الأردنيين

27 مايو 2015
عوض الله ليس بعيداً عن العودة السياسية (فرانس برس)
+ الخط -

وقع التلفزيون الرسمي السعودي في خطأ برتوكولي، الاثنين الماضي، حين أطلق في نشرة أخباره على باسم عوض الله، المبعوث الخاص لملك الأردن عبدالله الثاني إلى الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، لقب "دولة"، وهو اللقب الذي يحمله في الأردن رؤساء الوزراء فقط، والذين ليس من بينهم عوض الله الذي يكفي ذكر اسمه في الأردن حتى يتدفق سيل من ردود الفعل والاتهامات، يصعب لجمه.

لم ينتبه غالبية الأردنيين إلى خطأ التلفزيون السعودي، لكنه الخطأ الذي يمثّل كابوساً يراودهم منذ سنوات، ويخشون أن يصبح حقيقة، لا سيما أن الاقتصادي الذي يحمّلونه مصائب اقتصادهم ويتهمونه بقضايا فساد من العيار الثقيل، يعود فجأة إلى الأضواء التي غادرها عام 2008، من دون أن يغيب خلال تلك الفترة عن ألسنتهم ذكره، شتماً وتجريحاً، مطالبين بالقصاص منه ومحاكمته على المآسي التي يعتقدون أنه اقترفها بحقهم.

وكانت مفاجأة أن يحمل عوض الله رسالة ملكه الشفهية إلى الملك السعودي، وهو دور ذو رمزية يصعب تجاوزها. فالرجل اختير رسولاً للحليف الاستراتيجي و"الأخ الأكبر" والمانح الأكثر سخاءً. لكن المفاجأة التي صنعت الحيرة أن الديوان الملكي الأردني، وعلى غير عادته، لم يبث خبراً حول مهمة عوض الله، ليأتي الخبر الذي تناقلته جميع وسائل الإعلام الأردنية، وأفردت له مساحة بارزة، منقولاً عن وكالة الأنباء السعودية (واس)، قبل أن يدعم بفيديو المهمة الذي بثه التلفزيون الرسمي السعودي.

تصرّف الديوان الملكي الأردني قد يُفسَّر بعدم رغبته في إثارة جدل حول الرجل السجالي أصلاً، خصوصاً بعد الجدل الذي رافق ظهوره، نهاية الأسبوع الماضي، في مؤتمر "دافوس"، الذي عُقد في البحر الميت، محللاً الواقع الاقتصادي للأردن والتحديات التي يعيشها، ومثنياً على الإجراءات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة، وهو التحليل الذي كان سبباً في خطف إعجاب الملك ورئيس وزرائه عبدالله النسور.

اليوم، يدرك حتى أعداء الرجل، البالغ من العمر 51 عاماً، أنه ليس بعيداً عن العودة إلى الساحة السياسية الأردنية، بعد أن غاب عنها قرابة ثماني سنوات، عمل خلالها كخبير اقتصادي "ناجح" في دولة الإمارات، لكنهم يختلفون على شكل عودته والمناصب التي تنتظره.

لا أحد ينكر أن الليبرالي عوض الله الذي يحمل درجتي الماجستير والدكتوراه، من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، يفهم أسرار الاقتصاد الأردني جيداً، وهو الذي عمل فيه مبكراً منذ عام 1992 سكرتيراً اقتصادياً لرئيس الوزراء، ثم مستشاراً اقتصادياً له، قبل أن ينتقل ليعمل خلال عامي 1999 و2001 مديراً للدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي، ليكون بذلك على مقربة من الملك الذي تربطه به صداقة وثيقة، وهي المناصب التي كان خلالها الرجل يعمل في الظل من دون خلافات في العلن.

اقرأ أيضاً: إقالة المجالي والقادة الأمنيين بالأردن: أكثر من قصّة معان

لمع نجم عوض الله في عام 2001 حين اختير وزيراً للتخطيط والتعاون الدولي، متربعاً على عرش الوزارة حتى عام 2005، فارضاً نفسه رجلاً قوياً وصاحب نفوذ، منتقلاً من الظل إلى العلن الذي أوجد له جيشاً من الخصوم، خصوصاً بعد أن أنيط بوزارته أحد أكثر برامج الأردن جدلاً حتى اليوم "التحوّل الاقتصادي".

وتعود جذور البرنامج إلى الرسالة التي وجّهها الملك للحكومة في 25 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001 يقول فيها إن الوقت قد حان لإعداد برنامج للتحوّل الاقتصادي والاجتماعي، يركّز على تنمية الموارد البشرية وتحسين الخدمات الحكومية، وتنفيذ إصلاحات مالية وإدارية وتعليمية وقضائية، ويكافح الفقر والبطالة، وهو البرنامج الذي أقرّ في عام 2003، على أن يُنجز خلال ثلاث سنوات، بموازنة بلغت 500 مليون دولار، وعهد إلى وزير التخطيط آنذاك عوض الله بالإشراف عليه.

فشل البرنامج، ولم يحقق أياً من أهدافه، وتبخّرت الأموال التي رُصدت له، وأصبح نموذجاً للفساد، من دون أن يتم التحقيق في أسباب فشله أو محاسبة المسؤولين عن ذلك الفشل، ليُحمّل عوض الله وحيداً المسؤولية، ويُعدم في محاكمة شعبية عُقدت له خلال موجة الاحتجاجات التي عاشها الأردن منذ 2010 وحتى نهاية 2012. لكن الرجل الذي صمت طويلاً دافع عن نفسه عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قائلاً: "كنت أتمنى، خلال السنوات الماضية التي تعرضت فيها للتجريح والقدح والذم والتشهير، ولو مرة واحدة فقط، أن يتصل بي أحد مروّجي هذه الاتهامات الباطلة ويسألني عن أساسها"، مضيفاً: "يعلم كل مواطن شريف صادق، زيف مصدرها، وخلوّها تماماً من أي حقيقة".

عوض الله الذي كان آخر عهده بالمناصب الرسمية مديراً للديوان الملكي قبل أن يغادره في أكتوبر/تشرين الأول 2008، المغادرة التي كانت سبباً في سعادة وارتياح الكثيرين، يطل اليوم من حيث غادر آخر المناصب، بالقرب من الملك، حاملاً رسالته إلى الملك السعودي، وهي الرسالة التي يرى فيها الأردنيون رسائل عديدة، تلتقي جميعها على أن "عدوهم" عوض الله ما زال موضع ثقة، وثقة عالية.

اقرأ أيضاً: اجتماع لتوحيد الحراكات الأردنية المطالبة بالإصلاح

المساهمون