باسل غطاس لـ"العربي الجديد" قبيل دخوله السجن: فليحاسبني شعبي

باسل غطاس لـ"العربي الجديد" قبيل دخوله السجن: فليحاسبني شعبي

نضال محمد وتد

نضال محمد وتد

ناهد درباس

ناهد درباس
02 يوليو 2017
+ الخط -
يدخل النائب الفلسطيني السابق في الكنيست، باسل غطاس، اليوم الأحد، السجن الإسرائيلي ليقضي عامين فيه، بعدما دانه قضاء الاحتلال بمحاولة إدخال هواتف نقالة للأسرى الفلسطينيين في سجن "كتسيعوت" الصحراوي، في 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي. في حينها، أعدّ الاحتلال لغطاس النائب عن حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" فخاً عندما زرع غرفة لقائه مع الأسرى بالكاميرات. وما إن غادر غطاس السجن، وفيما كان في طريقه للخروج منه، حتى انطلقت وسائل الإعلام العبرية بالحديث عن ارتكاب غطاس "مخالفات أمنية خطيرة تمس أمن الدولة"، ودخلت إسرائيل في حالة تحريض فاشي وعنصري ودموي على غطاس وباقي النواب العرب. وخلال أقل من ثلاثة أشهر، تم نزع الحصانة عنه، واعتقاله، ومن ثم التوصل إلى اتفاق تسوية مع النيابة الإسرائيلية يقضي باستقالته من الكنيست ودخوله السجن لعامين كاملين ابتداء من اليوم الأحد الثاني من يوليو/تموز. خلال هذه الفترة، أنجز غطاس جمع مقالات سابقة له وأخرى جديدة أصدرها في كتاب وضع له عنوان "بلا هوادة"، وهو يستعد لنشر كتاب جديد، أثناء مكوثه في السجن، بما يشبه السيرة الذاتية. "العربي الجديد" التقت غطاس قبل ساعات من دخوله السجن، وأجرت معه هذه المقابلة.

* كيف يمكن لنائب وسياسي حرّ أن يتحول بلحظة، إلى نائب سابق، وبالتالي أسير مقيد الحركة ومسلوب الحرية. كيف تصف ذلك؟
لقد مر ما يكفي من الوقت، أشهر كاملة، منذ أن بدأت قضيتي وملفي الأمني منذ صدر الحكم باتفاق بيننا وبين النيابة بالحبس لمدة عامين، وهو ما منحني وقتاً كافياً، على الصعيد الشخصي، للاستعداد نفسياً وذهنياً. أما في البعد العام والسياسي للقضية، فالواقع أننا كنا عملياً في حالة حرب، منذ اليوم الأول، بيننا وبين المؤسسة بكل أذرعها وبيننا كمجموع وبين باسل غطاس شخصياً. حرب فرضتها علينا مؤسسة متعددة الأذرع من شرطة ومخابرات وشرطة سجون، وجهاز نيابة عامة ومستشار قضائي، وصولاً إلى أجهزة الإعلام الإسرائيلية المجندة. لم تكن المسألة أزمة صغيرة لم تجر حساباتك فيها بشكل صحيح، وبالتالي خسرت مقعدك في البرلمان.



* لو قمت الآن بمراجعة لما حدث، هل تقول إن حساباتك كانت صحيحة أم خاطئة؟
قلتها أكثر من مرة: القضية ليست قضية حسابات، فأنت كقائد سياسي وصاحب ضمير، عندما تأخذ قراراتك، لا تفعل ذلك من باب الربح والخسارة وحسابات الجدوى، وأكرر أنه لو اتخذ أبطال التحرر الوطني في التاريخ قراراتهم بناء على هذه الحسابات، لما كنا سمعنا عنهم ولا كانوا أبطالا في نظر شعوبهم وذاكرتهم الجمعية. بالتالي، يهمني أنا هنا أن أزرع في ضمير كل إنسان حر أنه لو أن كل شهيد عملياً ضحى بحياته في سبيل الوطن والحرية والاستقلال، تصرف وفق هذه الحسابات، لكنا أمام خسارة، هذه سنّة الحياة. النضال الحقيقي ضد الاستعمار وضد الصهيونية في حالتنا لا بد من دفع ثمن فيه. من يظن أن النضال يبقى في البرلمانات وفي الصالونات المكيفة ومن على المنابر بينما يقضي الأسرى الفلسطينيون أعمارهم في السجون، يكون مخطئاً.



* هل الثمن الذي يدفعه باسل غطاس على الصعيد الشخصي، والجماهير العربية الفلسطينية في الداخل، هو ثمن مجدٍ لهذه القضية؟ هل كان يمكن أن نتجنب توريط عرب الداخل في هذه القضية؟

نحن نريد أن نورط وأن نتورط أكثر فأكثر لرفع سقف النضال ضد المشروع الاستعماري وضد ممارسات الدولة الإسرائيلية. كيف يمكن لنا أن نفعل ذلك؟ هل يمكن تحقيق ذلك عبر النضال البرلماني فقط؟ أم عبر النضال السلمي الإعلامي فقط. أين مطالبنا المركزية المشتقة من حقوقنا الجماعية؟ هذا كله لا أربطه بقضيتي، فهي مرتبطة بشيء ضميري إنساني وشخصي، محاولة مساعدة الأسرى الفلسطينيين على التواصل مع أسرهم، مع أمهاتهم، حالات من المعاناة الشخصية الشديدة التي حركتني لأن أرتكب هذه المخالفة، أو ما يسمى مخالفة لأنظمة مصلحة السجون، هم حولوها إلى محاولة لمساعدة الإرهاب، مما اضطرني في النهاية إلى القبول بالتسوية مع النيابة العامة بشأن الملف الأمني. أنا خالفت قصداً وعمداً تعليمات مصلحة السجون لإدخال هواتف للأسرى المحرومين من حق الاتصال بأهاليهم.

* ولكن هل يمكن وهل يحق للقائد السياسي العام أن يفصل بين الشخصي والعام؟ أنت تقول هذا موقف شخصي ضميري، لكنك لست فرداً عادياً من المجتمع، أنت قائد سياسي تمثل حزباً وتمثل شريحة في المجتمع الفلسطيني.
على العكس، أنا لم أفصل بين العام والخاص، بل أكثر من ذلك أنا لولا دوري القيادي ولولا الحصانة البرلمانية التي استغللتها لهذا الأمر، لم أكن لأصل إلى هذا الموقع أو إلى وضع يمكّنني من حمل هواتف نقالة لإدخالها للسجن. هذا الربط بين كوني عضو برلمان يتمتع بالحصانة البرلمانية، وبين الربط بأنني أدخلت هواتف نقالة هو ربط موجود أنا لم أفصله. أنا لم أقل إن كل قائد سياسي وكل نائب كان يجب أن يتصرف هكذا. هذا ما أملاه علي ضميري ومكوناتي النفسية والإنسانية، وطبعاً أنا لم أفعل ذلك لكي أحبس، أو لكي أقع في الفخ، هذا تحصيل حاصل، أنا كنت أتمنى لو نجحت في إدخال الهواتف. نحن تمنينا وخططنا أن يتم ذلك لكي يحصل الأسرى على الهواتف، لا لكي أفشل وأفقد وظيفتي وأدخل السجن. ولكن كل عمل أقدمت عليه أعمل فيه حساب المخاطرة، ومع ذلك أقدمت عليه، فليحاسبني شعبي وليحاسبني التاريخ، إذا كان فعلي هذا عاد بالوبال على شعبي والخسارة. بعد ستة أشهر من القضية، يمكن القول إن ما فعلته يؤتي ثماره، أولاً في رفع قضية الأسرى، ليس على جدول الأعمال فحسب، وإنما في الوعي العام والذاكرة والضمير لشعبنا. أيضاً في الداخل، حيث كان هذا مهملاً لأنه لا يوجد عندنا عدد كبير من الأسرى. وثالثاً على جدول الأعمال الإسرائيلي، وفي الرأي العام العالمي، رابعاً حتى لدى الأسرى أنفسهم. وأعتقد أنه لم يكن صدفة مثلاً أن يكون مطلب توفير هواتف عمومية في كل قسم من المطالب التي تصدرت قائمة مطالب الحركة الأسيرة في إضرابها الأخير عن الطعام.


* قلتَ إن العمل السياسي يجب ألا يتوقف عند العمل البرلماني ولكن يجب رفع السقف، واليوم في حالة العرب في الداخل، وبعد تشكيل القائمة المشتركة، يبدو أن السقف انخفض، بل إن قسماً من الذين رددوا مقولة إن باسل غطاس ورّطنا هم نواب في القائمة المشتركة، فهل نحن في حالة ارتخاء في العمل النضالي؟

من الصعب الإجابة على مثل هذا السؤال بنعم أو لا. هناك ظروف زمانية ومكانية وإقليمية ومحلية. صحيح أن هناك جوانب إيجابية لعمل القائمة المشتركة، ولكن هناك أيضاً جوانب سلبية. السؤال من يطغى على من وفي المحصلة إلى أين يؤدي ذلك. أعتقد أن الانتقاد هنا مهم وواجب، لتصحيح المسار لأن عدم الانتقاد ومحاولة حلّ الأمور بتسويات ودسّها تحت البساط أو عدم تعليق الغسيل الوسخ على رؤوس الأشهاد، هذا سيكون مدمّراً. سيؤدي إلى السير نحو تخفيض السقف، والسير نحو القاسم المشترك الأدنى للأحزاب العربية. نحن نريد من القائمة المشتركة أن ترفع السقف، فنحن قوة أكبر يفترض أن نمثل شعبنا بشرعية أكبر. وأنت تقول اليوم أنا أمثل 85 في المائة من العرب في الداخل، وهذا إنجاز مركزي أيضاً على مستوى العالم. نحن طبعاً نريد من لجنة المتابعة العليا، أن تكون الجهة المعترف بها على هذا النحو وبهذه الشرعية، لكن طبعاً القائمة المشتركة هي التي يجري انتخابها. وهي حصلت على أكثرية ساحقة. ويجب استثمار هذه القوة لرفع المطالب ورفع سقف الأداء مقابل الحكومة، مهما كانت هذه الحكومة، حكومة يمين استيطاني فاشي أو حكومة عمل يسارية أو حكومة وسط.

* هل أنت راضٍ عن أداء القائمة المشتركة؟
كلا، أنا غير راضٍ بالمرة عن هذا الأداء للأسف الشديد. قد يكون تعامل القائمة المشتركة مع قضيتي جزءاً من أعراض هذا الأداء، ذلك الوهن والضعف في عدم التصدي لتلك الحملة الجائرة والحرب الشعواء، بغض النظر إذا كنت موافقاً أم غير موافق على ما فعلته بشأن إدخال الهواتف النقالة للأسرى. تستطيع أن تكون معارضاً تماما لموقفي وأن تعتبر خطوتي غير شرعية، ولكن واجبك أن تقف متحدياً متصدياً دفاعاً عن زميلك. ما يجري حالياً (في تلك الأيام) عملية اغتيال سياسي وقد تكون أقرب للاغتيال الجسدي له كان يجب أن تقف معه بكل عنفوان، لأنه يتعرض إلى ما يتعرض إليه فقط لكونه نائباً عربياً. في هذا الملف فشلنا في أن نقف بعزة نفس.



* هذا ينطبق أيضاً على رد الفعل غير الكافي كذلك تجاه حظر الحركة الإسلامية؟

نعم في حالة حظر الحركة الإسلامية لم يقف المجتمع الفلسطيني موقفاً حازماً. أعتقد أن القرار لم يكن بالصدفة من قبل السلطة الإسرائيلية، بل كان بعد دراسة لتوقعات ردود الفعل، فنحن لا نتعامل مع نظام هاوٍ، بل مع مع نظام استعماري ممأسس، لديه مراكز دراسات، ومراكز إعلام وقادر على قراءة ما يجري في الوسط العربي بكل صغيرة وكبيرة، وتوقيت قراراتهم لا ينبع من ردود فعل هنا وهناك، أو بفعل موقف نزق لبنيامين نتنياهو أو وزير أمنه، بل هم قرأوا ودرسوا وأدركوا أنهم يستطيعون إخراج الحركة الإسلامية عن القانون من دون أن يؤدي ذلك إلى ثورة في المجتمع العربي.

* إلى جانب "الإنجاز" في تشكيل القائمة المشتركة، يبدو أن القائمة تعمل بموجب منطق الحرية المطلقة لكل طرف مكون لها، بأن يقوم بما يراه مناسباً من دون خطوط حمراء؟
لم تتبلور داخل المشتركة قوانين لعبة صحيحة ولا خطوط حمراء مشتركة، هذا صحيح. وهذه نقطة ضعف يتحمل الجميع المسؤولية عنها. التجمع الوطني الديمقراطي هو أكثر حزب في القائمة، رغم أن ذلك لم يخرج للإعلام ليتحدث عن هذه القضية في اجتماعات الكتلة، كنوع من الرغبة بعدم إغضاب الطرف الآخر وبفعل الحاجة لتخفيف التوتر بين مركبات المشتركة، والمشاحنات الحزبية، أو ردود الفعل على سلوكيات ربما لم تكن قبل تشكيل المشتركة لتمر بهدوء كما هو الحال اليوم.

* لنعد إلى ما بدأنا به، إلى لحظة الدخول للسجن، وروتين الحياة الذي ينتظرك. كيف تتصور ذلك أو تراه في مخيلتك؟
هذا أيضاً كان عندي الوقت للاستعداد له. طبعاً اعتدنا خلال فترة الاعتقال على نمط ما، لا أعرف تفاصيل محددة، ولكن من الواضح أن هناك أنظمة، ساعات الاستيقاظ والعد الصباحي، لا أعرف تفاصيل أكثر، سوى ربما أنني سأكون في سجن "الجلبواع" مع أسرى سياسيين فلسطينيين، لا أدري في أي جناح سأكون ولا حجم الغرفة أو عدد الأسرّة، وهناك احتمالات لأن يكونوا طبعاً وضعوا سيناريوهات لم نفكر فيها، ممكن أن يكون العزل أحد هذه السيناريوهات. أنا وضعت لنفسي برنامجاً، يعتمد كثيراً على وضع جدول أعمال أخصص فيه ساعات كثيرة للقراءة، وربما أندمج في برامج تدريس داخل السجن، وسأعمل ربما على الكتابة وإصدار كتابين، أحدهما ربما مذكرات سياسية شخصية عن حياة جيلنا. وهي فكرة بدأت تراودني منذ خروج عزمي بشارة للمنفى، وسأكتب عن تجربتي السياسية، وأيضاً هناك فكرة لوضع كتاب آخر هو عن تجربتي في بناء مؤسسات المجتمع المدني في الداخل.



ذات صلة

الصورة
بعض من الدمار من جراء قصف الكنيسة (علي جاد الله/ الأناضول)

مجتمع

ظن أولئك الذين لجأوا إلى مبنى كنيسة القديس برفيريوس في غزة، هرباً من القصف المستمر والكثيف على قطاع غزة، أنهم ربما اختاروا مكاناً آمناً. لكن الاحتلال لا يستثني بيوت الله أيضاً
الصورة

سياسة

اقتحم عشرات الإسرائيليين المتطرفين، اليوم الأحد، كنيسة مار إلياس في حيفا، في ظل اعتداءات متكررة منذ شهرين، بمزاعم وجود قبر يهودي "يشعيهوا هنبڤي" داخل الكنيسة.
الصورة
كنيسة مار إلياس في حيفا (العربي الجديد)

سياسة

شارك المئات من سكان حيفا في وقفة احتجاجية، اليوم الأحد، على ضوء الاعتداءات المتكررة ضد كنيسة ودير مار إلياس في المدينة، من قبل مستوطنين متطرفين يدعون وجود قبر يهودي هناك، كما اعتبر تجمّع حيفا، أن "الاعتداء على الكنيسة والدير استهداف للوجود العربي في
الصورة
سامي ابو شحادة يلقي كلمته في الاجتماع الشعبي (فيسبوك)

سياسة

نظم حزب التجمع الوطني الديمقراطي، السبت، اجتماعا شعبيا لشكر ناخبيه، والمناصرين للحزب، في شفاعمرو (في منطقة الجليل، بين مدينتي حيفا والناصرة)، الذين أعطوا الحزب ثقتهم ودعموه في المعركة الانتخابية الأخيرة للكنيست، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

المساهمون