بارومتر جندري

بارومتر جندري

04 اغسطس 2019
لا توجد ألعاب للفتيان وأخرى للفتيات (روبين بك/فرانس برس)
+ الخط -

- ماما، تعالي العبي معي كرة القدم...
- انتظر عودة والدك من العمل، لتلعب معه...
- لكنّ الفتيات يلعبنَ أيضاً كرة القدم!

قرع الجرس الجندري في رأسي. هذا صحيح جداً. لا توجد ألعاب للفتيان وأخرى للفتيات. أليس هذا ما حاولت جاهدة تكريسه طيلة السنوات الخمس الماضية. كنت أشعر بالفخر لأنّ الألعاب، كل الألعاب، حيادية جندرياً. لطالما حاولت، بكل وعي وإرادة، أن أمارس "الجندر" بالتربية وليس "التنظير". مع ذلك، أجدني دائماً في حاجة إلى "بارومتر جندري" في داخلي لينبّهني إلى تلك الانزلاقات الذكورية التي أقع فيها من دون وعي، كأن أشكر زوجي مثلاً لأنّه غسل الصحون. من السهل تحديد نطاق التمييز الجندري الجنسي الذي نواجهه نحن النساء. يكفي أن ننتفض على سياق كامل من التربية والأدلجة الاجتماعية والجندرية التي مورست في حقّنا، وأن نلمس آثارها على المستويات الشخصية وتفكيكها وإعادة تركيبها بكل وعي بما يتناسب وسلّة القيم الجندرية التي نريد لها أن تؤسّس مسار خيارتنا الشخصية والعملية والمهنية والمستقبلية.

على الرغم من ذلك، فإنّ المسار ليس بسيطاً ولا متسقاً. هو عمل ذهني وممارساتي مستمر، يتقدّم وينحسر، ويواجه محطات خاسرة وأحياناً يقفز مسافات من خلال تحقيق مكتسبات شخصية وجماعية. لكنّه بالتأكيد لا يتوقف على النساء وحدهنّ، إذ إنّ لمحيطهنّ الاجتماعي والأسري والمهني والسياسي دورا في تكرسيه أو قمعه. هذا الصراع الخارجي المستمر، للأسف، بهدف تأكيد البديهيات أو ما يجب أن تكون عليه البديهيات من جملة الحقوق، يرافقه وبشكل دائم معمل مستمر من الأفكار والمواقف التي ترصد أيّ انزلاقات "ذكورية" في الممارسات النسوية.

في تطبيق هذا النهج الشخصي على ذلك السياسي العام، نجد أنّ الوقفة الجندرية مع الذات لا بدّ من أن تكون مساراً دائماً لرصد أيّ انزلاقات ذكورية في عمل الأفراد أو الجماعات أو المنظمات النسوية، والتي لا تخلو أبداً من مثل هذه الانزلاقات، وهي ليست قليلة.




نرصد مثل تلك الانزلاقات في "النفس الذكوري" الذي يحكم العلاقات وموازين القوى بين الأفراد والجماعات النسوية، أو في تطبيق سياسات "فرّق تسد" أو ربما التحايل على الواقع السائد ومواربة الطرق أو حتى التطبيع معها لتحقيق مكتسبات، من دون اللجوء إلى المواجهة أو المقاومة. هل السبب هو في قصر المحاولة على رفد السائد الذكوري بمعطيات نسوية بديلة؟ وكيف يمكن أن تتحوّل النسوية من منظومة "بديلة" إلى أخرى "سائدة" ليست في حاجة إلى التذكير المستمر بالحقائق وبالبديهيات الحقوقية؟ من خلال مثل هذَين السؤالَين، قد أجد أنّ جيلي، ربما، في حاجة إلى هذا البارومتر، كون تربيتنا وأدلجتنا (معظمنا على أقلّ تقدير) لم تكن نسوية، وتالياً يبقى الجهد الذهني (بالفكر والممارسة) شخصياً في الغالب ويحصل بشكل واعٍ، على أمل أن يقوم الجيل التالي بممارستها بشكل بديهي لا واعٍ.

*ناشطة نسوية

المساهمون