"نسعى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه"، هكذا تحدث عمدة مدينة بارما ليصف وضع نادي بارما الحالي بعد الدوامة أو الزلزال الذي هزه وجعله أقرب من أي وقت مضى إلى الاختفاء من خريطة الكرة الإيطالية. ولكن كيف وصل بارما إلى هذه الحالة وما الذي حدث من قدوم المستثمر الألباني القبرصي الذي سرعان ما فرّ تاركاً النادي في يد محكمة الأفلاس وكيف دخل المدعوّ جامبييترو مانينتي في الصورة، والذي رفض بريشا بيعه النادي لأنه لم يقدم ضمانات مالية موثوقة، وهنا بيورو واحد فقط اشترى النادي، وظل لأسابيع يتحدث عن عملية إنقاذ وعن أموال قادمة من بنك سلوفيني؟
والبداية حتماً يجب أن تكون عندما تم إبعاد نادي بارما من المشاركة في الدوري الأوروبي، بسبب عدم دفعه الضرائب الإقليمية على الدخل، وهذه لم تكن ضربة على الصعيد الاقتصادي أكثر من كونها فرصة أتيحت لإدارة بارما لتغطية البيانات التي خرجت إلى الصحف بعد الكشف على حسابات النادي، والتي أشارت إلى وضع مأساوي من الناحية المالية، واستغل الرئيس جيراردي هذه الفرصة للتهديد بالرحيل والتظلم ولعب دور الضحية أمام الكاميرات والميكروفونات، بينما في الواقع الإبعاد عن البطولات الأوروبية كان نتيجة طبيعية لإدارة بعيدة كل البعد عن الواقعية، واستمرت لسبع سنوات من إخفاء الديون والعجز بفواتير وعمليات مشبوهة للاستمرار في الحصول على قروض مصرفية، وتأجيل ما لا يمكن تأجيله للحصول على أموال النقل التلفزيوني وكسب الوقت.
ولكن سرعان ما انتهت مسرحية الرئيس جيراردي وتحطمت أقنعته أمام الواقع المرير، فعائلته فرضت عليه التوقف عن صرف المال لدفع رواتب الموظفين، وحتمت عليه بيع النادي الذي يعيش في دوامة من الخسائر منذ انطلاقة المغامرة مع الممول في عام 2007. وهنا جيراردي في مقابلة يقول: "من المستحيل الاستثمار في كرة القدم، خصوصاً في بارما، حيث كان من الصعب جمع ثلاثة ملايين يورو من الشركات الراعية، الآن أصبح شيئاً جنونياً إضاعة الأموال في أندية كرة القدم ورمي الشركات في قبضة البنوك من أجل لعبة".
إذاً بيع النادي أصبح حتمية بعد أن توقف الرئيس عن دفع رواتب الموظفين في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وبدأت المعركة النقابية والقضائية مع العاملين، وهنا نشهد دخول مجموعة من المستثمرين الألبان والقبرصيين يترأسها الباني تاشي الذي بعد شرائه للنادي من جيراردي، وسرعان ما اكتشف أن النادي في دوامة مالية من دون نهاية، وأن الديون المتراكمة تتجاوز 190 مليون (إذا ما أضفنا الرواتب المتأخرة والفوائد على القروض) وأن مداخيل النادي أقل من متواضعة (في عام 2014 فقط سجل خسائر وعجزاً تجاوز 14 مليون يورو، وهو رقم كارثي بالنسبة إلى نادي صغير مالياً مثل بارما). وبعد الوعود بدأ الانسحاب البطيء والتراجع من خلال؛ أولاً تعيين مفوض رسمي كان رئيساً للنادي، ولكنه في الواقع كان يتفاوض مع السلطات المحلية للخروج من النادي بأقل ضرر ممكن، ألا وهو السيد أمير كودرا.
تدريجياً الإدارة الجديدة بدأت في الاختفاء والابتعاد عن الأضواء والضجة الإعلامية، إلى أن أتى الإعلان عن إجراء الإفلاس التعسفي وعن بيع النادي عبر محكمة الإفلاس إلى السيد جامبييترو مانينتي مقابل يورو واحد، أي نعم يورو واحد فقط. وفي الندوة الصحافية تحدث الرئيس الجديد عن استثمارات وإدارة حكيمة وإعادة هيكلة وعن دفع الرواتب للموظفين.
ولكن بعد دفع قيمة الصفقة (يورو واحد)، السيد مانينتي لم يقدم أي ضمانات مصرفية لتغطية العجز ودفع تكاليف الإدارة العادية (الحراسة وصيانة الملعب والرواتب وتكاليف أكل وإقامة اللاعبين والفرق السنّية... إلخ)، إنما تحدث عن ضمانات مالية ستصل من سلوفينيا وعن مشاكل فنية وأعذار أخرى لم تقنع أحداً.
ورحل اللاعبون وتُرك القارب الذي يغرق، بدءاً من كاسانو وفيليبي والبقية قد تلحقهم قريباً، خصيصاً بعد أن تأكد عدم مصداقية المستثمر الجديد الذي يتمتع بشهرة كبيرة في مدينة أوديني بسبب عملياته الوهمية وتسلقه لأعلى الشركات العقارية بضمانات مشبوهة (قضية شركة بينيا الشهيرة) ومحاولته شراء نادي بريشا ونادي بروفيرتشيلي من دون أي رأس مال، إنما دائماً عبر وعود وحديث عن الأموال السلوفينية.
والنادي؟ ومصير الفريق؟ حالياً محكمة الإفلاس قدمت ثلاث طلبات لإعلان إفلاس النادي وانطلاقه من الدرجة الرابعة، ولكن هذا الشيء سيؤثر في نتيجة الدوري الممتاز، إذ سيختفي نادٍ فجأة، وهناك من خسر ومن فاز ومن تعادل عندما واجهه، ولذا العمدة والبلدية والاتحاد والرابطة يسعون إلى ضمان استمرار النادي وبقائه على قيد الحياة إلى نهاية الموسم، ومن ثم إعلان الإفلاس والانطلاق من الهواة ومن الصفر.
في حين تستمر النيابة العامة في التحقيق في حسابات وعمليات الرئيس السابق جيراردي، يستمر الرئيس مانينتي في الحديث عن 100 مليون يورو سيأتون من سلوفينيا، وفي آخر اجتماع لمجلس الإدارة (كان الوحيد الحاضر لاستقالة بقية الأعضاء) ضمن من نفسه لنفسه استمرار ثقة مجلس الإدارة (أي هو نفسه) في مشروعه، بينما فريق الرديف لا يستطع الاستحمام بعد المباريات، لعدم وجود ماء ساخن وكهرباء، والفريق الأول لم يلعب مباراته ضد أودينيزي لأن النادي غير قادر على دفع تكاليف الملعب والحراسة.
الأنظار الآن لم تعد تتجه نحو سلوفينيا وأموالها، إنما نحو الدرجة الرابعة وظلامها بعد سنوات من المجد...