باحثون عرب: "عسر التحولات الديمقراطية" يراجع مسار الثورات بهدوء

باحثون عرب: "عسر التحولات الديمقراطية" يراجع مسار الثورات بهدوء

21 يناير 2016
باحثون عرب يقاربون ثورات الربيع العربي بهدوء (العربي الجديد)
+ الخط -
أجمعت مداخلات عدد من الباحثين والأكاديميين المشاركين في المؤتمر العلمي، "خمس سنوات على الثورات العربية: عسر التحول الديمقراطي ومآلاته"، الذي يعقد بدعوة من معهد "عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية"، في الجامعة الأميركية في بيروت، وبالتعاون مع "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، على أهمية مناقشة التطورات السريعة التي تشهدها بلدان الربيع العربي بهدوء، وبشكل علمي.

واعتبر الأكاديمي والناشط السياسي اللبناني، أنطوان حداد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مقاربة الربيع العربي بشكل تحليلي ونقدي في غاية الأهمية لاستخلاص العبر، من خلال مقاربة باردة لا تخضع لوطأة الأحداث الدراماتيكية التي قد تكون مُضللة أو معمية".

وقدم حداد مثالين على الظواهر الدراماتيكية: "تنظيم داعش، وهو لقيط هذا الربيع العربي، الذي ذهب بعكس اتجاه الثورات، والذي لا تمكن مقاربته تحت ردة فعل الدماء والمجازر والاستعراضية الهائلة التي قدمها، والمثال الآخر للظواهر المُضللة هو دور الجيوش في الثورات والثورات المُضادة، والذي مثّل استجابة بدائية لحاجة الأمن، لكنه كان على حساب مطالب الازدهار والحرية".

وأشار الأكاديمي اللبناني إلى "فرادة المؤتمر لجمعه روح النقد الشجاع، التي يعالج بها المركز العربي أوضاعنا العربية، وموقع المؤتمر في واحدة من أعرق المؤسسات الجامعية في بيروت، التي تنبض بالحياة والتنوّع مع قدر مقبول من الحرية الأكاديمية والسياسية".

ورأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، خليل عناني، في المؤتمر "جردة حساب للربيع العربي، الذي شهدنا فيه ثورات وثورات مضادة، للوقوف على أهم العقبات التي ارتكبتها القوى الثورية وأدت إلى حصاد هزيل للربيع".

وأشار عناني، خلال حديث مع "العربي الجديد"، إلى "المفارقة الواضحة في عمل الحركات الإسلامية التي نشطت في الربيع العربي، والتي لم تلتزم خطاً سياسياً واحداً، بل تنوعت استراتيجيات عملها والأساليب والأدوات".

وقدم عناني ثلاثة نماذج لعمل الإسلاميين، وهي "استراتيجية التوافق والتعاون كما حصل في تونس، حيث قدم (النهضة) تنازلات سياسية واضحة لإنجاح التجربة الديمقراطية، وعملية الصدام والتصعيد، كما حصل في مصر والأردن، مع توتر العلاقة بين الدولة ومؤسساتها في مواجهة الحركات الإسلامية بصفتها وافداً جديداً على الساحة السياسية. وأخيراً نموذج الإصلاح في المغرب، حيث نادى حزب العدالة والتنمية بالإصلاح، الذي يحقق له مكاسب سياسية أكبر من الثورة".

واستمر النقاش العلمي في الجلستين الثانية والثالثة، اللتين عقدتا بشكل مُتزامن في اليوم الأول من أعمال المؤتمر. وترأست الأكاديمية، مهى يحيى، جلسة قدّم فيها باحثون عرب وأجانب مقارباتهم للربيع العربي في مصر، وتونس، وسورية. 


الباحث حفيظ هروس، عرض نتائج مقارنة بين المرحلتين الانتقاليتين في تونس ومصر وأثر "الصراع على الهوية على عملية الانتقال"، فاعتبر أن "حدة الاستقطاب كانت أكبر في مصر وأكثر حدة في مختلف المجالات الدينية والسياسية والثقافية، وتميّزت بعناد الأطراف، بعكس التجربة التونسية الواعية. وفي وقت كان فيه المجتمع المدني المصري جزءاً من المشكلة، بعكس المجتمع المدني في تونس، الذي وصل بين العلمانيين والإسلاميين".

وبحسب الباحث، فقد تجسد الانقسام السياسي في مصر "في الخلاف حول إعادة صياغة الدستور، مقابل قرار تأسيس حكومة ترويكا تونسية لمكافحة الاستقطاب"، وحيا التونسيين "الذين تجاوزوا اغتيال المعارضين اليساريين، الذي كاد يحبط الوفاق، فبقي الاستقطاب سياسياً فقط وليس على صعيد الهوية".

وأكد أنه "كلما برزت السجالات حول الهوية وطفت الاصطفافات الطائفية، انتقلنا إلى عسر الانتقال الديمقراطي، والعكس صحيح"، مشددا على ضرورة تحقيق ثلاثة عوامل لضمان انتقال السلطة بشكل ديمقراطي، وهي "التوافق على إدارة مرحلة التحوّل، ورفع المخاوف بسيطرة جهة ما على أجهزة الدولة، وتطييف المواقع، والإيمان بعمق التغيير في التفكير والسلوك الاجتماعي، وليس المسار السياسي فقط"، إلى جانب عوامل خارجية أخرى قد تساهم في "تشظي الهويات وتصارعها"، كما يقول هروس.

ثم تناولت الباحثة ليندا مطر "الاقتصاد السوري خلال سنوات الصراع"، مشيرة إلى "بروز طبقة من البرجوازيين الحربيين من طرفي النزاع، وهي طبقة حريصة على استمرار النزاع لتحقيق المزيد من المكاسب".

وعدّدت الباحثة آثار الأزمة السورية على الاقتصاد السوري "والذي تعرّض لعقوبات دولية عام 2011 مقابل انخفاض في الإنتاجية المحلية، وتحويل الاقتصاد لدعم المجهود الحربي مقابل تخفيض التقديمات للسكان". كما خسر السوريون، بحسب الباحثة، "الاكتفاء الذاتي وجزءاً مهمّاً من المردود النفطي، ما أدى إلى التضخم وخسارة مليونَي وظيفة وارتفاع عدد الفقراء، مقابل بروز اقتصاد موازٍ قائم على أعمال عنفية وغير شرعية كالخطف والتهريب".

وقسمت مطر الطبقة البرجوازية الحربية الجديدة في سورية إلى "التجار المحليين، الذين يعتمد النظام عليهم في تجارة النفط، مع التنظيمات التي تسيطر على منابعه، وطبقة الوسطاء الذين يتولّون نقل المواد المُختلفة وتأمينها، والطبقة الثالثة هي طبقة المجرمين الذين يهرّبون كل شيء من المواد الغذائية والسلاح حتى البشر".

ونتيجة للسياسات الحكومية المتّبعة، تقول الباحثة إن المزيد من الإشكاليات الاقتصادية برزت في المناطق التي يسيطر عليها النظام"، ما أدى إلى رفع الدعم عن الوقود والغذاء، رغم مساهمات الرزم الاقتصادية التي قدمها حلفاء سورية في بعض المجالات، "ما ساعد النظام على التأقلم".

الأكاديمية من جامعة "نورث وسترن" في ألينوي الأميركية، وندي بيرلمان، تحدثت عن الثورة السورية "كإعادة خلق للشعب السوري"، وقدمت شهادات جمعتها من لاجئين سوريين، قالوا فيها إن الثورة "كانت أجمل من عرسهم وذهابهم إلى الحج، وهو شعور مُعدٍ دافع عنه السوريون بعد عقود من فرض النظام سيطرته مقابل الغذاء والأمن، والتهديد بهما".

وقالت الأكاديمية، التي سبق أن نشرت مقالات وكتباً عن فلسطين ولبنان، إن "مطالب السوريين بالحرية تجاوزت الجانب السياسي، وطاولت علاقاتهم الشخصية مع المواطنين والدولة ومع ذواتهم".

سلامة: الديمقراطية بقيت يتيمة

كذلك، قدّم رئيس "مجموعة الأزمات الدولية"، ومؤسس معهد باريس للدراسات الدولية، الأكاديمي والوزير اللبناني السابق غسان سلامة، محاضرة بعنوان: "ديمقراطية يتيمة". 

وركز سلامة، في المحاضرة المُتلفزة التي ألقاها من مقر إقامته في باريس، على "استهواء بعض القوى السياسية بمُختلف انتماءاتها للديمقراطية لتلاؤمها مع مشروعها السياسي ثم نبذها عندما رفضهم المواطنون"، معتبراً أن "الإجماع على تبني الديمقراطية شكلي فقط، لكن الفكرة بقيت يتيمة لأن أحداً لم يبن مؤسسات ديمقراطية حقيقية".

ووضع سلامة أحداث الربيع العربي ضمن سياق تاريخي أعاد فيه الحضور إلى مرحلة الحكم العثماني و"تخلي السلطنة العثمانية عن شرعيتها الإسلامية وتبنيها للتسلّط، ثم شاهدنا الثورة الإيرانية التي انطلقت بمشاركة مُختلف الفئات الشعبية وبينهم رجال الدين ضد الشاه، وفي مصر أيضاً ثار المصريون ضد سلطة الخديوي المطلقة دون أن يتمكنوا من بناء أنظمة ديمقراطية بسبب سيطرة الحالة الشعوبية التي حملها العسكر أثناء حكمهم، والتي فتحت أمامهم سبلاً للتنفس الاجتماعي دون وعود حقيقية بالديمقراطية، فلم تشعر الشعوب بخسارة الديمقراطية المجتزأة التي حصلت عليها بعد الاستقلال".

وتحدث عن فترة تسلّم العسكر للسلطة في البلدان العربية، كما تناول أثر الصراع الثلاثي بين القوميين ودعاة الإسلام السياسي والعسكر في عرقلة المسار الديمقراطي.

مورو: فليطبّع الإسلاميون علاقتهم بالمجتمع

من جهته، أكد نائب رئيس البرلمان التونسي ونائب رئيس "حركة النهضة" عبد الفتاح مورو، أن كتب الشريعة لن تغيّر العالم الإسلامي "بل العقل هو الذي سيغير العالم أجمع وليس العالم الإسلامي فقط". 

وقال مورو في المحاضرة الختامية، لليوم الأول، من المؤتمر أن "الإسلاميين أغفلوا الشأن العام لوقت طويل، ما ولّد حالة من العزلة بينهم وبين شعوبهم، واليوم بدأت الحركة الإسلامية في تونس تأخذ موقفاً من القضايا الاجتماعية بعيداً عن الأنماط العقدية فقط". 

وتطرق مورو إلى عمل الحركات الإسلامية في البلدان العربية، مؤكداً أن الإسلاميين "ملزمون بالقرب من الوطن وهو مهد العمل، والقرب من أدوات فهم المواطن بدل التلهي بتحديد جنس الجن!". 

وانتقد مورو "تدافع الإسلاميين على دراسة الطب والهندسة وإهمال العلوم الإنسانية التي تبنى بها العقول والدول". 

كما لفت نائب رئيس البرلمان التونسي إلى أبرز المشاكل التي تعاني منها بلاده اليوم "وهي قضايا اجتماعية كانتظار 100 ألف من الشباب فرص عمل دون أن يتمكن أحد من الإسلاميين أو غيرهم تقديم جواب لهم". وأكد أهمية إقرار الدستور الجديد لأنه "وضع حداً مؤقتاً للخلاف عن النمط المجتمعي عن الفرد والدين والدولة، وهو دستور نعتز به لأن التونسيين مُجتمعين قاموا بتبنيه". 

كما شدد على "ضرورة إشراك الثوريين في السلطة، وهي الطبقة التي نعتز بها وبهم نعزز ثورتنا". ودعا في ختام محاضرته إلى "تطبيع الإسلاميين علاقتهم مع المجتمع وتدشين وعي ديني جماعي لا يقتصر على الممارسات الدينية بل ينتسب عبره الإسلاميون إلى قضايا إنسانية".


اقرأ أيضاً: انطلاق أعمال مؤتمر "الثورات العربية" في بيروت