غادر رئيس الحكومة اليمنية الأسبق عبدالقادر باجمال الحياة السياسية قبل أكثر من عقد من الزمن بعد إصابته بعدة جلطات دماغية، لكن الإعلان عن وفاته ترك أثراً كبيراً في نفوس مختلف الأطياف اليمنية، على الرغم من زحمة الاضطرابات السياسية والعسكرية التي تشغل اليمن في الوقت الراهن.
وأُعلن، ليل الاثنين، عن رحيل رئيس الحكومة اليمنية الأسبق لثلاث مرات متتالية في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بعد سنوات من المرض، الذي أجبره على التواري في أحلك عقد يمر به التاريخ اليمني المعاصر، وتحديدا منذ عام 2008.
وكان باجمّال من أبرز رجالات نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حتى تمت إقالته بشكل مفاجئ في عام 2007، عندما تلقى خبر إطاحته عبر رسالة نصية من خدمة إخبارية مقربة من الرئاسة اليمنية حينها، وصلت إليه أثناء حضوره اجتماعاً مع قيادة أحزاب اللقاء المشترك المعارض، ووفقاً لمصادر متطابقة، فقد أبلغ الحضور أنه قد أقيل وواصل الاجتماع.
ومنتصف عام 2008، تعرض باجمال، المولود في مدينة سيئون بحضرموت مطلع عام 1946، لجلطتين دماغيتين مميتتين في سنغافورة، أثناء حضوره لاستلام جائزة "أبطال الأرض" المقدمة من برنامج الأمم المتحدة للحفاظ على البيئة.
واختفى باجمال، الذي خاض غمار السياسة والاقتصاد والمناصب القيادية بالدولة، عن المشهد منذ ذلك التاريخ، لإصابته بشلل نصفي.
كان باجمّال من أبرز رجالات نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حتى تمت إقالته بشكل مفاجئ في عام 2007
ولأنه كان يمثّل الحقبة الأكثر استقراراً، خيّم الحزن على جميع الأطراف اليمنية التي التقت في نعيه، إذ وصف بـ"رجل الدولة الأبرز" الذي تفتقر إليه اليمن في مثل هذه الظروف الراهنة.
وخيمت بيانات النعي، الثلاثاء، على وسائل الإعلام التابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، كما حضرت في وسائل إعلام تابعة للحوثيين، وأيضاً لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يتزعمه الرئيس السابق صالح.
ووصف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي باجمال بأنه "رجل إدارة وأنموذجاً لرجل الدولة الوطني المخلص في كافة المواقع القيادية التي شغلها، ومنها منصب وزير الطاقة والتخطيط والخارجية، ثم منصب رئيس الحكومة لثلاث مرات متتالية".
رئيس الحكومة اليمنية الشرعية معين عبد الملك اعتبر هو الآخر، في بيان نعي منفصل، أن اليمن "فقد أحد قادته الأفذاذ والاستثنائيين الذين كانوا محل فخر لليمنيين حتى من يختلفون معه سياسيا"، لافتا إلى أنه ترك برحيله "سيرة متميزة وإرثاً تاريخياً ثميناً في العمل الوطني والدبلوماسي والحزبي وقيادة الحكومة".
ونعى مجلس النواب اليمني، الثلاثاء، رحيل باجمال باعتباره عضوا في أول مجلس تشريعي بعد الوحدة اليمنية، وتحديدا برلمان 93، حيث وصفه بأنه كان "جمهوريا وحدويا، وديمقراطيا مدنيا، وعالما في السياسة والتاريخ والإدارة والآداب".
تعرض باجمال، المولود في مدينة سيئون بحضرموت مطلع عام 1946، لجلطتين دماغيتين مميتتين في سنغافورة منتصف عام 2008
ولم يترك رحيل باجمال أثرا عند الحكومة الشرعية فحسب، فحكومة الحوثيين، غير المعترف بها دوليا، اعتبرت أن الراحل "شخصية وطنية وسياسية وقيادية، ورجل دولة من طراز نادر"، لافتة إلى أنه "استطاع "في كل المناصب التي شغلها إبان فترة التشطير وفي العهد الوحدوي الخالد أن يقدم الأنموذج الأبرز في القدرة العالية والتعامل المسؤول والخلاق مع مختلف المهام والقضايا".
وفي شهادة انفردت بها عن باقي بيانات النعي الحكومية الشرعية، ذكرت حكومة الحوثيين أن رئاسة باجمال للحكومة بواقع 3 مرات متتالية "شهدت تحقيق إنجازات كبيرة واستقرارا لافتا للوضع الاقتصادي، وحراكا يؤكده حجم موازنة الدولة لحكومته، التي تجاوزت، ولأول مرة في تاريخ الحكومات اليمنية السابقة، تريليون ريال ولاحقا تريليوني ريال".
ووفقاً لسيرته الذاتية، فقد عمل باجمال، الحائز على شهادة البكالوريوس بالتجارة من جامعة القاهرة عام 1974، وديبلومات متخصصة في التخطيط والإدارة عامي 1978 و1979، نائبا أول لوزير التخطيط في الشطر الجنوبي لليمن قبل الوحدة عام 1979،، ثم وزيرا للصناعة عام 1980، ثم وزيرا للطاقة والمعادن عام 1985.
وبعد أن أجبرته أحداث عام 1986 بالجنوب على الانتقال للاستقرار في شمال اليمن سابقا، جاءت دولة الوحدة لتكون بداية جديدة لمحطات قيادية، دشنها برئاسة الهيئة العامة للمناطق الحرة عام 1994، ثم سرعان ما تقلد منصب نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتنمية في العام ذاته.
وفي عام 1997، تقلد باجمال حقيبة التخطيط والتنمية، ثم منصب نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية منذ عام 1998 وحتى 2001، عندما بدأ مشواره في رئاسة 3 حكومات متعاقبة امتدت إلى 2007.
واعتبر الكاتب الصحافي، حسن العديني، باجمال أنه كان "سياسيا داهية بالمعنى الحرفي"، لافتا إلى أنه "لو لم يتخل عنه علي عبد الله صالح في تلك الفترة، لما اختنق في حفرة 2011"، في إشارة إلى ثورة الشباب التي أطاحته بعد 33 عاما من الحكم.
وقال العديني، الذي كان مقربا من باجمال، في بيان نعي شخصي على فيسبوك: "أظن أن الرئيس (صالح) تجاهل نصائحه، وذهب مع الذين يجيدون تزيين الأشياء للحاكم وليس تنبيهه إلى المخاطر"، في إشارة إلى دوائر القرار المقربة من حكم صالح حينذاك.
وعلى الرغم من إجماع غالبية الأطراف على كيل الثناء للحقبة التي تقلّد فيها مناصب قيادية، إلا أن مراقبين اعتبروا باجمال أنه كان أحد أساطين الفساد في عهد صالح، وصاحب أشهر عبارة محاصصة غير مستحقة، والتي تقول "كم حقي فيها"، في إشارة إلى نصيبه من كل صفقة حكومية أو خاصة.
الصحافي اليمني المقيم في مسقط وليد حجزر أكد، في تدوينة على صفحته الشخصية في فيسبوك، أن باجمال "تصدّى لملف خصخصحة المؤسسات العامة، بما في ذلك بيع مؤسستي الحبوب والنقل البري"، كما أجاز بيع المقاعد الدراسية الجامعية بنظام "التعليم الموازي البائس" عبر توليه مسؤولية المجلس الأعلى للتعليم في حينه.
وشهدت الحياة السياسية لباجمال تقلبات اعتبر مراقبون أنه انحنى فيها للمصالح، فالرجل الذي كان عضوا في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني عام 1980، قبل الوحدة، غادر معترك السياسة وهو يتقلد منصب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم لليمن طيلة عقود حينذاك.