باب عمر باشا (4/9)

باب عمر باشا (4/9)

29 مارس 2020
+ الخط -
وقف حسين أمام باب العمارة في انتظار زملائه لكي يركب معهم "الترام" إلى مدرسة العباسية الثانوية في محرم بك، وكان يعرف أنه لن يظهر منهم أحد قبل نصف ساعة، وفجأة سمع الخواجة زخاري يتحدث إليه: "نهارك سعيد حسين"..

حسين: نهارك سعيد مسيو زخاري، نهارك سعيد مدموزيل إلينا.

نظرت إلينا إلى أبيها فوجدته يتحدث مع عم علوان البواب، فأدارت وجهها إلى حسين، وكان به كل حُسن وجمال الكون الذي يتخيله حسين، وابتسامة مشرقة تتسع الميناء الشرقية، وعيون عسلية صافية في صفاء سماء الإسكندرية الصيفية. وقالت برقة وصوت منخفض: نهارك سعيد حسين. وركبت سيارة مدرستها بسرعة الفراشة. ولكن حسين رأى بعض زميلاتها يحدقن فيه ويبتسمن له.

قرر حسين ألا ينتظر زملاءه، فقال لعم علوان البواب أن يبلّغ زملاءه إذا حضروا أنه ذهب إلى المدرسة. كذلك قرّر أن يسير إلى المدرسة ولا يركب الترام مع زملائه كالمعتاد.


إنه يريد أن يفكر ويحلم بإلينا بعد ابتسامتها الجميلة في هذا الصباح الرائع. فيريد أن يكون وحده لكي يستعيد صورتها الجميلة عندما التفتت إليه وصوتها العذب، عندما قالت له نهارك سعيد حسين.

ما أجملها في ابتسامتها ورقتها، صوتها مثل الكروان عندما تتكلم، تسير مثل الغزال، وسرعتها مثل الفراشة وهي تركب سيارة مدرستها.

يريد أن يعطيها خطابه بأي طريقة أكثر من أي وقت مضى، بعد أن رأى ابتسامتها الجميلة المشجعة. فهل من الممكن أن تكون إلينا تشعر نحوه بنفس شعوره نحوها؟

سار حسين في سوق النصارى بشارع باب عمر باشا وهو يشاهد البيوت القديمة، لكنها اليوم جميلة منتصبة مثل قوام إلينا الجميل.. باعة الخضار والأسماك والطيور ومحلات البقالة والجزارة يستعدون ليوم حافل بالبيع والشراء، وكذلك جامعو قمامة المحافظة يعملون بهمة ونشاط في تنظيف شارع السوق والشوارع الجانبية، كأنهم يشاركون حسين سعادته وفرحه بصباح إلينا المشرق.

مر في سيره على محطة مصر - سماها الناس بهذا الاسم رغم أنها محطة القطار الرئيسية في الإسكندرية - ومرّ كذلك على محل العصافيري الحلاواني، لكن هذا الصباح ليس للحلويات أو غيرها، ففم حسين وقلبه فيهما حلاوة صباح إلينا وابتسامتها وعيونها وصوتها.. التفكير فيها هو حلاوة الصباح وفاكهة الدنيا بأكملها!

سار حسين في شارع محرم بك وكان الطلبة من جميع الأعمار في طريقهم إلى مدارسهم. حي محرم بك فيه أكبر عدد من المدارس في الإسكندرية. كان شارع محرم بك في هذا الصباح ككل صباح مكتظاَ بالسيارات والترام والناس الذاهبين إلى كل مكان.

كان حسين يشاهد كل صباح بعضاً من ضباط البحرية بملابسهم العسكرية الأنيقة ينتظرون سيارتهم العسكرية لأخذهم إلى عملهم، فكان يشعر بالفخر أن مصر فيها ضباط وجنود أشداء لحمايتها.

وصل إلى المدرسة مبكراً ووجد البوابة الرئيسة مغلقة، فانتظر وهو سعيد حالم مبتسم وقلبه يرقص فرحاً.

للقصة بقية...

دلالات

B255BE3A-BC30-417B-932F-104B8C087B7D
حسن الحداد

كاتب مصري مقيم في أميركا

مدونات أخرى