باب توما على سريري

باب توما على سريري

11 يناير 2017
+ الخط -

عميقاً في مكان ما له طعم الانتظار، وقفت أراقب الناس حولي، كلهم يرتدون تفاصيل المدن وجراحها، ويتكلمون بأصوات الكوارث، أحدهم يقهقه كصوت كلاشنكوف، إحداهن تدور من نشوة قذيفة كيماوية، وجموع مراهقين يشمون خطوطاً خضراء ناعمة من الدينميت المطحون.

جاءت دعوة شخصية لي من مركز "الأحلام"، وذلك لحضور احتفال صغير مساحته بحجم دمعة، وامتداده من أطراف الحزن إلى ساحة الأمنيات، لا شيء ممنوع في هذه السهرة سوى أنك يجب أن ترتدي قميصاً من أحجار "كنيسة الزيتون" وقبعة من صوت مآذن الشام، مع بنطالٍ مزركش برسومات أولاد يتسولون الفرح على إشارات دمشق الضوئية.

كنت أظن أني الوحيد الذي أحلّق، ولكن ما إن عبرنا "باب توما" حتى نبت لنا أغصان بدل الأصابع وأجنحة بدل الأكتاف، وتحولت أقدامنا إلى مزهريات مقلوبة، يتدفق منها النعنع اليابس والماء.

اختفت الحواجز من الشوارع، وأغرق نهر بردى بنادق العسكر، وترك جبل قاسيون مكانه ونزل إلى الحارات العتيقة. وفي طريقه إلى "باب شرقي"، التفت إلى جوبر المدماة وهي تحضن أخواته البلدات من الريف، هز رأسه وأشار إليها أن تأتي ليكللها بأجنحتنا ونحن نرفع فوق كتفه شجرة الميلاد.

أجل، إنه قاسيون حيث تجلس المدفعية وتقصف محيط دمشق، أجل سوف يتمرد الجبل الأجرد وتقوم ساعة الحلم، بينما أجراس "كنيسة الصليب" عند قوس المريمية، تعرج إلى أصواتنا ونحن نفتح "باب توما" لتدخل أفواج الأطفال الذين يردودن "شام يا شام... أنت إلنا...".

بدأت أرى خلف الوافدين إلى الأبواب، عنقاً لقاتل أعرفه جيداً، كانت صوره تحتل صفوف المدارس، ورجاله يقلعون أظافر الحرية في كورنيش الميدان!

لكنهم الآن جميعاً بلا رصاص، سوف يغرقهم بردى، ذلك أن لعنة السوريين تحولت لمثلث برمودة يبتلع القاتل ما إن يمر بقربه.

تهتز الأرض، يتساقط الأطفال في النهر، تبدأ أبواب المدينة بالبكاء، ترفع السماء كل من عبر، أراني أبتعد في علو سريع، أبحث عن هاتفي لأتصل بمركز الأحلام، لم يعد لدي، لدي يد...

أحرك جسدي بقوة، أنتفض، لتصطدم يدي بخزانة الدرج قرب سريري، لكنها يد مخدرة تماماً، لقد نمتُ على جهة القلب، جهة البلاد المخنوقة التي جرّت "باب توما" إلى مناماتي وتركتني بأنفاس عالية، أبكي... وحيداً منذ الصباح...

(لارنكا)

 

دلالات