بائع عصافير من كركوك

بائع عصافير من كركوك

22 اغسطس 2016
(الشاعر)
+ الخط -
بفانوس سحري أراك تنظفُ ذاكرتك
من مآتم وألحظُك تستيقظ باكراً
تسير على رؤوس أصابعك
إلى شجرة تقدّم لك كل صباح
فطوراً يليق بكَ، وبمن يختفي في داخلك
منذ سنين.


***

لا أظنني سأهرمُ قريباً
أطرافي جيدة، أمسحها كل صباح
بزيت الزيتون، ثم أتجوّل على الأمواج
وتعلمته من جنادب
أتخلصُ، في سهولة، من كمائن في
نهايات الأزقة، يساعدني في ذلك حبلٌ طويلٌ
أحملهُ معي.


***

تمادى في حبّه للطواحين
تحمّل أقزاماً ثرثروا أمامهُ في قاعاتٍ
وثكنات. في لحظةٍ ما
قرّر أن يبحث عن نوعٍ جديد من الرياح
لها رائحة حدائق كركوك
توقف عن رثاء مرافئ تتفاداها سفنٌ
ولم يعدْ يلومُ الطبيعة لأي سبب
مضى ينبشُ عن روحه الضائعة
في هضابٍ يتخيلها، أجفانهُ مثقلة بمصادفات
ويشتمُ كل ما يتذكرُ
هناك، بذقن غير حليق، أراه
يهرشُ في صدره الضيّق، يتطلّع إليّ
ولا يعرفني.


***

إنني رجلٌ مترفٌ، بلا أسرة، وظيفة أو هموم
أكتب أشعاراً في قطارات أنفاق أتخيّلها
أنفق راتبي التقاعدي على طالباتِ أقسامٍ داخلية
وأتقبّل من جيراني طعاماً وفواكه.


***

سأرتاح اليومَ، ليس ترفاً أو هرباً
من تقلّبات الطقس.
لا أستطيع الخروج من بيتي
بسبب غيوم كثيرة أمام الباب
وهناك أشخاصٌ قاموا بمهام في قصائدي
يريدون أجورهم حسب عقودهم معي
سأرتاح اليوم
غداً سأمحو هذا كله.
بسطور قليلة.


***

في ساعة متأخرة، أجلس في غرفتي
وأتخيّل ما كنت أفعلُ، قبل قرنين
في مثل هذا الوقت:
أخرج لأسرق حصاناً
من قرية بعيدة.
لن أكون وحدي، فظلي لا يتركني أينما أتجهُ
ليلاً، نهاراً. ثم لي أوهامٌ ترافقني
شحذتُ مديتي، مررتُ قبل قليل بنباتاتٍ سامة
منها الشوكران، وشاهدتُ نهراً يعود إلى منبعه الجبلي.


***

في الأصل، أنا بائع عصافير من كركوك
لأسباب كثيرة، أقيم الآن في جزيرة فيليبينية
حتى هنا أنام بعين واحدة
أخشى من قراصنة ورهبان
وهم كثر في هذه الجزر الفقيرة
سمعتُ أمس عن لجوء نهر قبل أشهر
وينقل، منذ فترة، على رأسه
بضائع من جزيرة إلى أخرى.


* قصائد مختارة من مجموعة "قصائد مبعثرة" الصادرة عن "دار مخطوطات" (2016)

المساهمون