بئر العبد الجديدة... مدينة بديلة لمهجري سيناء؟

بئر العبد الجديدة... مدينة بديلة لمهجري سيناء؟

11 ابريل 2019
يشكو أهالي سيناء التردي المتواصل في أوضاعهم (Getty)
+ الخط -
فيما لا تزال جرافات الجيش المصري تعمل على إزالة مدينتي رفح والشيخ زويد وأطراف مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، قرّر الرئيس عبد الفتاح السيسي، إقامة مدينة بئر العبد الجديدة غرب المحافظة، في تناقض واضح مع طبيعة التعامل مع ملف سيناء، والحديث عن تنميتها. وفي حين يكثر الحديث عن مخططات التهجير القسري لآلاف المصريين من مدن محافظة شمال سيناء القريبة من الحدود مع قطاع غزة، تطرح علامات استفهام حول القرار الجمهوري الجديد.

وفي التفاصيل، أصدر السيسي القرار رقم 132 لسنة 2019، والقاضي بإعادة تخصيص مساحة 2708 أفدنة (تعادل 11375921 متراً) من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة بناحية بئر العبد، محافظة شمال سيناء، لاستخدامها في إقامة مجتمع عمراني جديد، "مدينة بئر العبد الجديدة"، وفقاً للقواعد والقوانين المعمول بها في هذا الشأن.

ويأتي هذا القرار في الوقت الذي يسارع فيه الجيش المصري الخُطى نحو مسْح ما تبقّى من مدينة رفح، واستكمال تهجير مدينة الشيخ زويد، بعد طرد غالبية سكان قراها الجنوبية، بالإضافة إلى عمليات الهدم والتجريف على أطراف مدينة العريش، خصوصاً الجنوبية والشرقية. ويعزز هذا التزامن الاعتقاد بوجود رابط وثيق بين التجريف في الشرق، والبناء في الغرب، خصوصاً في هذا الوقت الحساس الذي اشتدّ فيه الحديث عن خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، والتي تشير التسريبات عنها إلى تضمينها مقترحات بشأن إعطاء مساحات من الأراضي في سيناء لصالح الفلسطينيين بهدف توسيع الرقعة الجغرافية لقطاع غزة. كما أنّ القرار يأتي في وقت تؤكد فيه القيادة المصرية الحالية دعمها لـ"صفقة القرن"، فيما تشير الوقائع على الأرض إلى أنّ هذا الدعم تخطى التصريحات والأوراق.

وفي السياق، قال أحد مشايخ سيناء، في حديث مع "العربي الجديد"، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إنّ "النظام المصري يؤسس إلى أن تصبح مدينة بئر العبد عاصمة لمحافظة شمال سيناء، بدلاً من مدينة العريش، التي عاشت خلال السنوات الأخيرة ظروفاً قاسية، وذلك بهدف إجبار أهلها على تركها قسرياً باتجاه مناطق الشرق، والتي تتمثّل بدايتها في مدينة بئر العبد، وهي المدينة الوحيدة المتبقية بعافيتها في محافظة شمال سيناء بأكملها". وأضاف الشيخ القبلي أنه "سيتم نقل جميع المؤسسات الحكومية والهيئات الرئيسية والجامعات إلى مدينة بئر العبد الجديدة، بحجة تنمية سيناء، في حين أنّ السبب الخفي يتمثّل في تنفيذ مخطط تهجير جميع سكان مدن رفح والشيخ زويد والعريش، وهذا ما يجري فعلياً على أرض الواقع منذ عام 2014، برعاية الجيش المصري".

وأوضح الشيخ القبلي أنّ "مدينة رفح لم يتبق فيها إلا عدد بسيط للغاية من المواطنين في منطقتي البرث ونجع شيبانة، إذ لا يتعدى عددهم الـ500 مواطن من أصل عشرات الآلاف من الذين كانوا يسكنوها، فيما جرى إخلاء آخر النقاط السكنية في المدينة وتدمير المنازل في منطقة طويل الأمير وأبو حلو وغيرها. وكذلك الحال في مدينة الشيخ زويد، التي باتت تتركز في شارع واحد، فيما بقية مناطقها شبه خالية من السكان، في ظلّ انعدام الحياة في سيناء في السنوات الماضية، خصوصاً في الفترة التي بدأت فيها العملية العسكرية الشاملة في فبراير/شباط 2018". وأشار المتحدث نفسه إلى أنّ "مدينتي رفح والشيخ زويد باتتا خارج دائرة الحياة في سيناء، والدور المقبل سيكون على العريش، لينتهي حال السيناويين في بئر العبد".

يذكر أنّ الجيش المصري هدم على مدار السنوات الخمس الماضية مئات المنازل في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، فيما جرف آلاف الدونمات الزراعية، وعمل على هدم كل معالم الحياة في مناطق رفح والشيخ زويد، بما فيها البنى التحتية كشبكات المياه والكهرباء والمراكز التعليمية والصحية. ودفعت هذه الأوضاع المواطنين لترك المنطقة في اتجاه مدينتي العريش وبئر العبد، ولكن حتى هناك لا يزالون يعانون من الملاحقة الأمنية من قبل قوات الأمن المنتشرة في تلك المناطق، والتعامل معهم على أنهم متهمون.

وفي التعقيب على ذلك، قال الكاتب والصحافي السيناوي حسين الحكيم، عبر منشور على صفحته في موقع "فيسبوك": "مبروك بئر العبد الجديدة، ولكن يجب أن يبدأ العمار من حيث انتهى الخراب. نحن في شمال سيناء نثمّن جهود الدولة في إقامة المدينة الجديدة، ولكن أن تطالعنا الصحف بأنّ بناء بئر العبد هو إفشال لصفقة القرن وللمخطط بتفريغ سيناء، فهذا أراه استخفافاً بالعقول. ولذا كان يجب التنويه، الإعمار الذي نريده هو أن يكون على حافة أرضنا، سواء من قطاع غزة أو مع الأراضي التي يحتلها العدو الصهيوني. إنّ رفح أُفرغت من السكان بالكامل، بمعنى أنّ مساحة بعرض 13.5 كيلومتراً وطول 10 كيلومترات، لا يوجد بها بشر أو شجر أو حجر".

وأضاف الحكيم "الشيخ زويد التي كان يتبعها ما يقرب من 14 قرية، هي الآن وحيدة بمثلث أرض مساحتها 4 بـ 4 كيلومترات، وليس بها إلا بقايا كهرباء ومضخات مياه من آبار المتبرعين الأهليين". وتابع متسائلاً "الطريق والمسافة التي كانت بين الشيخ زويد والعريش، والتي تقدر بنحو 35 كيلومتراً، وكان على ضفافها أكثر من 12 تجمعاً، أين هي الآن؟ بقايا لتجمعات معدودة على أصابع اليد الواحدة"، موضحاً "قرى الشيخ زويد ليس بها إلا تجمّع قرية الجورة، ولولا صمود المتصوفة هناك بجوار زاويتهم لما بقي أحد، كما لم يتبق سوى بعض البيوت القليلة في قريتي الظهير وأبو العراج".

ولفت الحكيم إلى أنّ "عدد السكان كان قد قارب 120 ألفاً في رفح، لكنه الآن لا يتعدى 300 شخص. وعدد سكان الشيخ زويد كان قد قارب 120 ألفاً أيضاً، فيما الآن يبلغ نحو 60 ألفاً، بمن في ذلك سكان قرية أبو طويلة والمناطق التي نزحت من أطراف القرى إلى وسط الشيخ زويد وحي الكوثر وبحبوح والطريق الدولي القريب من الحمايدة وأبو الفارس وأبو فردة". وأضاف "نعم، لقد أصابتنا الفرحة حينما تمّ الإعلان عن بئر العبد الجديدة، ولكن يجب أن يبدأ الإعمار من حيث بدأ الخراب، رفح الجديدة تُبنى وهناك دلائل، ولكنها تبنى في جزء لا يتعدى 3 في المائة من مساحة رفح"، وتساءل "لماذا لا يتم إعادة أهالي القرى؟ فهم الأقدر على تعمير أرضهم وبنائها في أيام قليلة، وليس في سنين مثل رفح الجديدة". وتابع "أما العريش، عاصمة شمال سيناء، التي كانت تتمتّع بطرق خيالية وساحل رائع يمتد على طول 15 كيلومتراً من الريسة شرقاً إلى المساعيد غرباً، ومحال تجارية راقية وأسواق وتجارة أسماك وخضروات ومنطقة صناعية، الآن تصارع من أجل البقاء عبر تعويضات لأصحاب الحِرف، وفتح طرق، والحصول على لترات وقود بعد التنسيق والتصريح". وختم بالقول "فليسقط الإرهاب ولتسقط إسرائيل وتسقط صفقة القرن، وعاش المدافعون عن أرضهم ووجودهم وكرامتهم".

وكان الجيش المصري بدأ عملية عسكرية واسعة النطاق في فبراير/شباط 2018، بهدف السيطرة على الوضع الأمني في سيناء، إلا أنّ العملية لم تؤتِ النتائج المتوقعة، في ظلّ بقاء تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي، وحفاظه على قدرته على ضرب قوات الجيش والشرطة في أكثر من بقعة جغرافية داخل محافظة شمال سيناء، على الرغم من مرور أكثر من عام على انطلاق هذه العملية.