بأية حال عدت يا عيد!

بأية حال عدت يا عيد!

25 مايو 2020
+ الخط -
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بوباء فيك
وبحجر فيك تشديد..، مقتضى الحال يُلزمنا أن نقتبس من قصيدة المتنبي ونُحرّف شيئاً ما فيها، لأن العالم في زمن كورونا، لم يعتد في الأعياد على طمس الفرح بوشاح المرض، ولا قطع وشائج المحبة بسبب فيروس مجهري لعين.


لم يكن في الحسبان أن يحل عيد الفطر المبارك على المسلمين والعالم يغرق تحت سطوة وباء، التحلل من قيوده غير مشروع لا بموجب البروتوكولات الاجتماعية المستجدة التي فرضها هذا الوباء، ولا بموجب الإجراءات الاحترازية التي وضعتها السلطات الحكومية بالعالم العربي خوفاً من تفشي الفيروس، كل ذلك وضع المواطن تحت حصار قاتل، لا طعم فيه للعيد، ولسان الحال يقول: اصنع الفرح ولو تحت مرارة القيود.

إجبارية الكمامة وتشديد الحجر المنزلي

في الوقت الذي تسير فيه أوروبا بخطى حذرة نحو خلعها عباءة الإغلاق التام، رأى الكثير من الدول العربية أن العيد ظرف مناسب لتزايد أرقام الإصابة بوباء كوفيد19، بالنظر لما يطبعه من تزاور وتصافح.. الخ. ناهيك بكثرة التجمعات فيه وتنقل العائلات من منطقة لأخرى بقصد تقديم التهاني للأهل والأقارب وذوي الأرحام، لذا بادرت هذه الدول إلى فرض حجر منزلي كلي على السكان في البعض منها، فيما سعت أخرى إلى تمديد ساعات الحجر واتخاذ إجراءات تمنع حركة تنقل المواطنين، وذلك طيلة أيام العيد.


عيد فطر2020 يختلف تماماً عن الأعياد التي سبقته، فلم يعد فيه وضع الكمامة إجراءً وقائياً يتخذه الفرد من تلقاء ذاته، فقد تعدى الأمر إلى أن يصبح إجبارياً بموجب قوانين ومراسيم حكومية، قد تعرض مخالفته للسجن أو دفع غرامة مالية.

حقاً ما كانت أعيادنا تأتي على هذه الحلة الغريبة، التي نسجها فيروس مجهري، أو أن الإحساس بأعياد منكوبي الحروب منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، لم تشهد شعوب عدة دول عربية أعياداً كالتي تعيشها نظيراتها ذات الاستقرار الأمني، فأي طعم لعيد تحت الخيم للاجئي سورية المتناثرين عبر العالم؟ وأي معنى لعيد أهالي غزة الذين حاصرهم الاحتلال قبل أن تحاصرهم جائحة كورونا؟ وهل يعرف أطفال اليمن كيف تكون الأعياد وقد أنهك أجسادهم الصغيرة الجوع والمرض؟ وإن فكر شعب ليبيا في الاحتفال به فحتماً ستقلب أفراحهم إلى جنائز.

صحيح أن سمة العيد هي الفرح الذي ينبغي لنا أن نبحث عنه ولو في الظروف الاستثنائية كالتي يعيشها العالم اليوم، ولكن أعتقد أن أزمنة الأوبئة تغير تفكيرنا وإحساسنا الجمعي نحو الأوضاع الصعبة التي تعيشها الشعوب تحت وطأة الحرب والصراع.

التكنولوجيا الحديثة ومد جسور التواصل

إلى وقت قريب كان علماء الاجتماع والنفس يعيبون على التكنولوجيا الحديثة عزلتها للأفراد، التي قد تصل إلى تفكيك أوصال المجتمعات وتدمير الأسر، التي تزعزعت مكانتها في التنشئة جراء التسلل الرهيب لهاته التكنولوجيا وشتى وسائل الإعلام وسط البيوت، ولكن زمن كورونا أعاد ترتيب المفاهيم والأدوار، فالأسرة راحت ترمم ذاتها وتعيد لملمة الشتات الذي شابها، فيما سعت التكنولوجيا لإيجاد مكانة تليق بها من خلال ضمان التواصل الاجتماعي عبرها.

ففي ظل قيود الوباء صنعت– التكنولوجيا- الفرحة في عيد الفطر هذا العام، فقربت البعيد، وتكفلت بالغاية الأسمى من هذه الأعياد صلة الرحم، ضامنة تزاورا وتهانيَ افتراضية بين الأهل والأحباب الذين تقطعت سبل الوصول إليهم، فلم تجد القطيعة القاتلة التي فرضها الحجر المنزلي لها بُدا وسط القرية الصغيرة التي صنعتها التكنولوجيا الحديثة.
A5302409-CA2D-4BED-A56C-FD00F06C34E2
فوزية بن شرودة

صحافية جزائرية. محررة ومقدمة أخبار، ومنتجة ومقدمة برامج بالإذاعة الجزائرية. حاصلة على جائزة الصحافة الدولية للجوارالإعلامي المقدمة من قبل الاتحاد الأوربي 2015، وجائزة نجمة الإعلام المنظمة من قبل متعامل الهاتف العالمي أوريدو بالجزائر 2017