انهيار النفط يستدعي كابوس 1986 في الجزائر

انهيار النفط يستدعي كابوس 1986 في الجزائر

05 ديسمبر 2014
مواجهات بين الشرطة ومحتجين في الجزائر(أرشيف/فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

تبدو الحكومة في الجزائر غير عابئة بالتداعيات المالية المترتبة على انهيار أسعار البترول وتراجعها بما يقارب 45 دولار عن السعر الذي وصلت إليه منتصف العام الجاري، حيث تراجعت من مستويات تداول 115 دولاراً للبرميل في يونيو/حزيران الماضي، إلى أقل من 70 دولاراً في تعاملات الأسبوع الماضي، في الوقت الذي امتدت تأثيرات هذا الانهيار إلى أسعار الحبوب والأدوية والمواد الغذائية، التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأسواق الدولية، وهو ما سيرفع من كلفة الاستيراد، ويعمق من فجوة العجز في الميزانية التي تعاني منها الخزينة العمومية، نتيجة اعتماد الجزائر الكلي على إيرادات النفط والغاز. 
وتشير بيانات الحكومة الجزائرية إلى تزايد اعتماد البلاد على النفط على مر السنوات الماضية، إذ يذكر التقرير الدوري الذي أصدره ديوان الإحصائيات التابع لمصالح الجمارك ووزارة المالية في يونيو/حزيران 1999 أن عائدات النفط تشكل 93% من إجمالي صادرات البلاد، لكن التقرير الأخير للديوان يشير إلى أن عائدات النفط باتت تشكل أكثر من 97% من إجمالي الصادرات، ما يعني اعتماداً شبه كلي على عائدات النفط، على الرغم من كل الميزانيات التي خصصت لدعم الإنتاج الزراعي وإنعاش الصناعة وخلق نسيج للمؤسسات المتوسطة.
وعلى الرغم من ذلك، يقول وزير المالية، محمد جلاب، إن انهيار أسعار النفط لا يشكل خطراً على التوازنات المالية للبلد.
وإذا كان قد أوضح بأن الموازنة الجزائرية مبنية على سعر مرجعي هو 37 دولاراً للبرميل، فإن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن سعر برميل النفط المطلوب لإحداث التعادل في موازنة الدولة العامة، هو 131 دولاراً.
ويؤكد خبراء في الجزائر أن تراجع السعر إلى أقل من 70 دولاراً من شأنه أن يهدد الاقتصاد الوطني بأزمة مالية حادة وركود اقتصادي، فضلاً عن أزمات اجتماعية تتجلى بارتفاع نسبة البطالة كنتيجة طبيعية لتراجع الإنفاق الاستثماري وصعوبة تمويل مشاريع التنمية.
ويؤشر تزايد المطالبات في قطاعات التربية والصحة، والزيادات في أجور ربع مليون شرطي في الجزائر، بعد حركتهم الاحتجاجية الأخيرة، وتصاعد الاحتقان الاجتماعي والاحتجاجات ذات الصلة بمطالب السكن والشغل في أكثر من منطقة، والانزلاقات الأمنية المرافقة له، إلى توجه البلاد نحو مأزق اقتصادي واجتماعي خطير، يتزامن مع حالة من الاحتباس السياسي، يستدعي إلى الذاكرة، أزمة عام 1986 المترتبة على الانهيار الكبير لأسعار النفط، وما نتج عنه من أزمة اقتصادية حادة وانفجار اجتماعي.
وتلت الأزمة النفطية لعام 1986، أزمة اقتصادية حادة في الجزائر، بسبب انهيار القدرة الشرائية للمواطنين وفقدان المواد الغذائية في المحلات التجارية، والتضخم الكبير الذي تجاوز 42%، ما دفع إلى انتفاضة اكتوبر 1988 التي انهت نظام الحزب الواحد، وادخلت البلاد إلى التعددية السياسية.

وانخفض معدل النمو الاقتصادي في عامي 1986 ـ 1987 إلى 1%، بعدما كان 3.5% عام 1985، وانهارت عوائد الصادرات بأكثر من 42% إلى 7.4 مليارات دولار عام 1986، وساهم كل ذلك بارتفاع حجم الدين العام، فقفزت خدمة هذا الدين من الناتج المحلي من 8.27% عام 1986 إلى 21.7% عام 1991، واضطرت الجزائر في ذلك الوقت إلى طلب قروض ومساعدات خارجية وتبني خيار الإصلاحات من المؤسسات الدولية والتي كانت تعتبر ورقة ضغط خارجية عليها.
وبقدر ما تتجاهل الحكومة معطيات الوضع الراهن، تجد الطبقة السياسية في هذه الظروف مؤشر إدانة لسياسات الحكومة. وعبرت حركة النهضة عن بالغ قلقها إزاء تأثيرات تراجع أسعار النفط على الجانب الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر.
وتنتج الجزائر نحو 2.2 مليون برميل يومياً، وقد احتلت المرتبة 14 عالمياً من حيث الإنتاج، والتاسعة في التصدير بنحو 1.9 مليون برميل يومياً، ووفق التقرير السنوي لمنظمة أوبك، بلغت العائدات النفطية للجزائر 65.6 مليار دولار عام 2013.
وعلى الرغم من أن الجزائر تحتل المرتبة 49 عالمياً بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي من أصل 190 دولة، إلا أن نسبة البطالة مرتفعة وتزيد عن 10%، وترتفع إلى 26% بين الشباب، وهي تحتل المرتبة 109 وفق تصنيف البنك الدولي.
وحذّر حديبي، من تكرار أزمة عام 1986، وربما بشكل أخطر، في ظل احتقان المشهد الاجتماعي والصراعات الاجتماعية والسياسية، "وتغلغل جماعات المصالح المرتبطة بمافيا دولية ضمن ما يسمى الشركات متعددة الجنسيات والتي تكون على علاقات بدوائر غربية تنفذ أجندات خارجية لها في الجزائر"، وفق تصريحاته.
وأعدت الجزائر موازنتها للعام 2015، وهي تفوق 109 مليارات دولار وتحمل عجزاً كبيراً مقداره 52 مليار دولار، على أساس تقدير الواردات بنحو 57 مليار دولار، وستضطر الحكومة إلى سد هذا العجز من صندوق ضبط الايرادات الذي لديه حالياً أكثر من 55 مليار دولار. وكان هذا الصندوق يموَّل من الفارق بين السعر الحقيقي لبرميل النفط والسعر المقدر في موازنات السنوات الماضية، فضلا عن الاستفادة من احتياطي أجنبي كبير يقدر بنحو 194 مليار دولار.
لكن اللافت في موازنة العام المقبل، ضخامة موازنة الجيش والأمن والتي يصل حجمها إلى نحو 20 مليار دولار، أو ما يعادل 18% من الإنفاق العام، وهي موزعة بين 13 مليار دولار لوزارة الدفاع و 7 مليارات لوزارة الداخلية.
وقد أثارت ضخامة الموازنة العسكرية انتباه عدد من المراقبين الاقتصاديين الذين تعجبوا من اهتمام الدولة بالإنفاق العسكري والأمني مع ضعف المخاطر القائمة والتي لا تتطلب كل هذا الإنفاق.

المساهمون