انقلابات فرعونية

انقلابات فرعونية

16 ابريل 2019
+ الخط -
شهدت مصر الفرعونية، كغيرها من الحضارات القديمة، ثورات وانتفاضات، وتعرضت لمؤامرات وانقلابات، ولا يكاد يخلو عصر من عصورها أو أسرة من أسرها؛ إلا ووقع حدث من مثل هذه الأحداث؛ والتي ظهرت نتيجة لأسباب متعددة، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية. 
والانقلاب لفظاً لم يُذكر في أدبيات المصريين القدماء، وإن وقع معناه عندهم، فقد تحقق شكله ومضمونه من خلال المؤامرات التي حيكت برأس السلطة حينها؛ وتعرف المؤامرة بأنها مكيدة للقيام بعملٍ معادٍ إزاء حُكم أو بلد أو شخص، وهي ما يدبره أشخاص خفية، ويصممون على تنفيذه ضد شخص أو مؤسسة أو دولة. ويُقال: ائتمر فلان بفلان، وائتمر قوم بفلان، أو تآمروا عليه: أي تشاوروا في إيذائه، وهذا هو المعنى الاصطلاحي نفسه لـ "محاولة انقلاب"؛ والتي تعني، في السياسة، محاولة الاسْتيلاَءِ على السلطة بالقوة لِقَلْب نِظامها بأَساليب غير شرعية وغير دستورية.
وقد ذكر أستاذنا الدكتور، عبد الحليم نور الدين، رحمه الله، أستاذ اللغة المصرية القديمة، حينما تحدث عن المؤامرات في اللغة المصرية القديمة: "لم تقتصر النصوص المصرية القديمة على استعمال لفظ واحد للتعبير عن معنى التآمر فحسب، وإنما نجد أكثر من لفظ؛ فإما كلمة مفردة أحياناً، أو تعبير مركب أحيانا أخرى، ومن الشائع أن نقول: حدثت مؤامرة في البلاد للإطاحة بنظام الحكم".
كان نظام الحكم في مصر القديمة مركزياً؛ تمثل في الملك الذي كان رمزاً تدور حوله كل السلطات، وأصبح فكراً سائداً مترسخاً على أسس دينية؛ فالملك عندهم كان يعتبر نفسه وريثاً شرعياً لمن سبقه من الملوك الآلهة، كما اعتقدوا، وأورثوه كل سلطاتهم، واعتبروه شخصية إلهية مقدسة. ولهذا لم يكن من المألوف التآمر عليه، أو تشكيل جبهة معارضة له، مهما كان ظالماً، ولأن الملك كان مُنزهاً عن الأخطاء، في نظر العامة، كان من الواجب على المصريين، طبقاً لذلك، الخضوع التام والطاعة العمياء.
وعلى الرغم من هذه الصورة الدينية المقدسة التي انتهجها نظام الحكم في مصر الفرعونية، إلا أن ذلك كله لم يمنع من وجود مؤامرات عديدة حيكت للانقلاب على هؤلاء الحكام، ولا يكاد يخلو عصر من عصور مصر الفرعونية من تلك المؤامرات بداية من عصر الدولة القديمة وحتى نهاية عصر الدولة الحديثة، فالنصوص التاريخية تبيّن لنا أنه قلما خلا عصر من مؤامرات دُبرت على حياة أحد الملوك.
كما لم تكن تلك الانقلابات أو المؤامرات تستهدف السلطة السياسية المتمثلة في الملك وفقط، بل كانت أيضاً هناك محاولات للانقلاب على السلطة الدينية المتمثلة في كبير الكهنة، فقد كانت هذه السلطة من الأهمية بمكان؛ إلى درجة أن أصبحت في فترة من فترات مصر القديمة وسيلة للوصول إلى كرسي العرش، بل وكان للسلطة الدينية الدور الأكبر في تلك المؤامرات والانقلابات، حيث استغل الكهنة تأثيرهم الديني والعاطفي على الشعب، وحاولوا تأليبه على الملك والقيام بالإضراب والعصيان ضد قراراته في أوقات عديدة، وكان "كبير الكهنة" كثيراً ما يعتبر نفسه أولى بالحكم من الملك، وكثيرون منهم بالفعل وصلوا إلى حكم مصر، وأقاموا أسراً ملكية كاملة حكمت فترات طويلة.
حسين دقيل
حسين دقيل
حسين دقيل
باحث متخصّص في الآثار، دكتوراه في الآثار اليونانية والرومانية من جامعة الإسكندرية في مصر. العبارة المفضّلة لديه "من لم يهتم بتراثه ويحافظ عليه فلا مستقبل له".
حسين دقيل