انقسام

انقسام

02 ابريل 2017
+ الخط -
يذهب البعض في أوروبا، ممن هم محسوبون على العرب والمسلمين، إلى حد تبني مواقف غربية، أكثر تشدداً من قرار محكمة العدل الأوروبية في ما يتعلق بفتح المجال لعدم توظيف/طرد المحجبات من عملهن.

موقف هؤلاء هم أحرار فيه من حيث حرية الرأي والتفكير، لكن ثمة مشكلة عميقة مسكوت عنها في كثير من أمور واقع المهجر. تتراوح تلك بين التنكر الكامل للأصل والثقافة من ناحية، والتشدد أكثر من يمين شعبوي متشدد باسم أيديولوجيات وأفكار تجعل الرائي والمستمع ينفر كلية مما يدعي هؤلاء تمثيله.

على عكس الأغلبية الأوروبية، اثنياً، يذهب بعضهم إلى هوس حقيقي، لنفي دين الآخرين ومعتقداتهم وخلفياتهم القومية، كالعرب الذين تهاجمهم ألسنة وأقلام هؤلاء. فتبرز في الغرب أصوات، منها عربي ومنها من قوميات أخرى من المنطقة، وشمال أفريقيا، تتحدث تارة إلى الغربيين، وأخرى بلسان عربي إلى أبناء جلدتهم، بدعوى أنه لا يوجد شيء اسمه عربي، معيدين إيانا إلى نغمة عجيبة عن "البدوي الذي يجب أن يعود إلى الصحراء".

لا يحتاج واقع الغربة إلى كثير من التشريح لنعرف بأننا جميعاً نعيش في معمعة تقدم الفكر اليميني المتشدد، لكن هل يفترض أن تصل الأمور إلى هذا الحد الذي يحمل علامات ازدواج وانفصام مرعبين؟
الانفصام أن يندمج البعض في مستوى يفوق التملق والتماهي. فمن ناحية ترى بعضهم وقد أصبح "غربياً" متنكراً لخلفيته وجذوره، ويطالب الآخرين بالرحيل، على الجمال تهكّماً، بينما هو في غضون وقت قصير يتماهى تماماً مع محيطه دون قدرة على فهم أن واقع المنطقة منذ قرون لم يعد يتحمل، بفعل التزاوج والاندماج، أياً من تلك الأفكار العنصرية تجاه العربي.


مئة ملاحظة يمكن وضعها على ممارسات البعض، من مخالفة القوانين إلى اختيار الانعزال وتحليل كل محرمات التعاليم والثقافة العربية الأصيلة، لكن ذلك لا يمكن أن يكون مبرراً لتعميم قاتل على ملايين البشر من العرب والمسلمين في الغرب وإلا وقع أصحاب تلك المواقف في مطب العنصرية والفوقية الفارغة من مضامين إنسانية بحق من هم يحتاجون لوقت من أجل الخروج مما فرضته أنظمة القمع والتخلف بحقهم وحق عقولهم.

وبدل أن يأخذ بعض مثقفي الغربة بيد أبناء جالياتهم تجدهم أكثر جلداً بحقهم، وهو بطبيعة الحال يخلق نفوراً آخر أكثر خطورة في التكتل والانعزال عند الإنسان الذي يرى نفسه مستهدفاً فردياً وجماعياً.

في الغربة يحتاج هؤلاء إلى التفكير ملياً بانعكاسات ما يتخذونه من مواقف تدمر الفكر الذي يدعونه، وبالتالي دفع الناس نحو آليات دفاعية مرعبة في نتائجها حتى على أطفالنا الذين يستنبطون من الرفض الذي يشعر به الأهل مزيداً من العزلة عن الواقع والمحيط... هذا بالرغم من مئات الملاحظات على ممارسات عربية في الغرب.

المساهمون