انقراض الدكاكين: المتاجر الكبرى تزحف داخل الأحياء

انقراض الدكاكين: المتاجر الكبرى تزحف داخل الأحياء

19 يناير 2015
+ الخط -
تغير سلوك شراء المواد الاستهلاكية. وأصبح لـ "الدكاكين" الصغيرة حضور ضئيل. فبعد انتشار المتاجر الكبرى داخل الأحياء، تراجعت أرباح أصحاب الدكاكين، الذين أصبحوا يواجهون منافسة شرسة، قوامها تقديم خدمات متنوعة، وطرح تخفيضات على المنتوجات الاستهلاكية تصل إلى أكثر من 50% عن الثمن السائد للسلع.
وشهدت مختلف الدول العربية خلال السنوات الخمس الماضية، انتشار ما يعرف "بالمولات". وهي عبارة عن تجمعات تجارية ضخمة تختار الأحياء الشعبية للمدن، لاستقطاب فئات واسعة من المستهلكين، عبر تقديم خدمات وعروض استثنائية عند شراء مختلف المنتجات، سواء المرتبطة بالمواد الغذائية أو الأجهزة الإلكترونية المنزلية أو غيرها. وأدت هذه السياسة، إلى تراجع انتشار دكاكين البقالة الصغيرة، التي كان يعرض أصحابها موادهم فيها داخل مساحة ضيقة، وانخفضت كذلك مداخيل من صمد من أصحاب هذه المحال أمام المولات.

منافسة شرسة
وأكدت غرفة التجارة في القاهرة في دراسة لها أن 40% من المحلات التجارية الصغيرة مهددة بالإغلاق خلال السنوات القليلة المقبلة، والتي تبلغ حسب تقديرات غير رسمية قرابة خمسة ملايين محل منتشرة في كل الأراضي المصرية. والسبب بحسب نفس المصدر، افتقارها للتنافسية أمام انتشار كثيف لفروع المتاجر الكبرى. ويواجه أصحاب محلات البقالة في المغرب الواقع نفسه، وقال مالك أحدها في منطقة "الألفة" وسط مدينة الدار البيضاء عبد الهادي، في حديثه لـ "العربي الجديد" إن إقبال المواطنين المتزايد على فروع "الأسواق الممتازة" (المولات) أفقد أصحاب المتاجر الصغيرة زبائنهم. وتراجعت المداخيل إلى أكثر من النصف خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وذلك ما دفع نقابتهم "النقابة الوطنية للتجار والمهنيين" إلى الاحتجاج على المادة 145 من قانون المالية المغربي سنة 2015. ويضيف عبد الهادي "لو تم إقرار المادة، كانت ستفرض علينا ضرائب، تجعلنا متساوين مع الأسواق الممتازة التي تملك رؤوس أموال وتعاملات ضخمة". وأصبح الإقبال على المراكز التجارية الضخمة وفروعها في فلسطين عادة المواطنين. حيث إن العديد منهم يفضل التوجه نحوها لشراء حاجياته. هذا الإقبال أكدته لـ "العربي الجديد" من الضفة الغربية المواطنة رزان شوارمة، والتي قالت إن أغلب المواطنين يختارون اليوم الاتجاه نحو المولات، أمام تراجع جد ملحوظ في الإقبال على الأسواق الشعبية ومحلات البقالة الصغيرة. وفسرت رزان هذا الاختيار بالقول: "المولات تحوي بضائع متنوعة، وتوفر عدة خيارات، وفيها ماركات مختلفة وليست محلية فقط". من جهتها دافعت الناشطة التونسية إسلام بالشاوش هراغي، في حديثها مع "العربي الجديد" عن استمرار تواجد أصحاب الدكاكين الصغيرة. وشددت على أنها تقبل على شراء كل حاجياتها من عندهم، بحيث تصرف أسبوعياً ما يقارب 30 يورو على المواد الغذائية. وبررت اختيارها هذا بكون أصحاب هذه الدكاكين في حاجة إلى أموالها أكثر من المتاجر الكبرى، التي تستقطب قدرا كبيرا من الأموال في اليوم الواحد، قد يتجاوز في نظرها مداخيل سنة كاملة بالنسبة لأصحاب محلات البقالة الصغار. وتعرف تونس انتشار حوالي 264 ألف محل صغير منتشر على كافة التراب التونسي، وتؤكد المعطيات الواردة من هناك، أن عددها في السنوات الأخيرة بدأ ينحصر بشكل ملحوظ جداً.

المولات تزحف على الأحياء
لم يعد المواطنون في جل دول الخليج يقبلون على شراء مختلف الأغراض المنزلية من محلات البقالة والدكاكين الصغيرة. ويرجع ذلك إلى الانتشار الكبير للأسواق التجارية الكبرى والمولات. وما يساهم في نجاحها، طريقة أداء الخليجيين لمختلف تعاملاتهم التجارية، إذ يعتمدون على البطاقة المصرفية. وأكد تقرير صادر عن شركة "بيفورت" نهاية العام الماضي أن سوق المملكة السعودية وحدها، يعرف انتشاراً واسعاً لهذه البطاقات بإجمالي 12.3 مليون مستخدم لبطاقات الائتمان والخصم المصرفية. والحال كذلك بالنسبة لباقي الدول، حيث عرفت مصر خلال السنوات القليلة الماضية فتح العشرات من المتاجر الكبرى على مساحات عقارية صغيرة، وذلك لاستهداف الأحياء التي تعرف كثافة سكانية كبيرة، مما يهدد تراجع سوق أصحاب الدكاكين الصغيرة والتي تقدر تعاملاتها المالية بنحو 70 مليار دولار. وشرح مدير أحد فروع "كارفور ماركت" العالمية محمد الحقاوي، لـ "العربي الجديد" هذا التوجه الجديد بالمنافسة بين المتاجر الكبرى على الأحياء الشعبية، وليست المنافسة مع أصحاب المحلات التجارية الصغيرة. وأعطى المثال في المغرب، حيث قررت المولات إنشاء فروع صغيرة جدا لها، بعد دخول شركة تركية منافسة طرحت ما يمسى بـ "محلات القرب"، والتي لاقت نجاحاً حقق لها أرباحاً كبيرة، خاصة وأنها طرحت منتجات مستوردة بأثمان مخفضة. وعن استقطاب الزبائن داخل الأحياء التي تعرف كثافة سكانية كبيرة، قال محمد الحقاوي، إن الفرع الذي يشرف عليه بدأ بـ200 زبون في اليوم، لكنه يستقطب الآن ما بين 600 و700 زبون في اليوم أي 21 ألفاً و700 زبون في الشهر. وعن سر نجاح هذه التجربة، يضيف المتحدث ذاته، أن المحلات التجارية الصغيرة تطرح منتجات محدودة ولا توفر خيارات عديدة. بالإضافة إلى توفير المتاجر الكبرى منتجات خاصة بها حصرياً، تكون مشابهة للمنتجات المعروفة، لكن بأثمان تقل عن النصف، وأوضح أن متجره يوفر أكثر من 500 منتج من هذا النوع.

أرقام
250: هو عدد المحلات التجارية الصغيرة التي تم إغلاقها في الجزائر العاصمة نهاية العام الماضي، بسبب مخالفة طريقة عرض السلع حسب وزارة الصناعة.

85.7: مليون نسمة هو عدد سكان مصر حسب المعطيات الواردة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، وتعتبر السوق المصرية ضخمة من حيث عدد المستهلكين.

الاقتصاد الجديد 


المساهمون