انتخاب ترامب ... نسخة أميركية من "بريكسيت" البريطاني

انتخاب ترامب ... نسخة أميركية من "بريكسيت" البريطاني

11 نوفمبر 2016
الخوف من المهاجرين سبب فوز ترامب و"بريكسيت" (ريتشارد بايكر/Getty)
+ الخط -

قالت سارة بالين، المرشحة السابقة إلى منصب الرئيس الأميركي في انتخابات عام 2008، إن التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "ألهم" الناخبين الأميركيين الذين انتخبوا المرشح دونالد ترامب. وصرخت بالين، في مهرجان لدعم ترامب في نيويورك، "نحن نخرج عن النص والشعب يستعيد السيطرة... سيكون باستطاعتنا أن نقول إننا لا نريد هذه العولمة". وفي آخر كلمات له قبل شروع الأميركيين بالتصويت في انتخابات الثلاثاء الماضي، قال ترامب، إن هذه الانتخابات ستكون بمثابة "بريكسيت". بهذه القوة حضر "بريكسيت" بريطانيا في الانتخابات الأميركية.

ويرى المراقبون أن نموذج "الثورة" الذي ظهر عندما صوّت الأميركيون لانتخاب رئيس من خارج "المؤسسة" السياسية، يحاكي نموذج "الثورة" الذي ظهر في استفتاء يونيو/ حزيران الماضي، عندما صوت 52 في المائة من البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، وهما نموذجان "ينتميان إلى الظاهرة نفسها"، حيث ينتفض الناخبون في أعرق الديمقراطيات الغربية على القواعد التقليدية للعبة السياسية، ويتجهون للبحث عن "الخلاص" بعيداً عن النخبة السياسية التي انفصلت عن الطبقات الشعبية المُهمشة، وانشغلت في خدمة مصالحها، كما يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة ماونت هوليوك، جيمس هارتلي. وحتى أن "بريكسيت" بريطانيا لم يغب عن حملات هيلاري كلينتون وأنصارها، فبينما اعتبر أنصار الرئيس المُنتخب، دونالد ترامب، أن "بريكسيت" دافع قوي للتصويت للتغيير والثورة على "المؤسسة" والعولمة التي تركت سواد الشعب في الخلف، حذر أنصار كلينتون من "بريكسيت" أميركي يُجرّد أميركا من قيمها الديمقراطية، ويعزلها عن دورها العالمي.

وبالفعل، تشبه "الثورة الانتخابية" التي جرت في الولايات المتحدة الأميركية، إلى حد كبير، "ثورة بريكسيت" البريطانية، في الكثير من الجوانب، إذ عمد المرشح ترامب، القادم من خارج "الاستابلشمنت - المؤسسة" إلى توظيف خطاب الكراهية والتحريض على "النخبة والمؤسسة"، وعلى المهاجرين والمسلمين وغيرهم من الأقليات، وهو تماماً ما فعله أنصار "خروج" بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، منهم زعيم حزب الاستقلال اليميني، نايجل فاراج، الذي لم يشغل في حياته منصباً سياسياً رسمياً، عندما ضخموا أزمة اللاجئين والمهاجرين، باعتبارها المشكلة الأخطر التي تواجه المجتمع البريطاني، ناهيك عن ترهيب الناس من خطر الحدود المفتوحة، وهو ما عبّر عنه ترامب بالتعهد في بناء جدار على الحدود الأميركية المكسيكية لحماية البلاد من المهاجرين غير الشرعيين.

ومثلما زعم مؤيدو "بريكسيت" أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني استعادة "الاستقلال" و"السيطرة" بالتخلص من تفوق القوانين والمحاكم الأوروبية، وتحرير التجارة البريطانية من قيود الاتحاد، والتخلص من بيروقراطية مؤسسات الاتحاد غير المنتخبة، وأن الخروج من الاتحاد سيمكّن بريطانيا من السيطرة على الهجرة والحدود وبالتالي تحسن خدمات الصحة والتعليم والسكن التي تراجعت بسبب آلاف المهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي، دعت حملة ترامب، خلال الانتخابات الأميركية، إلى رفض التجارة الحرة والأسواق المفتوحة التي سمحت بها الحكومات المتعاقبة في الولايات المتحدة، وزعمت أن فوز مرشحها يعني تحقيق "الاستقلال" للبلاد والخلاص من "العولمة". وحتى أن ترامب ختم آخر أيام الحملات الانتخابية بالقول إن "يوم الثلاثاء سيكون يوم الاستقلال"، وهو التعبير ذاته الذي استخدمه فاراج الذي تصدر حملات الخروج في استفتاء "بريكسيت"، عندما وصف نتيجة الاستفتاء بأنها "استعادة السيطرة" و"يوم الاستقلال".

وكما فعلت حملات أقطاب الخروج في بريطانيا، طافت حملة ترامب الانتخابية أرجاء الولايات المتحدة وهوامشها الديمغرافية، وصولاً إلى أولئك الناخبين الذين أهملتهم النخب السياسية، حتى بدت الخرائط الانتخابية على جانبي المحيط الأطلسي متماثلة. وكما صوت الناخبون في المناطق الحضرية الكبرى، المستفيدة من العولمة، لصالح هيلاري كلينتون، صوت نظراؤهم البريطانيون لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. أما المهمشين في الريف والمدن الصناعية المهجورة، من البيض، فقد صوتوا للمرشح دونالد ترامب، تماماً كما اختار سكان الريف الانكليزي، وأغلبهم من البيض، الخروج من الاتحاد الأوروبي خوفاً من تزايد أعداد المهاجرين من دول أوروبا.
ويرى المواطن البريطاني، جيف بلات، البالغ من العمر 33 عاماً، من مدينة مانشستر، أن الذين صوتوا لـ"بريكسيت"، والذين صوتوا لصالح ترامب هم من الطبقات التي تشعر بالتجاهل والتهميش. وقد لا يبدو هذا التشابه صدفة، إذ إن المرشح ترامب استعان بمؤسسة "كامبريدج أناليتيكا"، الذراع الأميركي لمؤسسة "SCL" البريطانية لبحوث السلوكيات والاتصالات الاستراتيجية، التي استعان بها أنصار الخروج خلال حملات الاستفتاء البريطاني. ومثلما فشلت مؤسسات استطلاع الرأي البريطانية، في تقدير التوجهات الحقيقية للناخب البريطاني، ومالت لجهة تقدم معسكر المؤيدين للبقاء في الاتحاد بـ55 في المائة من آراء المشاركين في الاستطلاع، في مقابل 45 في المائة حصل عليها مؤيدو الخروج، ثم جاءت النتائج النهائية خلاف ذلك تماماً، بفعل تصويت 52 في المائة من الناخبين لصالح الخروج، جاءت نتائج الانتخابات الأميركية مخالفة لتوقعات استطلاعات الرأي التي رجح معظمها فوز كلينتون. وأخيراً، إذا كان "بريكسيت" البريطاني زلزالاً سياسياً، فإن انتخاب الرئيس الشعبوي دونالد ترامب بمثابة هزة أرضية زعزعت باطن الولايات المتحدة الأميركية، وستنتشر ارتداداتها على نطاق الكرة الأرضية، كما قال مقدم برنامج "العالم هذا الأسبوع" في شبكة "بي بي سي" البريطانية.