انتخابات مجازية

24 مايو 2014
+ الخط -
أجريت في الجزائر أخيراً "انتخابات" رئاسية، لتجديد ولاية الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، للمرة الرابعة، وينتظر أن تجرى في مصر انتخابات مماثلة، لتنصيب المشير عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية المصرية إلى ما شاء الله. أليس هذا هو الوصف الصحيح لما جرى في الجزائر، ولما ينتظر أن يجري قريباً في مصر؟
وحدها كلمة "انتخابات" تبدو مقحمة في الوصف، وبلا مضمون تماماً. هي موجودة شكلاً فحسب، أما مضمونها فبعيد كلياً عما شهدته الجزائر في السابع عشر من أبريل، وما ينتظر أن تشهده أمّ الدنيا.
المؤكد أن ما جرى في "انتخابات" الرئيس بوتفليقة، وما ينتظر أن يجري في انتخاب السيسي لا يشبه في شيء مفهوم الانتخابات، كما هو متعارف عليه في الفقه والممارسة الدستورية والسياسية لدى الدول الديمقراطية، فمفهوم الانتخابات في العرف الديمقراطي يرتبط بآليات وشروط وتدابير، أدناها تحقق عنصر المفاجأة في النتائج، وذلك نتيجة وجود (عدة) متنافسين، يختار الناخبون بينهم واحداً، أو أكثر، لتولي المنصب، ما يعطي للعملية الانتخابية في إطارها الديمقراطي، ذلك البعدَ الحر والمشوّق الذي يجعل كل ناخب يحس بأهمية دوره في ترجيح كفة هذا المرشح، أو ذاك، فيندفع، عن طواعية واقتناع وحماسة، إلى الإدلاء بصوته لاختيار مرشح معيّن، يعتقد أنه الأجدر بتمثيله في مؤسسات الدولة.
والحال أن نتائج الانتخابات التي أجريت في الجزائر لتجديد ولاية بوتفليقة للمرة الرابعة على التوالي، وكذا التي ستجرى في مصر لتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً لأم الدنيا، هي خلو من هذا المقوم الأساس  للانتخابات، لأن نتائجها معروفة سلفاً، أو بالأصح، هي مطبوخة قبلاً، وهذا انتهاك فظيع لأهم "لغز" في اللعبة  الانتخابية: وهي معرفة النتائج، إذ المفترض في إطار الانتخابات الديمقراطية أن تظل النتائج في طي الغيب، إلى حين إغلاق مكاتب التصويت وفرز أصوات الناخبين من طرف لجنة خاصة، تتوافر فيها كل مقومات الحياد والنزاهة، بموازاة إشراف القضاء على العملية الانتخابية برمتها، للتأكد من صحة العمليات الانتخابية وسلامتها. هذه هي، إذن، أعراف الانتخابات وقواعدها، كما هي معطاة في الأنظمة الديمقراطية.
وبالقياس عليها، ما جرى في الجزائر وما سيجري في مصر لا يمت بصلة إلى الانتخابات، بالمعنى المشار إليه آنفاً، فماذا نسمّي، إذن، ما جرى في الجزائر وما سيجري في مصر؟
هو ليس "انتخاباً" بالمعنى الذي بسّطنا آنفاً، فهل هو إذن "بيعة"، بالمعنى الذي استقر في التجربة التاريخية الإسلامية، بغض النظر عن مقومات البيعة كما في النظرية والشرعية، حيث تغدو "البيعة" وسيلة لتكريس الأمر الواقع، واحتفاء بوصول ذي سلطان جديد، أو تجديد البيعة لذي سلطان قديم، بقطع النظر عن الكيفية التي وصل بها. أليس يقال في الأحكام السلطانية أن نصرة تساوي بيعة المتغلب واجبة؟ لكن، لماذا لا يسمّون ما يجري بوصف كهذا، خصوصاً أن الفقه السياسي الإسلامي لا يعدم حججاً في تأييدهم؟ ويتركون مفاهيم من قبيل الانتخابات والديمقراطية؟
لا يفعلون، لأنهم يريدون أن يخلعوا على ممارساتهم لبوس الديمقراطية والحداثة، وهي لبوس العصر التي لا يرتضي الناس عنها بديلاً، أو على الأقل معظم الناس. لذلك، يتمسحون بمفاهيم العصر، لكي يخدعوا مواطنيهم ودول العالم من حولهم بأن وصولهم إلى السلطة إنما تم بالانتخاب "وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون"، فيسمّون الاستبداد "ديمقراطية"، وفرض الأمر الواقع على الناس "اختياراً"، والبيعة "انتخاباً" وهكذا، بينما الواقع يشهد أنهم ألدّ أعداء الديمقراطية، وأشد الناس خصومة لمتعلقاتها من الانتخاب والحرية والعدالة  والمساواة.. إلخ.   
قد يحاجج بعضهم بأن تجديد ولاية عبد العزيز بوتقليقة على رأس السلطة في الجزائر تمليه ضرورة "وطنية وسياسية واستراتيجية"، كما أن تنصيب المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر تمليه أيضاً "ضرورة وطنية وسياسية واستراتيجية" علمها من علمها، وجهلها من جهلها. طيّب، ليكن هذا، لكن لا تسمّوا هذا انتخاباً رجاءً، لأن ذلك يسيء إلى مفاهيم جميلة، ما زالت تداعب خيال الملايين من المواطنين، وتشكل وسيلتهم إلى التغيير وبناء المجتمع الديمقراطي القائم على الحرية والاختيار، تعبيراً حراً ومسؤولاً عن إرادة الناس، في انتخاب من يمثلهم في مؤسسات ديمقراطية ودستورية حقيقية، لا مجازية.

 

 

 

0A8B156D-753C-4625-B780-428FA0AD9746
0A8B156D-753C-4625-B780-428FA0AD9746
مصطفى المريني (المغرب)
مصطفى المريني (المغرب)