انتخابات شرق أوكرانيا: الانفصاليون يبتعدون عن كييف

انتخابات شرق أوكرانيا: الانفصاليون يبتعدون عن كييف

05 نوفمبر 2014
مصير مجهول لمنطقة دونباس (ديميتار ديلكوف/فرانس برس)
+ الخط -
"الشعب يريد، لكن الغرب لا يريد". هكذا تبدو اللوحة، من وجهة نظر جنوب ـ شرق أوكرانية وروسية، في إقليم دونباس الأوكراني، الذي أجرى مكوّناه الأساسيان "جمهورية دونيتسك الشعبية" و"جمهورية لوغانسك الشعبية"، المعُلنتان من جهة واحدة، انتخابات رئاسية وتشريعية، يوم الأحد الماضي.

ويعتبر المعنيون، أنه " ما دام الإقليم يتمتع بوضع قانوني خاص معترف به من قبل كييف، وما دام الخلاف على موعد الانتخابات شكليا (بين 2 نوفمبر/تشرين الثاني بالنسبة إلى دونيتسك ولوغانسك، و7 ديسمبر/كانون الأول المقبل بالنسبة إلى كييف)، وما دام الشعب ينتخب ممثليه بحرية وشفافية، فلماذا لا يحق لنا فعل ذلك، ولماذا يعدون انتخاباتنا باطلة؟".

ويلفتون "ما الذي يحدد شرعية انتخاباتنا، موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منها أم نزاهتها والإرادة الشعبية التي تعكسها؟". ويأتي هذا الاعتراض مدعوماً بتأكيدات نشرتها وسائل إعلام روسية على لسان مراقبين أوروبيين مستقلين، تفيد بمطابقة الانتخابات للمعايير الدولية.

علماً أن الإقبال على صناديق الاقتراع كان كبيراً، فقد بلغ في "جمهورية لوغانسك"، وفقاً لوكالة "ريا نوفوستي"، 68.71 في المائة، وكانت الحالة أشبه بأجواء عيد. فمن الذي فاز في الانتخابات وهل سينعم جنوب ـ شرق أوكرانيا بالسلام بعدها أم سيشهد مزيدا من التصعيد؟

كتب مستشار رئيس مجلس الأمن الأوكراني، ماركيان لوبكيفسكي، على حسابه على موقع "فيسبوك"، "ما إن افتتحت المراكز الانتخابية فيما يُسمّى بانتخابات غير شرعية لأعضاء سلطة التنظيمات الإرهابية في جمهوريتي دونيسك ولوغانسك الشعبيتين، حتى فتحت إدارة الأمن الأوكرانية قضية (بتهمة إجراء انتخابات غير شرعية)".

ونقلت وكالة "تاس" عن الفائز برئاسة "جمهورية دونيتسك"، ألكسندر زاخارتشينكو، قوله "إذا ما قام مجلس الأمن القومي الأوكراني برفع قضية بواقعة إجراء الانتخابات في جمهورية دونيتسك الشعبية، فنحن من جهتنا سنرفع، بعد الانتخابات، قضية بواقعة الإبادة".

في هذه الأجواء المتوترة بين كييف ودونباس، جرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي لم يعبأ الشعب فيها بما يقال في الأوساط العليا عن شرعيتها، بل أقبل عليها كأنه ذاهب إلى عيد، يقرّبه من الاستقلال عن كييف، بصرف النظر عن المقاطعة الغربية والحصار المتوقع الذي ستفشله روسيا عبر حدودها المفتوحة مع الإقليم".

كما شهدت الانتخابات تنافساً نظرياً على منصب رئاسة "جمهورية دونيتسك الشعبية"، بين زاخارتشينكو، والنائب في برلمان "جمهورية دونيتسك الشعبية" يوري سيفوكونينكو، والنائب الأول لرئيس برلمان "نوفوروسيا" (روسيا الجديدة)، ألكسندر كوفمان. وتنافسَ أيضاً مرشحون عن أحزاب الزعماء الميدانيين وآخرون مستقلون لشغل مائة مقعد في برلمان الجمهورية لمدة أربع سنوات.

أما في "جمهورية لوغانسك الشعبية"، فتنافس، بصورة مشابهة لما جرى في دونيتسك، أربعة مرشحين على كرسي الرئاسة، هم: رئيس الوزراء الحالي، إيغور بلوتنيتسكي، ومنسق الحركة الاجتماعية "اتحاد لوغانسك الاقتصادي"، أوليغ آكيموف، ورجل الأعمال فيكتور نينّير، ووزيرة الصحة في "جمهورية لوغانسك الشعبية" لاريسا آيرابينيان. كما تنافس ممثلو كتلهم الانتخابية على مقاعد البرلمان الخمسين، وكان متوقعاً أن يفوز القادة الميدانيون في هذه الانتخابات، وهذا ما حصل.

وكما هو متبع في التقاليد الديمقراطية، دعت سلطات الجمهوريتين الأوكرانيتين المعلنتين من جانب واحد مراقبين دوليين لمتابعة الانتخابات فيهما، كما دعت مراقبين من كييف، إلا أن الأخيرة امتنعت عن إرسالهم.
وفي السياق، أعلنت وكالة "ريا نوفوستي"، أن "70 مراقباً قدموا من معظم الدول الأوروبية، وكذلك من الولايات المتحدة، لمراقبة الانتخابات في جمهورية دونيتسك الشعبية وحدها".

كما نقلت الوكالة إياها عن عضو مجلس الشيوخ الإيطالي، لوتشيو مالان، الذي قدم بصفة مراقب قوله "سبق أن عملت مراقباً دولياً في كثير من البلدان. ففي جميع الأماكن، تُجرى الانتخابات بصور مختلفة، ولكن المعايير واحدة في كل مكان. والانتخابات، في دونيتسك، بهذا المعنى، توافق المعايير المتبعة". وأضاف "الانتخابات هنا بمثابة عيد، والناس فعلاً يريدون التصويت".

وفي ردّ فعل لافت، نشرت صحيفة "فزغلاد"، إعلان إدارة الأمن الأوكراني، أن "رؤساء وأعضاء البرلمانات الذين قدموا لمراقبة الانتخابات في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، سوف يعلنون كأشخاص غير مرغوب فيهم في أوكرانيا".

وكما كان متوقعا، فاز زاخارتشينكو بـ79.8 في المائة من الأصوات، كما أن حزبه "جمهورية دونيتسك"، تصدّر الأصوات في الانتخابات البرلمانية، فقد صوّت له أكثر من 68.35 في المائة من الناخبين. حسبما نقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية عن لجنة الانتخابات المركزية في "جمهورية دونيتسك الشعبية".

وأفادت أيضاً أن "رئيس وزراء جمهورية لوغانسك الشعبية الحالي، إيغور بلوتنيتسكي، فاز أيضاً في انتخابات الرئاسة في جمهوريته بـ63.04 في المائة من أصوات الناخبين، كما فازت حركة السلام للوغانسكيين التي يتزعمها في الانتخابات البرلمانية، بـ69.46 في المائة".

وكانت روسيا كانت قد أعلنت من قبل أنها ستعترف بنتائج الانتخابات، وأن إقليم دونباس بحاجة إلى الانتخابات لتأكيد شرعية سلطاته. ولم يخرج موقف الخارجية الروسية بعد الانتخابات، عن هذا الإطار، فقد جاء، على موقع الخارجية الرسمي "إننا نحترم إرادة سكان جنوب شرق أوكرانيا. فالممثلون المنتخبون حصلوا على تفويض بحلّ مسائل عملية، لاستعادة الحياة الطبيعية في هذه الأقاليم. آخذين بعين الاعتبارات الانتخابات التي تمت، فمن المهم جدا القيام بخطوات فاعلة لتنظيم حوار راسخ بين السلطات الأوكرانية المركزية وممثلي دونباس في إطار اتفاقات مينسك".

وفي حين أن "الدبلوماسية الروسية تترك الباب مفتوحاً، لمفاوضات لاحقة بين مكوني أوكرانيا لحل المسائل الإجرائية على المدى القصير وتلك التي تتعلق ببنية الدولة على المدى البعيد، فإن الأوروبيين ومن ورائهم الولايات المتحدة، يغلقون الأبواب نحو تصعيدٍ من المتوقع أن يشمل روسيا بمزيد من العقوبات".

ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية، فريدريكا موغيريني، قولها "أعدّ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، عائقاً جديداً في طريق السلام في أوكرانيا. فالتصويت غير قانوني وغير شرعي. والاتحاد الأوروبي لا يعترف به".

كما نقلت وكالة "تاس" عن الممثل الرسمي لمجلس الأمن القومي الأميركي، مارك سترو، قوله "ندين ما يسمى بالانتخابات غير الشرعية، والولايات المتحدة لن تعترف بأي نتائج لما يسمى بالانتخابات، وأدعو جميع أعضاء المجتمع الدولي فعل الشيء ذاته".

بالمقابل، تطمئن موسكو أنصارها في جنوب ـ شرق أوكرانيا، وتعدهم بمزيد من الدعم، بل التكامل الصناعي معهم. وهو ما كرّسه نائب رئيس مجلس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، بتغريدة على حسابه على موقع "تويتر"، يعد فيها بحماية المنتجات الصناعية، فيقول "المنتجات المصنوعة في مصانع جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، المتعاونة مع المؤسسات الصناعية الروسية، ستشتريها روسيا من هناك وتستغني عن صناعتها".

وفي السياق، نقلت "ريا نوفوستي"، عن زاخارتشينكو تأكيده "بضرورة تكييف الصناعة كلها في الجمهورية للتجارة والتنسيق والتعاون مع روسيا الاتحادية". ووفقاً لرأيه فإن "المؤسسات الصناعية التي تستطيع التكيّف مع روسيا عليها فعل ذلك".

وهكذا، فالواقع كله، وليس فقط الانتخابات، يكرس انفصال "نوفوروسيا" (روسيا الجديدة) عن كييف، ويدفع بالمنطقة إلى مزيد من التوتر والمواجهة بين الغرب الأطلسي وروسيا.

دلالات