انتخابات البقاع اللبناني الشمالي: المقعد الأكثر رمزية بين الـ128

انتخابات البقاع اللبناني الشمالي: المقعد الأكثر رمزية بين الـ128

17 ابريل 2018
أضرت زيارة البخاري والشامسي لبعلبك بشمص ولائحته (حسين بيضون)
+ الخط -


تخوض القوى السياسية في بعلبك - الهرمل شمالي شرقي لبنان الانتخابات النيابية تحت وقع الإرث السياسي الثقيل، الذي وضع المنطقة تحت تأثير الحكم السوري أكثر من سلطة الدولة اللبنانية فيها. ومع الحضور القوي لـ"حزب الله" هناك، تكتسب المعركة أبعاداً إضافية عديدة.

وتحضر سورية في كافة تفاصيل الحياة اليومية لسكّان منطقة بعلبك - الهرمل في البقاع الشمالي عند حدود لبنان الشرقية مع سورية. تلك المنطقة التي حوّلتها القوى السياسية إلى دائرة انتخابية واحدة تضم أغلبية ساحقة من اللبنانيين الشيعة، إلى جانب الوجود السُني والمسيحي في عدد من البلدات. وعاشت هذه المكونات سنوات صعبة خلال الحرب السورية، لكن أيامها قبل الحدث السوري لم تكن سهلة أيضاً. وتُعاني المنطقة تاريخياً من ضعف الخدمات الإنمائية ومن التأثيرات السلبية للمركزية الإدارية التي تربط كل لبنان بالعاصمة بيروت حصراً. وعانت أخيراً من التبعات الإنسانية والعسكرية للأزمة السورية، بعد أن تحولت المناطق المدنية فيها إلى أهداف عسكرية لـ"جبهة النصرة" و"داعش"، كما تحولت إلى قاعدة خلفية، بعد أن تجاوز "حزب الله" الحدود وقرر خوض المعركة إلى جانب النظام في سورية.

وقد لعبت العشائر العربية، التي أقامت في المنطقة، دوراً سياسياً بارزاً خلال العقود الماضية، وساهمت في مقاومة الاستعمار الفرنسي، كما قاومت الأحزاب اليسارية في المنطقة إسرائيل قبل تأسيس "حزب الله"، وقبل أن تُحدد الجغرافيا السياسية وسوء الإدارة اللبنانية حاكم دمشق (أياً كان) كمؤثر مُباشر على مصير هذه المنطقة الحدودية. ومع انتهاء الاحتلال السوري المُباشر للبنان، وانتقال الوصاية السياسية والأمنية للبلد إلى حليف النظام "حزب الله"، تحوّلت منطقة بعلبك - الهرمل من خزان بشري للحزب، إلى منطقة حيوية، كونها تقع على الحدود بين البلدين. ويشير ارتفاع عدد المطلوبين بشكل كبير في بعلبك - الهرمل إلى حجم المعاناة الاقتصادية للأهالي، الذين ينتظرون إقرار مشروع العفو العام حتى يتمكن أبناؤهم من التحرك بحرية على الأقل، بعد أن دفعهم انعدام فرص العمل إلى امتهان أعمال السرقة والخطف مقابل الفدية وزراعة وتجارة المُخدرات.

بحر من المُعترضين

ويُصوّت أكثر من 300 ألف ناخب في الدائرة، ويُشكّل الناخبون الشيعة قرابة 80 في المائة من مجموع الناخبين، وتتساوى تقريباً نسبة الناخبين السنة والمسيحيين (موارنة وكاثوليك وأرثوذكس) عند 10 في المئة لكل منهما. وتتمثل بعلبك - الهرمل بعشرة نواب في البرلمان اللبناني، يتوزعون بين الطوائف الإسلامية والمسيحية (6 شيعة، 2 سنة، 2 مسيحيون). ويحتكر "حزب الله" وحده نصف عدد نواب المنطقة (4 شيعة، 1 سني)، بينما تتوزع باقي المقاعد بين حلفائه في "حركة أمل"، و"حزب البعث"، و"الحزب القومي السوري الاجتماعي"، و"جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" (تيار صوفي موالٍ للنظام السوري)، و"تيار التضامن" (أحد مكونات تكتل "التغيير والإصلاح").

الجمهور في بعلبك - الهرمل ينحاز إلى نصر الله وليس حزبه (حسين بيضون)


وتتنافس اليوم في هذه الانتخابات 5 لوائح، تنحصر حظوظ المنافسة الجدية بين اثنتين منها. الأولى تجمع "حزب الله" و"حركة أمل" في تحالف إلزامي مع المدير العام السابق لجهاز الأمن العام اللبناني، جميل السيد، المعتقل سابقاً بملف اغتيال رئيس الحكومة الأسبق، رفيق الحريري. وبحسب مصادر سياسية بقاعية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "السيد هو وديعة النظام السوري في لائحة الحزب، وإن الحزب سيكون عليه منح كل الأصوات التفضيلية التي يحتاجها السيد للوصول إلى البرلمان". وللسيد تاريخ طويل لا يخلو من المُفارقات، فهو كان أحد أقوى الأذرع الأمنية اللبنانية لنظام حافظ الأسد في لبنان، وساهم في ترتيب عمليات القمع السياسي لمُعارضي النظام السوري، قبل أن يتحوّل هو نفسه إلى مُتهّم في المشاركة بعملية اغتيال الحريري في العام 2005. وأُوقف السيد يومها، إلى جانب قادة الأجهزة الأمنية الكبرى المعروفين بولائهم للنظام السوري و"حزب الله". وبعد أن فشلت "لجنة التحقيق الدولية"، التي كلفتها الحكومة بالتحقيق في الاغتيال قبل تأسيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في إثبات تورط السيد بالعملية، خرج الرجل من السجن من دون تُهمة. ويخشى جزء من اللبنانيين أن تعود الهيمنة السورية على السياسة اللبنانية مع وصول السيد إلى مجلس النواب. ولا يمكن الحديث عن أي حماسة لدى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، لمشاركة السيد في العملية السياسية، كون اسمه طُرح كمُرشح لخلافة بري على رأس مجلس النواب.


ويحضر في الانتخابات سجين سابق آخر، صوّت مجلس النواب على رفع الحصانة عنه في العام 1994، بعد خلاف بينه وبين ضباط الاستخبارات السورية الذين حكموا لبنان بشكل فعلي بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990). هو النائب السابق يحيى شمص، الذي تمت ملاحقته أمام القضاء بتُهم "نقل وتهريب المخدرات"، بعد خلاف شخصي ومالي بينه وبين رئيس "شعبة الاستخبارات السورية في لبنان"، غازي كنعان، حول عقار. وحُكم على شمص بالسجن والأشغال الشاقة لسبع سنوات في العام 1996، لكنه لم يُكمل مدة سجنه بعد أن أُخلي سبيله بقانون العفو العام. ويترأس شمص اليوم لائحة تجمع "القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل". ويقول شقيقه ومدير حملته الانتخابية، ياسين شمص، لـ"العربي الجديد"، إن "سجن أخي لم يكن سبباً لترشحه مجدداً إلى الانتخابات"، وإن "هذا الملف مضى عليه الزمن، والدافع هو الواقع الإنمائي السيئ في المنطقة". ويؤكد ياسين شمص أن "الواقع الإنمائي نفسه هو ما جمعنا مع القوات ومع تيار المستقبل في لائحة واحدة لخوض هذه الانتخابات". لكن مصادر محلية في مدينة بعلبك، التي ينتمي شمص إليها، أكدت أن "التحالف السياسي بين شمص والقوات والمستقبل أضعف النائب السابق". وعزت ذلك إلى "تحميل الرجل وحده معركة سياسية بحجم لبنان بين حزب الله وبين القوات والمستقبل". وهو ما عبرت عنه التصريحات السياسية الحادة التي أدلت بها النائب ستريدا جعجع، زوجة سمير جعجع، والأمين العام لـ"تيار المستقبل"، أحمد الحريري، الذي وصف إسقاط اللواء جميل السيد بأنه "أهم من المقاعد الـ127 الباقية في مجلس النواب". وإلى جانب هذه التصريحات، فقد منح انسحاب الرئيس السابق لمجلس النواب، حسين الحسيني، من المعركة الانتخابية، دفعاً معنوياً إضافيا لـ"حزب الله"، لما يُمثله من ثقل سياسي.

من الحملة الانتخابية (حسين بيضون)


كذلك أضرت زيارة رئيس البعثة السعودية في لبنان، وليد البخاري، وسفير دولة الإمارات، حمد الشامسي، إلى بعلبك، قبل أسابيع، ولقاؤهما عدداً من المُرشحين  على لائحة شمص، له شخصياً وللائحة. وقالت مصادر إسلامية في المدينة، لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، إن هذه الزيارة كانت بمثابة "الهدية" إلى "حزب الله" وجمهوره، لأنها ستُساهم في رفع التعبئة السياسية بحجة دعم السعودية والإمارات للائحة شمص. وذلك رغم اعتذار يحيى شمص عن لقاء السفيرين خلال الزيارة حرصاً منه على عدم بث انطباع الدعم السعودي له. واللافت في الخطاب الانتخابي للنائب السابق أنه يؤكد دوماً أنه "مع المقاومة وضد التكفيريين"، في محاولة منه لدفع تُهمة العمالة التي يُلصقها جمهور "حزب الله" بشكل تلقائي بمُعارضي الحزب على الصعيد الداخلي والمناطقي حتى.

"عرسال لم تعد بعبعاً"

وفرضت المواجهة الشخصية بين شمص وبين السيد طابعاً شيعياً على المعركة، ولم تعد بلدة عرسال (أكبر بلدة من حيث المساحة الجغرافية في لبنان) ذات الأغلبية السنية تتصدر عناوين التحريض السياسي والإعلامي ضدها بسبب احتضانها للاجئين السوريين، وتحملها لأعباء هذا اللجوء كباقي بلدات المنطقة. وفي حين تبدو حظوظ مُرشح "القوات اللبنانية"، أنطوان حبشي، جيّدة بمواجهة النائب إميل رحمة، إلا أن حالة سلبية واكبت ترشيح مُنسق "المستقبل" في عرسال وعضو مجلس البلدية السابق، بكر الحجيري، إلى الانتخابات. وعانت عرسال، كما مُختلف مناطق انتشار "تيار المستقبل" في لبنان، من تبعات الأزمات المالية والسياسية لرئيس التيار، رئيس الحكومة الحالي، سعد الحريري. لكن معاناة عرسال كانت مُضاعفة بسبب موقعها الجغرافي والأمني والسياسي الحساس، وهي البلدة تاكبرى في لبنان، وصاحبة أطول حدود مُشتركة بين لبنان وسورية.

واستضافت البلدة أكثر من 100 ألف لاجئ سوري منذ سبع سنوات وحتى اليوم، وشهدت أحياؤها معركة طاحنة بين الجيش اللبناني من جهة، وبين "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" في العام 2014، إلى جانب عشرات الاشتباكات والمُداهمات والتوقيفات التي اتُهم الجيش اللبناني بانتهاك حقوق الإنسان خلالها، وبتعرّض موقوفين للقتل في مراكز التوقيف التابعة له. كما شهد مدخل البلدة الوحيد قطعاً من قبل أهالي البلدات المُجاورة بحجة دعم البلدة للإرهابيين. وتقول مصادر محلية في عرسال إن "بكر الحجيري قصّر بشكل مزدوج خلال متابعة هذه الأحداث، بسبب جمعه بين المسؤولية الحزبية وبين مسؤولية الإدارة المحلية من دون أن ينجح في رفع الظلم عن أهالي البلدة". ورغم انتماء الرجل إلى أكبر العائلات فيها، إلا أن الثارات العشائرية بين أفخاذ العائلة الأربعة ستحرمه من أصوات إضافية إلى جانب إحجام المُعترضين على إدارة "تيار المستقبل" لملف البلدة عن التصويت له.




"أهل بعلبك مع نصر الله وليس مع حزبه"

وعلى الضفة المُقابلة في لائحة "الثنائية الشيعية"، تقول مصادر قريبة من الحزب، لـ"العربي الجديد"، إن قيادة "حزب الله" تنظر إلى الخرق في لائحتها كأمر واقع، لكنها تحاول جاهدة أن تحصر الخرق في مقعد أو اثنين فقط. وهي مهمة لن تكون سهلة لأسباب عدة، أهمها: استمرار المعاناة المعيشية للأهالي، ورفضهم لتصريحات نائب الأمين العام لـ"حزب الله"، الشيخ نعيم قاسم، الذي اتهم الأهالي بـ"التذمّر". كما سبق إشكالية تصريحات قاسم، مغادرة مُرشح الحزب والنائب والوزير الحالي، حسين الحاج حسن، لقاعة إحدى الحسينيات في المنطقة قبل أشهر، بعد أن خاض نقاشاً حاداً حول الوضع الإنمائي في المنطقة ومساهمة الحزب ومساهمته الشخصية في تقديم الحلول. كما يُتوقع أن يُعاني الحزب من صعوبات في توزيع الأصوات بين حليفيه جميل السيد وإميل رحمة، اللذين يحتاجان إلى أصوات أنصار الحزب لتحقيق الفوز على منافسيهما يحيى شمص وأنطوان حبشي.

وقد دفعت هذه المعطيات وغيرها بالأمين العام للحزب، حسن نصر الله، إلى أخذ الأمور على عاتقه الشخصي، واستخدام رصيده الشخصي لدى الناخبين في محاولة لحثهم على المشاركة بكثافة في الانتخابات "حتى لا يصل أنصار داعش والنصرة إلى البرلمان"، كما قال الرجل خلال لقاء انتخابي. وقد تعهّد الأمين العام للحزب، أن يزور الدائرة بشكل شخصي وأن يلتقي الأهالي "رغم التهديدات الأمنية" حرصاً منه على كثافة التصويت. ويعلم نصر الله أن الجمهور في بعلبك - الهرمل من الممكن أن ينحاز له شخصياً، رغم الاعتراضات الواسعة على أداء "حزب الله" الإنمائي في هذه المنطقة، وذلك بعكس الحريري، الذي ترى المصادر المحلية أن زيارته لبلدة عرسال، وهي مُتوقعة، قد تنعكس إيجاباً لصالح "حزب الله"، وترتد سلباً على أهالي البلدة وعلى "التيار" في صناديق الاقتراع. وبعد أن سبق "حزب الله" خصومه بفارق 90 ألف صوت خلال الانتخابات النيابية في العام 2009، تخوض مُختلف القوى في المنطقة معركة تعبئة كبيرة في محاولة لحصد العدد الأكبر من المقاعد في الدائرة الانتخابية اللبنانية الأقرب إلى دمشق.

المساهمون