02 يونيو 2014
انتخابات "داروينية" في سورية

عمار منلا حسن (سورية)
على الرغم من اختلاف المواقف وردود الفعل الدولية بشأن الانتخابات السورية ونتائجها، فإن هذه المواقف اتفقت على النظر إلى الانتخابات على أنها شأن سوري محلي بحت، ولا يتجاوز تأثيرها العالمي، على أبعد الأحوال، تقاطع سلاسل التحالفات في سورية، إلا أن نجاح رئيس النظام، بشار الأسد، في الانتخابات ليس انتصاراً فردياً لشخصه فقط، ولا حتى مجرد انتصارٍ لنظامه ومنظومته الأمنية وحلفائه، بل إنه، حقيقةً، انتصار للطريقة والأسلوب الذي حكم وفقه في الأعوام الثلاثة الماضية، مستغلاً موقعه الجيوسياسي وتحالفاته الإقليمية والدولية، لقمع ثورة شعبية، ثم حرفها وتشويهها.
النظام السوري لم يصل بعد إلى شاطئ الأمان، وعلى الأغلب لن يصل إليه. لن تعود سورية إلى ما قبل مارس/ آذار 2011. لكن، قياساً لأداء باقي الأنظمة التي واجهت ثورات الربيع العربي، يمكننا القول إن النجاح الذي حققه النظام السوري يكمن في نقطتين رئيسيتين: الاستغلال الجيد لتحالفاته، ما ضمن له الاستمرار ثلاثة أعوام، وقد يضمن له الاستمرار أكثر من ذلك. وتشويه وتضليل وحرف الثورة الشعبية التي قامت عليه، ما جعل نجاحها بتحقيق أهدافها أمراً مستبعداً، حتى في حال سقوطه. فسقوط النظام اليوم لن يتبع، على الأقل ليس مباشرةً، بقيام دولة مدنية ديمقراطية، إنما بحرب طائفية أهلية مؤسفة.
ثورات الربيع العربي توقفت منتظرةً نتيجة ما يحدث في سورية، وما يحدث اليوم لا يبشر باستئنافٍ قريب للربيع العربي الذي لم يعد ربيعاً. ما يحدث في سورية لم يعد صراعاً بين شعبٍ ما وسلطةٍ ما، إنما غدا صراعاً بين مفهوم "الشعب" ومفهوم "السلطة". "الشعب" الذي انطلق مطالباً بحقوقه المشروعة، لكنه تعرض للتضليل، و"السلطة" التي لن ترضخ لمطالب "الشعب"، ولو اقتضى الأمر أن تشوه وتحرف ثورته، قبل أن تلاقي سقوطها المحتوم، فتشويه الثورة سيضمن عدم امتدادها في النطاق الجغرافي والزماني القريب.
في ظل هذه المقاربات، يقفز إلى الذاكرة اسم العالم تشارلز داروين، مقدم نظرية "الاصطفاء والانتخاب الطبيعي"، والتي أفرزت، لاحقاً، فسلفةً اجتماعيةً مؤسفة تعرف بـ"الداروينية الاجتماعية"، تقوم الأخيرة على أن تطور المجتمعات يستند إلى اصطفاء وانتخاب الأفراد والجماعات الأكثر قوةً وقدرةً على التأقلم والتكيف. لو وسعنا هذا المنظور، وحرفنا الدفة باتجاه السياسة، بدلاً من المجتمع أو الطبيعة، أمكننا القول إن النظام السوري كان الأكثر قدرةً على التكيف مع ظروف الربيع العربي. وعملية التكيف هذه لا تراعي أي معايير، أو متطلبات أخلاقية، بل تقتصر على الاستغلال الأمثل للحلفاء، ولعب أوراق الإعلام والقوة العسكرية بالطريقة الصحيحة. وعلى ذلك، فإن انتخاباً سياسياً دولياً للنظام السوري على أنه "الأصلح للبقاء" سينسف رومانسيات الثورة الفرنسية التي ترجمت إلى العربية بمقولة "إذا الشعب يوماً أراد الحياة...".
أمام هذه الجدلية، وصف المجتمع الدولي الانتخابات السورية على أنها "غير شرعية"، مغفلاً أن نجاح النظام السوري في هذه الانتخابات، وبالتالي، بهذا الانتخاب السياسي الدولي، يؤسس لـ"شرعيةً" دوليةً جديدة. أما الدبلوماسيون الغربيون الذين تشدقوا برفضهم جرائم كالتي يرتكبها نظام الأسد في "عالمٍ متحضر"، فعليهم أن يدركوا أن عالمنا اليوم، وفي ظل عدم التدخل أو الضغط، لإنهاء ما يحدث في سورية، بات أقرب للبداءة من التحضر، بات أقرب للداروينية الطبيعية من السلوك الإنساني المتمدن.
ختاماً، يجب التأكيد على أن الانتخابات السورية ليست حدثاً محلياً، يقتصر أثره على اللاجئين والمشردين والقابعين تحت القصف، بل إنها بداية مؤسفة لداروينية سياسية قد تتسع، وتمكن لنفسها في العالم. نظم حكم وسلطات أخرى ستأخذ بالتجربة السورية، وتعدلها وتحسنها وتتدارك ثغراتها، ستظهر ديكتاتوريات أكثر قدرةً على التصدي وتشويه الثورات الشعبية، وربما سينتهي الأمر بنظم وأحزاب كابوسية كـ"الحزب" (في رواية جورج أورويل: 1984). فهل ستضغط دول "العالم الحر"، حكوماتٍ وشعوباً لإنهاء الكابوس السوري، قبل تفشيه وانتشاره؟ أم أن الصمت والحياد السلبي سيستمر، وعندها ستكون الكارثة؟
النظام السوري لم يصل بعد إلى شاطئ الأمان، وعلى الأغلب لن يصل إليه. لن تعود سورية إلى ما قبل مارس/ آذار 2011. لكن، قياساً لأداء باقي الأنظمة التي واجهت ثورات الربيع العربي، يمكننا القول إن النجاح الذي حققه النظام السوري يكمن في نقطتين رئيسيتين: الاستغلال الجيد لتحالفاته، ما ضمن له الاستمرار ثلاثة أعوام، وقد يضمن له الاستمرار أكثر من ذلك. وتشويه وتضليل وحرف الثورة الشعبية التي قامت عليه، ما جعل نجاحها بتحقيق أهدافها أمراً مستبعداً، حتى في حال سقوطه. فسقوط النظام اليوم لن يتبع، على الأقل ليس مباشرةً، بقيام دولة مدنية ديمقراطية، إنما بحرب طائفية أهلية مؤسفة.
ثورات الربيع العربي توقفت منتظرةً نتيجة ما يحدث في سورية، وما يحدث اليوم لا يبشر باستئنافٍ قريب للربيع العربي الذي لم يعد ربيعاً. ما يحدث في سورية لم يعد صراعاً بين شعبٍ ما وسلطةٍ ما، إنما غدا صراعاً بين مفهوم "الشعب" ومفهوم "السلطة". "الشعب" الذي انطلق مطالباً بحقوقه المشروعة، لكنه تعرض للتضليل، و"السلطة" التي لن ترضخ لمطالب "الشعب"، ولو اقتضى الأمر أن تشوه وتحرف ثورته، قبل أن تلاقي سقوطها المحتوم، فتشويه الثورة سيضمن عدم امتدادها في النطاق الجغرافي والزماني القريب.
في ظل هذه المقاربات، يقفز إلى الذاكرة اسم العالم تشارلز داروين، مقدم نظرية "الاصطفاء والانتخاب الطبيعي"، والتي أفرزت، لاحقاً، فسلفةً اجتماعيةً مؤسفة تعرف بـ"الداروينية الاجتماعية"، تقوم الأخيرة على أن تطور المجتمعات يستند إلى اصطفاء وانتخاب الأفراد والجماعات الأكثر قوةً وقدرةً على التأقلم والتكيف. لو وسعنا هذا المنظور، وحرفنا الدفة باتجاه السياسة، بدلاً من المجتمع أو الطبيعة، أمكننا القول إن النظام السوري كان الأكثر قدرةً على التكيف مع ظروف الربيع العربي. وعملية التكيف هذه لا تراعي أي معايير، أو متطلبات أخلاقية، بل تقتصر على الاستغلال الأمثل للحلفاء، ولعب أوراق الإعلام والقوة العسكرية بالطريقة الصحيحة. وعلى ذلك، فإن انتخاباً سياسياً دولياً للنظام السوري على أنه "الأصلح للبقاء" سينسف رومانسيات الثورة الفرنسية التي ترجمت إلى العربية بمقولة "إذا الشعب يوماً أراد الحياة...".
أمام هذه الجدلية، وصف المجتمع الدولي الانتخابات السورية على أنها "غير شرعية"، مغفلاً أن نجاح النظام السوري في هذه الانتخابات، وبالتالي، بهذا الانتخاب السياسي الدولي، يؤسس لـ"شرعيةً" دوليةً جديدة. أما الدبلوماسيون الغربيون الذين تشدقوا برفضهم جرائم كالتي يرتكبها نظام الأسد في "عالمٍ متحضر"، فعليهم أن يدركوا أن عالمنا اليوم، وفي ظل عدم التدخل أو الضغط، لإنهاء ما يحدث في سورية، بات أقرب للبداءة من التحضر، بات أقرب للداروينية الطبيعية من السلوك الإنساني المتمدن.
ختاماً، يجب التأكيد على أن الانتخابات السورية ليست حدثاً محلياً، يقتصر أثره على اللاجئين والمشردين والقابعين تحت القصف، بل إنها بداية مؤسفة لداروينية سياسية قد تتسع، وتمكن لنفسها في العالم. نظم حكم وسلطات أخرى ستأخذ بالتجربة السورية، وتعدلها وتحسنها وتتدارك ثغراتها، ستظهر ديكتاتوريات أكثر قدرةً على التصدي وتشويه الثورات الشعبية، وربما سينتهي الأمر بنظم وأحزاب كابوسية كـ"الحزب" (في رواية جورج أورويل: 1984). فهل ستضغط دول "العالم الحر"، حكوماتٍ وشعوباً لإنهاء الكابوس السوري، قبل تفشيه وانتشاره؟ أم أن الصمت والحياد السلبي سيستمر، وعندها ستكون الكارثة؟