امرأة من "التوتسي" ترعى أطفال "الهوتو" في بوروندي

امرأة من "التوتسي" ترعى أطفال "الهوتو" في بوروندي

30 يناير 2015
أيتام الحروب يدفعون الثمن (GETTY)
+ الخط -


اسمها كريستين نتاهي، غير أنّ الأطفال يلقّبونها بـ "ماما الأحد"، فهذه المرأة المنحدرة من عرقية التوتسي (أقلّية) في بوروندي، تفتح أبواب منزلها، كلّ يوم أحد، لاستقبال حوالي 70 طفلا ينتمون إلى طائفة "الهوتو" (الغالبية في البلاد)، يجدون في منزلها الدفء العائلي الذي حرموا منه سواء بسبب الحروب الأهلية أو اليتم. و"ملجأ" كريستين جعلهم يتخلّون عن مناداتها باسمها الأصلي مفضلين كنية أقرب إلى قلوبهم وهي "ماما الأحد".

وعقب اغتيال الرئيس "ملشيور ندادايي" المنتمي إلى طائفة الهوتو، والذي يعدّ أول رئيس منتخب ديمقراطيا في بوروندي العام 1993، بلغت الأزمة ذروتها في البلاد، مع تواتر المجازر الوحشية الانتقامية بين أبناء الجماعتين العرقيتين الرئيسيتين في بوروندي: الهوتو والتوتسي، والتي تحوّلت في نهاية المطاف إلى حرب أهلية لم تضع أوزارها إلا في عام 2001، وإن خلفت لليوم حساسيات بينهما.


يشبه منزل كريستين، الصحافية المتقاعدة، الواقع في حي غاغارا بالعاصمة بوجمبورا، داراً للأيتام، حيث يتواجد أطفال من جميع الأعمار أمام منزلها. وعندما تفتح كريستين الباب، يسارع الأطفال إلى ذراعيها، ويرتمي البعض في أحضانها لتقبيلها.

بقدوم الأطفال، تضع كريستين الأطباق المملوءة بسخاء بالأرز والفاصولياء على الحصير التي فرشت بعناية تحت ظلال أشجار المانجو المحيطة بالمنزل، حيث يأكل الأطفال في مجموعات صغيرة.

يقول أحد الأطفال ويدعى أدريان "في البداية، كنت أشعر بالخوف من المجيء إلى نغاغارا (حي التوتسي)، لأن والديّ من الهوتو. كنا نشعر بالرعب من مجرّد التفكير في فعل ذلك  لفترة طويلة، غير أنّ ماما الأحد هي من بعث فينا الطمأنينة وقدّم لنا المساعدة".

يدرس أدريان حاليا في المدرسة الثانوية. وتقع نفقات دراسته، إضافة إلى 20 طفلا آخرين، على عاتق "ماما الأحد". فمع بداية كل عام دراسي، ورغم أنّ منحة تقاعدها متواضعة، إلا أنّ كريستين تبتاع الدفاتر والأقلام والأزياء المدرسية لتأمين عودة هؤلاء الطلاب الصغار. وفي الآونة الأخيرة، يقوم بعض الأشخاص من فاعلي الخير بمساعدتها. 

وتقول كريستين "على الأطفال تعلّم الانضباط رغم وضعيتهم. وعليهم أيضا أن يحبوا مستقبلهم. لقد فعلت كل شيء من أجل أن يذهب العديد منهم إلى المدرسة وأن يحققوا أحلامهم". 

وعن الصعوبات التي تواجهها لتوفير متطلّبات تعليم الأطفال قالت "أحاول أن أكون غنية عبر إعطاء الكثير من الحب لهؤلاء الأطفال، وأدعو الناس إلى البحث عن الثروة عبر إعطاء المحبة".

واختيار كريستين لهذا العمل التطوعي يعود إلى تجربتها الشخصية وتقول "أضحيت يتيمة وأنا في الحادية عشرة من عمري. وأصبح أطفالي الأربعة أيضا أيتام الأب في سن مبكرة. أعلم ماهية هذا الشعور المؤلم، كما أنّي مقتنعة بأن الطفل لا ينتمي إلى الأسرة بل إلى المجتمع"، مؤكّدة التزامها بالنضال من أجل أطفال الهوتو، وخاصة القاطنين منهم في محافظات كامنجي، كيناما وبوتيري، والتي تسكنها عائلات فقيرة، وهي أيضا منطقة الاشتباكات المسلحة.

مهمّتها لا تبدو يسيرة في ظل الصراعات العرقية، بل أصبحت موضوع سخرية داخل مجتمعها، وتقول "اتهموني بالمنحرفة، لمساعدة الهوتو، أطفال الأعداء، بيد أنّني لم أتخلّ عن نضالي. لقد قلت لنفسي إنّه بالتخلّي عن هؤلاء الأطفال، سيصبحون هدفاً سهلاً للجماعات المسلّحة التي تقوم بتجنيدهم، ولقد كنت أريد حمايتهم من هذه الكارثة لأنهم يمثلون مستقبل البلاد".

الجهد الذي بذلته في سبيل جميع أولئك الأطفال الذي قدمت لهم المساعدة لم يذهب سدى، فقد تم الاعتراف والإشادة بتضحياتها، في 25 مارس/آذار 2013، عندما منحتها السفارة الأميركية شهادة "المرأة الشجاعة" ومنحتها المنظمة غير الحكومية "سورش فور كومون غراوند" شهادة تقدير تحت مسمى "البحث عن أرضية تفاهم".

دلالات

المساهمون