اليمين الأوروبي المتطرف .. وفشل التكتل والمزايدات

اليمين الأوروبي المتطرف .. وفشل التكتل والمزايدات

06 يوليو 2014

لوبين تتوسط رئيسي الحزبين النمساوي والهولندي اليمينيين(مايو/2014/فرانس بر س)

+ الخط -

يعدّ فشل الجبهة الوطنية، الفرنسية اليمينية المتطرفة، في إقناع الأحزاب المتطرفة الأوروبية بتشكيل كتلة برلمانية في البرلمان الأوروبي، بعد فوزها في الانتخابات الأخيرة، نكسة كبيرة، على الرغم من سعي زعيمتها، مارلين لوبين، إلى التقليل من شأن هذا الفشل، لتشكيل كتلة برلمانية كان على أحزاب وتشكيلات اليمين الأوروبية المتطرفة أن يكون لها 25 مقعداً موزعة على سبع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وإذا كان العدد لا يطرح إشكالاً، فإن الاختلافات والخلافات بينها حالت دون تشكيلها. فلم تتمكن الجبهة الوطنية وحلفاؤها (بمجموع 38 نائباً قي البرلمان الأوروبي) – حزب الحرب الهولندي، حزب الحرية النمساوي وفلامس بيلانغ البلجيكي ورابطة شمال إيطاليا – من تشكيل كتلة برلمانية، لأنهم ينتمون إلى خمس دول فقط بدل سبع.

وهذا فشل سيلقي بظلاله على (الأيامن) المتطرفة في هذه العهدة البرلمانية، لأنها فقدت مزايا كبيرة، ذلك أن تشكيل كتلة برلمانية كان سيسمح لها بالاستفادة من تمويل أوروبي، يتراوح بين 20 إلى 30 مليون خلال خمس سنوات (عهدة برلمانية) وأمانة ومكاتب ومتعاونين، يدفع البرلمان الأوروبي رواتبهم.

وإلى جانب التمويل، تسمح الكتلة لهذه الأحزاب أن تكون مرئية وحاضرة سياسياً وإعلامياً، وتمنحها الحق في اقتراح تعديلات، والتدخل في الجلسات العامة، وحتى الوصول إلى رئاسة لجان البرلمان التي تزيد عن 20 لجنة. لكن، ما سبب هذا الفشل؟

ليس تشكيل كتلة برلمانية بين أحزاب وجبهات وحركات يمينية مختلفة، وبل ومتناقضة التوجهات الأيديولوجية، أمراً هيناً، خصوصاً وإن الأحزاب القومية عموماً، بغض النظر عن الأرضية المشتركة (العداء لأوروبا، العداء للأجانب، معاداة الإسلام...)، تبقى قومية حبيسة تصور وطني، سيصطدم، لا محال، بتصورات الأحزاب الأخرى. بل حدث ذلك فعلاً، فحزب اليمين الجديد البولندي يرفض التعاون مع حزب استقلال المملكة المتحدة، لأن الأخير قاد حملة انتخابية مناهضة للبولنديين المقيمين في بريطانيا.

وبالتالي، من الصعب الجمع بين تصورات قومية متناقضة وعدائية أصلاً. فالقول مثلاً بشعار (الجبهة الوطنية) فرنسا أولاً يستهدف الأوروبي، أيضاً، حتى ولو جاء في مؤخرة الترتيب (بعد الأجانب والمسلمين...).

إنّ قوى اليمين الأوروبية منقسمة على نفسها، من منظور هذه الأحزاب نفسها، إلى ثلاث فرق. فريق متشدد للغاية، تتزعمه الجبهة الوطنية الفرنسية وحلفاؤها، مثل حزب الحرية النمساوي وفلامس بيلانغ البلجيكي، وحزب الحرية الهولندي ورابطة شمال إيطاليا. وفريق أكثر تشدداً منه، يتمثل في حزب النازيين الجدد اليونانيين وحزب جوبيك المجري... وفريق أقل تشدداً (من الأول) يتزعمه الحزب من أجل استقلال المملكة المتحدة، وحليفاه الحزب السويدي وحزب الشعب الدانمركي. يعيب الأول على الثاني تشدده، ويرفض التعاون والتحالف معه، فيما يعيب الثالث على الأول – ناهيك عن الثاني – تشدده، رافضاً التحالف معه هو الآخر. ومن ثم، أصبحت إشكالية الاعتدال والتطرف مشكلة بالنسبة للأيامن الأوروبية، بعد أن كانت مشكلة في علاقاتها مع الأحزاب الأخرى (غير اليمين المتطرف).

إنّها مفارقة المزايدات بشأن الاعتدال/التطرف بين أحزاب متطرفة أصلاً. ويُفسر هذا، فيما يفسر، بثقل السياقات الوطنية وتاريخ كل حزب. فضلاً عن الاختلافات الأيديولوجية في المجال الاقتصادي، فبعض هذه الأحزاب حمائية حتى النخاع، فيما تبدو الأخرى ليبرالية، بينما بعضها الآخر ليبرالية متشددة. وتكفي هذه الإشكالية (التطرف والاعتدال) وحدها لإجهاض أي محاولة لتشكيل كتلةٍ برلمانيةٍ تضم أحزاب اليمين المتطرفة.

طبعاً ليس هذا الفشل نهائياً، فبإمكانها تشكيل كتلة برلمانية مستقبلاً، خلال هذه العهدة. لكن، سيكون الأمر صعباً، بعد أن تبرد الأجواء الانتخابية المفعمة التي رافقت نجاح هذه الأحزاب في الانتخابات الأوروبية. بصرف النظر عن التصورات البينية لهذه الأحزاب، فإن الفرق بينها ليس في الطبيعة، وإنما في الدرجة، وفي بعض الفزاعات التي توظفها.

لكن، ما هي دلالات هذا الفشل ونتائجه؟ أولاً، يؤكد هذا الفشل في "جمع شمل" اليمين المتطرف أوروبياً أن هناك أيامن وليس يميناً واحداً. وإن التنوع والتناقض السياسيين يميزان هذه الأحزاب كغيرها من الأحزاب. بمعنى أن العداء لأوروبا، وللأجانب – وللإسلام –كأرضية مشتركة، لا يفضي، بالضرورة، إلى أيديولوجية مشتركة. ثانياً إن عملية تطبيع الجبهة الوطنية في فرنسا، والتي تسعى زعيمتها، جاهدةً، لإنجاحها بمحاولة تلميع وتلطيف صورة الحزب وسمعته، أتت أكلها جزئياً في فرنسا، كما يدل على ذلك نجاحها في الانتخابات الأوروبية، لكنها فشلت على الصعيد الأوروبي. حيث ترى قوى يمينية أوروبية أن الجبهة الوطنية معادية للسامية، وإنه لا يمكن التحالف معها في البرلمان الأوروبي. ومن ثم، فإن التطبيع المزدوج، محلياً وأوروبياً، نجح في شقه الأول، وفشل في شقه الثاني.

فإذا كان هناك تعاطف وقبول لأفكار الجبهة الوطنية في فرنسا، فالأمر ليس كذلك في أوروبا، وهذا يمثل ضربة قوية لهذا الحزب الذي راهن على أحزاب وتشكيلات اليمين الأوروبية، ووظفها محلياً لخدمة مآربه السياسية. فطالما استعملت الجبهة الوطنية خطاب ومواقف قوى اليمين الأوروبية الأخرى، وقوداً لخطابها، وحجة لإقناع الفرنسيين بصواب مواقفها، وها هي تتلقى صفعة من تشكيلات يمينية أوروبية، ترفض التعاون والتحالف معها، وتعيب عليها تطرفها ومعاداتها للسامية. رابعاً، سينعكس الفشل على المستوى الأوروبي سلباً على موقعها في الخارطة السياسية الفرنسية، لأنها رفعت سقف المطالب والوعود عالياً، في الحملة الانتخابية، وها هي، اليوم، مهملة الثقل تماماً في البرلمان الأوروبي، بعد فشلها في تشكيل كتلة برلمانية بزعامتها.
يخفف هذا الفشل من مد اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي، ويحول دون إلحاقه الضرر بمؤسسات الاتحاد، من خلال منبر برلمان الاتحاد وبأموال أوروبية. لكن، هل يعد هذا الفشل مجرد استراحة في المد القومي في أوروبا، أم مؤشراً على بداية انحسار قادم للأيامن الأوروبية المتطرفة؟