اليمن واللون الواحد

اليمن واللون الواحد

05 يناير 2017
+ الخط -
من المحزن أن تغلق النافذة التي اختزلت كلّ الألوان اليمنية، ونظرت إلى الشعب بطبقة واحدة من دون تمييز طوائفهم وانتماءتهم السياسية والحزبية، فلم تكن، منذ انطلاقتها، تمثل سوى اليمن، بكل ألوانه وطوائفه. إنها قناة السعيدة، اليد التي امتدت لمصافحة البسطاء، وأؤلئك الذين لا ناصر لهم، والنافذة التي أرادوا من خلالها المطالبة بحقهم في الحياة، ولو بأقل تقدير، لترفع الشعب وعياً وثقافة ومعرفة إلى أعلى المراتب.
في ضباب المشهد القاتم ورداءة العمل الإعلامي منذ قيام الوحدة حتى العام 2007، والدائره الضيقة التي كان يرزح فيها الإعلام، جاءت "السعيدة" أوّل قناة فضائية خاصة، لتكون منبر المواطن لا سواه، أخرجته من غياهب فضائيات الإعلام الرسمي وبث جلسات البرلمان ساعات، ونشرات الأخبار التي لا تخرج عن تلميع من يحكم البلد، بمنأى عن دورها الرقابي وخدمة الشعب، الشعب الذي مثّلت له "السعيدة" أرضية صلبة لاستمرار بقائه الوجودي، وإيصال ما يمكن إيصاله بالمطالبة بحقه .
لا مبالغة في القول إنّ رائدة الإعلام اليمني (السعيدة) بعد اندلاع رياح الربيع العربي كانت وحيدةً في الساحات، ولن نختلف حول رؤية الانشقاق والضربة التي قسمت وسائل الإعلام اليمني بين مؤيد ومعارض، ولن نكذب إن قلنا إنّها القناة التي ظلّت وفقاَ لإمكانياتها المادية في صف الشعب والوطن.
ما يقارب عشر سنوات في خدمة الشعب والوطن، والتنقيب عن منابع الفساد، والغوص في أحداث اليمن، عبر كل المحطات التاريخية والسياسية، وما وصل إلى ذلك حياديتها وملامستها لهموم المواطن وتضميد جراحه، بالإضافة إلى قربها من كلّ الأطراف، مراعيةً حدود مهنيتها، وكلّ ما يمكن آن يخرجها عن مسار الإعلام الصادق، الأمر الذي جعلها محلّ انتقاد بالأداء التي ظهرت به أخيراً، فمن هنا يمكن أن يضع كلّ منّا نفسه أمام تساؤلات: كيف لقناةٍ أن تصمد عشرين شهراً في العمل الميداني أمام ممارسات القمع والمطاردة، وصولاً إلى الإعتقال ومصادرة بعض الأدوات، وإغلاق مكاتبها في محافظات عدة؟
منذُ اندلعت شرارة الحرب وانقسم الإعلام، وغادرت القنوات من صنعاء وأغلقت الصحف، ظلّت "السعيدة" صوت المواطن لنقل أوجاع الحرب والمآسي وإنتاج البرامج والمسلسلات في أشدّ المواقع خطورة.
على مستوى هيكلها الوظيفي، لم تقم "السعيدة" بالاختزال الذي لجأت له كلّ المؤسسات من تسريح للموظفين أو تخفيض المرتبات إلى معدل النصف، بل التزمت تسليم المرتبات، حتى بعد إغلاق مكاتبها في صنعاء وتعز، فلم يكن الطريق الذي تسير به قناة فضائية محايدة أمراً هيناً، مع التعطّش الدامي لمسرح الإعلام في اليمن، وتبدّل عدسات الكاميرات بفوهات البنادق. لم يغب الإعلام عن مسرح العمليات العسكرية والتحولات السياسية منذ اندلاع الحرب، بل كان حاضراً وبقوة، لكنه لم يرتق برسالته إلى المستوى الذي لا بد أن يكون عليه، وسار في منأى عن الحياد، معبّراً عن قناعات أطراف بعينها وآرائها، ولم يسع إلى قضايا الشعب المهزوم، وإظهار وحشية الحرب التي يتكبّدها منذ عامين. كما سارت "السعيدة" في تناول القضايا بعيداً عن اللغط الذي تمضي به معظم وسائل الإعلام اليوم، وظلّت إلى جانب الإنسان، متحملةً أعباءه ومناصرة لقضاياه، حتى قطعت الأطراف المتحاربة الطريق أمامها، وفصلت الجسر الذي ينقل لليمني أوجاعه، وما خلّفته الحرب للعالم الآخر.
B01E5FA4-6C53-4788-9CDE-852B72C8654F
B01E5FA4-6C53-4788-9CDE-852B72C8654F
عصام القدسي (اليمن)
عصام القدسي (اليمن)