اليمن.. ملعب مكشوف ومنظومة حكم واحدة!

اليمن.. ملعب مكشوف ومنظومة حكم واحدة!

19 يونيو 2015
تتفاقم الكوارث الإنسانية في اليمن يوماً بعد آخر(فرانس برس)
+ الخط -
اليمن في حالة صراع دائم ومستمر منذ أن فجّر الشباب اليمني ثورته المطالبة بالتغيير سلمياً في فبراير/ شباط 2011، لكن هذا الصراع الآن يطفو على السطح أكثر. حينها، كان الشباب يرسمون الصورة الأولى لليمن بعيداً عن دور البندقية في تحديد المستقبل وأبعاده المختلفة، مُجبرين علي عبد الله صالح على توقيع المبادرة الخليجية التي تنحى من خلالها عن السلطة في اليمن. من ناحية أخرى، كان الحاضن السياسي للثورة "اللقاء المشترك" آنذاك مستعداً لحكم البلد مناصفة مع نظام صالح وهذا ما حدث بالفعل.

هكذا إذاً، جلّ الصراع كان سياسياً بحتاً رغم تضحيات الشارع المتعددة. سمّى الكثير من متابعي الشأن اليمني ما حدث حينها بإرادة السلام وتحكيم العقل والعودة إلى "الحكمة اليمنية". مع العلم أن هذه "الحكمة اليمنية"، هي نفسها من أتت بالحوثيين من خارج دائرة العمل السياسي الى امتلاك العديد من الحقائب الوزارية في اليمن، إلى طرف من أطراف الحوار الوطني الذي انعقد في أواخر مارس/ آذار 2013، وهم الجماعة ذات المرجعية المذهبية الواحدة والتي كانت تبحث عن سبيل ما لتسوير محافظة صعدة -معقلها الأساسي- حتى انتهى بها المطاف إلى السيطرة على العاصمة صنعاء بعد انقلاب سبتمبر/ أيلول 2014! هنا أؤكد أن هذه الجماعة – أي جماعة الحوثيين – كانت وليدة الغباء السياسي في الساحة اليمنية، زرعت نفسها بديلاً لتيار وطنيٍ ثالث كانت تمنّي به النفس كل القوى المدنية التي ترى أن الأطراف السياسية المتواجدة في اليمن لم تعد قادرة على مواكبة التغيير والنظر إلى المواطن كركيزة أساسية في برامجها السياسية إن كانت تعمل وفق برامج سياسية بالأساس!


على الطرف الآخر ووفق عدة مؤشرات، فالثوب الآخر الذي ظهرت به السعودية يؤكد أن لديها نوايا حقيقية لتغيير مجريات الأحداث في الداخل اليمني وتغيير خارطة القوى السياسية، كيف لا وهي من عززت نقل أسس الصراع في اليمن من صراع سياسي إلى صراع عسكري، ومذهبي إن استمر الحال على ما هو عليه. هذا الصراع سيعمل بالطبع على إنهاك جميع القوى المستقطبة في الداخل، سواء كانت حليفة للسعودية أم لا. يظل هذا هو التفسير الأرجح لما يحدث، كي تعمل السعودية بعد ذلك على خلق مشروع سياسي جديد في اليمن آتٍ من خارج هذه القوى المنهكَة، وغير مقلق للمملكة على المدى البعيد.

من المؤكد أيضاً، أن اليمن الجديد لم تعد طريقهُ سالكة بشكل مباشر، بل من الضروري المرور عبر إعادة إعمار اليمن المتهالك حالياً. صنعاء، عدن، تعز والمكلا، لم تعد المدن الرئيسية في اليمن بل الأكثر دماراً، الثلاث المدن الأولى منهكة جراء حرب الداخل وغارات الخارج والأخيرة، وفق مصادر متعددة، في طريقها إلى أحضان القاعدة رسمياً! الحرب كما الفوضى كارثة حقيقية وتمدد كما أن لها روحاً خفية، فالملاحظ للأوضاع يرى كيف بدأت بالانتقال من شمال الشمال إلى الجنوب، ثم عادت عكسياً، ليبدأ الصراع في المناطق الحدودية، إضافة إلى بعض مظاهر الفوضى التي بدأت تظهر على السطح تدريجياً في الداخل السعودي، كان آخرها تفجير جامع في القطيف وعملية انتحارية أمام آخر!

من هنا، يتأكد للجميع أنه في ظل غياب الحل السياسي، فلا سبيل لدى المواطن اليمني للذهاب بعيداً عن خيارات الحرب التي يكتوي بنيرانها يوماً بعد آخر. فالأوضاع الحالية أثبتت أن خيارات الحرب كانت يجب أن تُلجم منذ البداية بدعوات جديّة للحوار وتقديم التنازلات من كل الأطراف. بشاعة الحرب تظهر بشكل واضح إن نظرنا إليها من زاوية المواطن الذي لم يعد يحتمل أكثر وهو الذي يعيش في الظلام أياما متواصلة، ناهيك عن غياب شبه تام للخدمات العامة في اليمن.

لا شك في أن الكوارث الإنسانية في اليمن تتفاقم يوماً بعد آخر، لكن هذا الجانب يبدو بعيداً عن حسابات كل أطراف الصراع، سواء تلك التي تقف مع العدوان الداخلي في اليمن، ممثلاً بتحالف صالح والحوثيين، كالمؤتمر الشعبي العام، أم تلك التي تبارك التدخل السعودي ومن ورائه دول التحالف، ممثلة بهادي وأحزاب يمنية. كل هذه الأطراف المتعددة تنتظر النصر على الميدان وقد يطول هذا الانتظار، كما أنها ترى أن الأوضاع الإنسانية عبارة عن ورقة رابحة للضغط السياسي ليس إلا. هذه الأطراف وإن تعددت إلا أنها انعكاس لسياسة واحدة وأسلوب حكم وحيد يرمي بالمواطن بعيداً عن خططه الجهنمية، ليموت كبيدق في رقعة الشطرنج حفاظاً على حياة الملك.

(اليمن)