اليمن.. قريباً من الخليج بعيداً عنه

اليمن.. قريباً من الخليج بعيداً عنه

13 سبتمبر 2014

في افتتاح الحوار الوطني اليمني في صنعاء (25 يناير/2014/الأناضول)

+ الخط -

الأخبار عن اليمن هي أخبار تَعقّدِ مشكلاته وتراكمها. يبدو اليمن الذي كان يوصف على لسان العرب بـ(السعيد) مهموماً ضعيفاً، ولا يمكن التنبؤ بما قد يحدث له.

هناك حدثان مفصليان، يميزان تاريخ اليمن السياسي الحديث، الأول الثورة على الإمامية والتحول إلى الجمهورية، والثاني الوحدة بين شطريه، الشمالي والجنوبي، بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 1990 بعد حروب واشتباكات.

تمت الثورة على الإمامية في اليمن، وأقيمت الجمهورية في إطار عربي، فقد تسمى العسكر قادة الثورة "الأحرار"، واعتبرت جمهورية الضباط الأحرار في مصر الثورة اليمنية ثورتها، وقاتل ربع الجيش المصري هناك، أما الإمامية فقد وجدت في الملكيات العربية داعمها الأول. قرر اليمنيون أن يكون بلدهم الساحة الساخنة للحرب العربية الباردة الشهيرة. الوحدة اليمنية، أيضاً، تمت في حضور عربي في المشهد، فقد عقدت قيادات الشمال والجنوب لقاءات متعاقبة في مدن اليمن، كصنعاء وعدن وتعز، وبعضها الآخر في مدن عربية، كالقاهرة والجزائر وطرابلس الغرب... ومثلما حدث للثورة، فقد تحمست دول عربية لهذه الوحدة ورحبت بها، بينما تحفظت عليها دول وتحمست عليها. في الثورة على الإمامية، وفي السعي إلى الوحدة، عمل الشماليون والجنوبيون إلى بعضهما. حتى بوجود الحدود الفاصلة، مزج اليمنيون، شماليون وجنوبيون، تاريخهما السياسي، ليكون تاريخاً في أهم أجزائه ومفاصله، بل إن الجنوبيين متهمون بالضلوع في اغتيال الرئيس اليمني، أحمد الغشمي، لأنهم رأوه ضالعاً في اغتيال سلفه، إبراهيم الحمدي، الذي كان متحمساً للوحدة.

وهنا تأتي لحظة مفارقة في التاريخ السياسي العربي الحديث، لحظة صناعة ذاكرة مشتركة للشعب واعتبار الانفصال طارئاً في التاريخ، والوحدة هي الطبيعي والأصل. مشكلة سياسيين عرب كثيرين أنهم اعتبروا لحظة الدولة العربية الحديثة لحظة الحقيقة الوحيدة، وبداية التاريخ لأمة من أعرق الأمم. اليمنيون الذين سعوا إلى الوحدة وضحّوا من أجلها لم يتوقفوا عند اللحظة التي صنعها الآخر، وقرر فيها جعل اليمن يمنيين والشعب شعبين.

عن الوحدة اليمنية ومسيرتها ومحاولاتها للتحقق لا يُمكن أن تُنسي تلك الصعوبات التي واجهتها في داخل الشمال نفسه، وفي داخل الجنوب نفسه. حيث اعتُقِد في الجنوب الاشتراكي أن الشماليين المحافظين سيغيرون نمط الحياة في الجنوب، واعتقد في الشمال المحافظ أن الجنوبيين سيأتون لتأميم كل شيء. وفي الحقيقة، لم تتحول الخصومة الأيدلوجية التقليدية بين المحافظين والتقدميين إلى صراع قومي، كانت ستتحول في اليمن الموحد المأمول إلى صراع برامج داخل قومية واحدة. يمكن لمثل هذه الوحدة بين اشتراكيين في الجنوب ومحافظين في الشمال أن تنشر حماسةً، حتى في شبه الجزيرة الكورية، لوحدة بين شمالها الشيوعي وجنوبها الليبرالي. تبلغ المفارقة في هذه الوحدة ذروتها، حين نأخذ بالاعتبار أنها تمت بين شمال، كان في ثمانينيات القرن العشرين خزاناً كبيراً للأفغان العرب الذين قاتلوا في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي، وجنوب كان أحد أهم حلفاء الاتحاد السوفييتي في العالم.

وحتى لا نغرق في رواية وردية للتاريخ، ولا نُطيل البحث في هذا التاريخ عما نُعزّي به أنفسنا في حاضرنا، لا بد أن نقول إن المسيرة اليمنية من الثورة والجمهورية والوحدة تُواجه، اليوم، بتحدياتٍ عديدة، قد لا تُنهيها بالضرورة، لكنها قد تُضعفها وتجعل حلم (الجمهورية) كابوساً. فالحراك الحوثي يتصاعد، وقد يتحول إلى مسلح في صنعاء، والحراك الجنوبي المطالب بالانفصال يتذبذب بين صعود وهبوط، والرئيس السابق، علي عبد الله صالح، الذي خلعته الثورة مازال رئيساً لحزبه، أي مازال في الحياة السياسية، خرج من قصر الرئاسة، ولم يخرج من السياسة، والسياسة طريق إلى الرئاسة. وإلى هذا كله، هناك مشكلات اليمن المزمنة، كالأزمات الاقتصادية وانتشار الأُمية والسلاح ووجود تنظيم القاعدة على الأراضي اليمنية.

ويكشف التاريخ السياسي الحديث لليمن عن مدى الارتباط القوي الذي يجمعه مع جار الجغرافيا الخليج العربي، الذي لم يغب اليمن عن عقله السياسي. لكن التناقض السياسي والتفاوت الاقتصادي بين اليمن والخليج العربي ساهم في تعقيد هذه العلاقة. كان الخليج العربي ملكياً سياسياً، أما اليمن فكان جهورياً منقلباً على الإمامية. كان الخليج وفير الموارد اقتصادياً، قليل السكان، بينما كان اليمن شحيح الموارد وأكثر سكاناً. ربما كانت هذه التناقضات مبرر رفض دولٍ في الخليج دخول اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، ما جعل اليمن يتجه إلى مجلس التعاون العربي (اليمن، مصر، العراق، الأردن) الذي انهار لاحقاً. ليس هذا فحسب، بل أضر بهذه العلاقة تركيز بعض أطرافها على المستوى الأمني/ السياسي منها، بدل شراكة حقيقية على كل المستويات. ويقول قدر الجغرافيا والتاريخ إنه لا مناص من اعتبار اليمن مسألةً داخلية في الخليج، وبالذات بالنسبة للرياض واعتبار الخليج مسألة داخلية لليمن. وبسبب هذه الضرورة، من مصلحة اليمن والخليج العربي أَلا تُدار العلاقة اليمنية الخليجية بطريقة "التعاون والتنسيق العربي المعهودة"، بل يجب الخروج إلى فاعلية أكبر ومرونة أعلى في بناء هذه الشراكة. بلغة الأمن والاقتصاد، يُمكن للطرفين أن يكونا عظيمي الفائدة لبعضهما البعض، شرط أن تُدرك جميع الأطراف أن "جغرافيا الجزيرة العربية" لابد أن يتم تفعيلها، لتكون شراكة حقيقية وبرامج عمل للتكامل. من أجل الخليج العربي ومن أجل اليمن، من الضروري أن يكون اليمن قريباً من الخليج، لا بعيداً عنه.

7DCBCDF9-9B50-4782-AA8C-FEDA3F7106B7
نايف السلمي

مهندس صناعي وكاتب سعودي مهتم بالفكر و الثقافة في الوطن العربي، ومؤلف مشارك في كتاب "في معنى العروبة .. مفاهيم و تحديات".