اليمن بعد العاصفة

اليمن بعد العاصفة

30 مارس 2015

معدات رصد استولى عليها حوثيون دمرتها عاصفة الحزم (27مارس/2015/الأناضول)

+ الخط -

اعتبرت أغلب الكتابات، التدخل العربي في اليمن بداية حقيقية لاستعادة الكرامة العربية، وإحياء العمل العربي المشترك. وجاء ذلك على حساب الاهتمام بمآلات الحالة اليمنية نفسها، بعد "العاصفة". إذ يحتاج الوضع المعقد في اليمن إلى سرعة التفكر في اليوم التالي لانتهاء العمليات العسكرية، سواء اقتصرت على القصف الجوي أو تطورت إلى أشكال أخرى من التدخل. فمن أكثر العيوب العربية شيوعاً تعجّل جني الثمار، والقفز إلى النتائج قبل اختمار المقدمات. لذا، لا بد من معالجة الملف اليمني بدرجة عالية من التأني والشمول، وعدم الاغترار بالنتائج الإيجابية السريعة للقصف الجوي. ومن منظور عسكري، معلوم بالضرورة أن الضربات الجوية لا تحسم حرباً، ولا تغير موازين القوى على الأرض إلا مرحلياً، وبصورة جزئية. "عاصفة الحزم" منعت سقوط عدن، وأنقذتها من مصير صنعاء، وهذا إنجاز مرحلي مهم، لكنه غير كاف لتحقيق "انتصار" حاسم بالمعنى العسكري، فضلاً عن التوصل إلى تسوية سياسية، تعيد إلى اليمن الاستقرار والهدوء والتماسك. فإنزال هزيمة بالحوثيين، تخرجهم من المعادلة السياسية والعسكرية اليمنية، يتطلب إجراءات وتحركات على الأرض، تؤمن إعادة مؤسسات الدولة وسيادتها إلى السلطة الشرعية، وتضمن عدم تجدد التمرد الحوثي أو مؤامرات علي صالح.

ولتحقيق هذا، هناك ضرورة لبناء تحالفات داخلية وشبكات مصلحية مع أطراف وفاعلين محليين، بحيث يكون العمل على بناء الدولة من جديد، بالشراكة بين هؤلاء الفاعلين والقوى العربية المعنية بالوضع في اليمن. وأن يبدأ هذا المسار فوراً من دون انتظار انتهاء العمليات، ذلك أن بعض القوى الفاعلة، وذات الثقل في الداخل اليمنى، قد ترحب بالانضواء تحت لواء السلطة الشرعية، إذا تم ذلك ضمن صيغة متوازنة. وفي مقدمة تلك القوى الداخلية المهمة، المكونات القبلية والعشائرية، والحراك الجنوبي، فكلاهما يمثل رقماً مهماً في معادلة الداخل اليمني، خصوصاً في ظل انقلاب الحوثيين وعلي صالح، اللذين يمتلكان القوة المسلحة عدداً وعتاداً، لكنهما لا يسيطران على الشارع اليمنى، ولا يحظيان بثقل اجتماعي أو سياسي، مثل القبائل والجنوبيين. ومن أولى خطوات تأمين مرحلة ما بعد العاصفة، التوافق على الخطوط العريضة للنظام السياسي وطبيعة الدولة اليمنية. ومن المهم، في هذا الخصوص، الاستفادة من المراحل التي تمت بالفعل من قبل، خصوصاً ما انتهت إليه أعمال الحوار الوطني بمختلف لجانه. مع إعادة النظر في بعض مخرجات الحوار، تجنباً للاختلاف حولها، أو التملص منها لاحقاً، وسعيا إلى تحصيل أعلى قدر ممكن من التوافق بين الفرقاء اليمنيين. ومن الملفات ذات الأولوية القصوى، ملف إعادة بناء المؤسسات الأمنية، بدءاً بالقوات المسلحة التي تعاني خللاً هيكلياً في أسس تكوينها وولاءاتها. وهو الخلل الذي عمّقه، واستفاد منه، علي صالح في العقود الثلاثة له في السلطة.

الأولوية الثانية، تضييق الخناق على مسارات الدعم والإمداد للمليشيات المسلحة اليمنية، بدءاً بالحوثيين، مروراً بعلي صالح، انتهاء بالقاعدة وفروعها. فمن المعروف أن الدعم الخارجي هو المصدر الأساسي لقوة تلك المليشيات، تسليحاً وتمويلاً. ويستلزم هذا بدوره الحصول على ضمانات من الأطراف الخارجية التي تدعم تلك القوى، تحديداً إيران، وبدرجة أقل روسيا والصين. والأرجح أن اللحظة الحرجة التي تمر بها المفاوضات النووية تفرض قيوداً على قرار إيران بشأن اليمن، وتحرمها من رفاهية التصعيد، أو حرية الدخول في مواجهة مفتوحة مع السعودية في اليمن. ربما تبدو عملية "عاصفة الحزم" ضرورية، لوقف الانهيار في الدولة اليمنية، غير أن استعادة تلك الدولة كيانها أولاً، وعروبتها ثانياً، أمر يتعلق بخطوات أخرى لا تقل أهمية. وكما فرض الملف اليمني نفسه على القمة العربية من الباب العسكري، لا بد أن يدرك العرب أن إنقاذ اليمن لا يكتمل إلا باختراق سياسي.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.