اليسار التونسي المريض

اليسار التونسي المريض

25 مارس 2019
الجبهة الشعبية كانت تجمعاً سياسياً ظرفياً (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -
سقطت في تونس كل محاولات تأسيس "اليسار الكبير" واختفت معها فرصة تاريخية لتحقيق توازن فكري وسياسي حقيقي في البلاد يقوم على عائلات، بإمكانها أن تقدم بدائل مختلفة للتونسيين وتتنافس في المستقبل على قاعدة برامج واضحة، تُزيل التداخل الكبير الذي يحدثه وجود أكثر من مائتي حزب في تونس.

شقيق اليساري الراحل، شكري بلعيد، عبد المجيد قال إنه اضطر لمغادرة المشروع الذي أسسه شقيقه رغم أنه كان ضمن المكتب السياسي للجبهة الشعبية وحزب الوطن الموحد. ولخص بلعيد، في تصريح لإذاعة "موزاييك"، أسباب المغادرة بتخلي رفاقه عن مواصلة حلم بلعيد بعد تجميع اليسار في جبهة شعبية ولاحقاً بناء جبهة ديمقراطية مدنية اجتماعية واسعة. وقال "هذه الإرادة في مواصلة بناء الحلم الكبير لتجميع القوى الديمقراطية لم أجدها في الجبهة الشعبية"، معبراً عن "ألمه لما يراه من صراعات وانشقاقات داخل العائلة اليسارية"، ومحذراً من أنه إذا لم "يستفق اليسار الكبير ليجتمع على الحد الأدنى فلن يعود هناك حديث عن قوى ديمقراطية".

هذه الخلافات داخل الجبهة الشعبية، التي زادت قوتها في الفترة الأخيرة، ليست مرتبطة فقط بمسالة الترشح للرئاسة أو بالخلاف بين بعض مكوناتها. وأشار النائب المنجي الرّحوي، الذي دخل في خلاف مع حمة الهمامي، إلى أنّ "الدّيمقراطيّة مسألة محوريّة في الجبهة الشّعبيّة، وأنّ ترشيحه للرئاسيّات من قبل حزب الوطنيّين الدّيمقراطيّين الموحّد هدفه توفير فرصة لمناضلي ومناضلات الجبهة الشّعبيّة لاختيار مرشّحهم". وبالكاد استطاعت الجبهة الشعبية أن تلملم هذا الخلاف الذي كاد يعصف بوحدتها. لكنه لم ينته، وإنما أُجِّل فقط لفترة وسيعود إلى الظهور تحت أي اختبار جديد، لأن الجبهة لم تتأسس على فكرة مشروع يساري جديد يراجع مقترحاته وبرامجه، ويقدم مقترحات مجددة تتفاعل مع المتغيرات التي عاشها اليسار في العالم ويعيشها المجتمع التونسي، وإنما كانت اجتماعاً سياسياً ظرفياً استمر في الحياة لنفس الأسباب السياسية وسينتهي حالما تنتهي شحنتها، بينما كان يُفترض أن يكون عنواناً يجتمع فيه اليساريون التونسيون الذين تخرجوا على امتداد عقود من الزمن من هذه المدرسة العريقة. ولا يتعلق الأمر بوجود تجمع حزبي أو عدمه، وإنما بإهدار فرصة تاريخية على التونسيين، لأنه يستحيل إحداث توازن فعلي دون وجود رافد يساري قوي بإمكانه تعديل المشهد السياسي ومراقبته، ولمَ لا قيادته في يوم من الأيام.