الولايات المتحدة وأزمة الحريري: منع الانفجار بدون تفكيك صواعقه

الولايات المتحدة وأزمة الحريري: منع الانفجار بدون تفكيك صواعقه

14 نوفمبر 2017
تيلرسون استشعر ضرورة التحرك من بعيد (Getty)
+ الخط -
يبدو أن أولويات واشنطن الراهنة فرضت سحب فتيل انفجار كبير في لبنان. لكنه نجاح أقرب إلى تعليق العملية منه إلى تعطيل صواعقها وقطع الطريق على وقوعها في وقت لاحق. تدخّل إدارة دونالد ترامب، أواخر الأسبوع الماضي، أوقف الاندفاع في هذا التوجه وإلى حين. فمنذ استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، وبقائه في الرياض، والحديث يتردد في واشنطن عن حرب إسرائيلية محتملة، والبعض قال مرجحة، على "حزب الله"، بدعم وتنسيق سعوديين.


صدور بيان عن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، يوم الجمعة الفائت، بصيغة تحذير رادع، بدا وكأنه أتى لاستباق سيناريو عمل عسكري؛ فهو لم يكتف بالتعبير عن "الدعم لسيادة لبنان واستقلاله وحث كافة الأطراف الداخلية والخارجية على احترام وضعه"، بل أعلن عن "معارضة أميركا لأي عمليات من شأنها تهديد استقراره".

 
وأضاف أنه "لا مكان أو دور في لبنان لأي قوات أجنبية أو مليشيا أو عناصر مسلحة غير قوى الأمن الشرعية اللبنانية". موقف مفاجئ ومختلف عن التبسيط والصمت الذي لاذت به الإدارة لعدة أيام بعد الاستقالة وغياب الحريري. وكأن الوزير الموجود مع الرئيس في جولة آسيوية، استشعر ضرورة التحرك من بعيد لإحباط تطورات "قد تضع واشنطن أمام أمر واقع" لا ترغب به في الوقت الراهن.


وثمة اعتقاد بأنه على خلفية هذا التطور، بدأت عملية الإخراج لعودة الحريري إلى لبنان، وكانت المقابلة التي أجرتها معه قناة "المستقبل" الفضائية، التي يملكها، بمثابة الخطوة التمهيدية الأولى في هذا الاتجاه. كلامه خلال المقابلة عن العودة القريبة، تعامل معه المراقبون بجدية، ولو مع التحفظ. بيان الخارجية الأميركية رجّح كفة هذا الاحتمال، إلى جانب التدخل الفرنسي، كما يرى مراقبون.





لكن القناعة السائدة أن عودته لا تنهي الأزمة، بقدر ما أنها تفتحها من زاويا أخرى مكلفة ومربكة للوضع اللبناني. فعلى ضوء نهجها الجديد، تمارس السعودية سياسة الحصار، عندما يتعذر اللجوء إلى الخيار العسكري. سلاح اعتمدته ضد قطر ولا يستبعد المراقبون اعتماد نسخة منه تجاه لبنان، من خلال ورقة اللبنانيين العاملين في المملكة أو ورقة تحويلاتهم المالية إلى لبنان التي تكررت الإشارة إليها.


وربما جرى العمل على تأجيج الحساسيات المذهبية في التركيبة اللبنانية، إذ صار كل سلاح مباحاً في حسابات الصراعات الكاسرة في المنطقة. ولوحظ في هذا الصدد أن بيان الخارجية الأميركية خلا من أي إشارة إلى التدخل غير المشروع في شؤون لبنان الداخلية، ناهيك عن تلميح حول وضعية غير طبيعية لرئيس الحكومة اللبنانية في السعودية.

تجاهل هذا الجانب ينطوي على أكثر من مراعاة للمملكة، ويترك خط العودة مفتوحاً لغض النظر عنه في الوقت المناسب. فليس سراً في واشنطن أن الثلاثي ترامب – السعودية - إسرائيل يعمل في اتجاه "قصقصة النفوذ الإيراني" في المنطقة. الانشغال بالأزمة الكورية لجم اندفاع الإدارة وليس توجهها هذا.


مع عجز تجربة حرب اليمن عن تحقيق المطلوب من هذه المهمة، تمت الاستدارة المفاجئة نحو لبنان لإشعال جبهته ضد "الذراع الإيرانية" فيه. لكن يبدو أن الحسابات لم تتطابق في الوقت الراهن. وربما قضت الاعتبارات أن يصار إلى تحرك فعال بالقياسات الأميركية، على صعيد القضية الفلسطينية، قبل فتح معركة لبنان.

وقد تردد في الأيام الأخيرة أن الإدارة عازمة على "طرح صيغة جادة" للتعامل مع هذه الأولوية في غضون أشهر قليلة. كما تردد أن السعودية عملت لملاقاة الإدارة في تسويق الصيغة مع الجانب الفلسطيني وأن ذلك قد جرى بحثه مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي تم استدعاؤه على عجل إلى المملكة قبل أيام. وبذلك جرى ما يشبه تأجيل التفجير اللبناني، على ما يبدو. ومن هنا تراجعت التكهنات اليوم في واشنطن بشأن حصول انفجار في لبنان. احتمال هبطت درجة حرارته عما كانت عليه الأسبوع الماضي. لكن الترقب المريب ما زال السمة الغالبة لمتابعات الأزمة، مع التركيز على متى يعود الحريري وماذا بعد عودته؟