الوعد الشرير: صهيونية خبيثة ودهاء بريطاني

الوعد الشرير: صهيونية خبيثة ودهاء بريطاني

01 نوفمبر 2017
توقيع مذكرة ضد وعد بلفور في نابلس (نضال اشتيه/الأناضول)
+ الخط -
حتى اللورد آرثر بلفور نفسه، لم يكن يتوقع، وهو يخط من مكتبه الأنيق في مقر وزارة الخارجية البريطانية رسالته الشهيرة الموجهة إلى المليونير البريطاني اليهودي ليونيل والتر دي روتشيلد، في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917، أنه سوف يتسبب في أعظم كارثة إنسانية وسياسية في العصر الحديث، عبر اقتلاع شعب كامل من أرضه وطرده خارج وطنه، وإحلال شعب آخر مكانه تم جلبه من كل أصقاع الأرض. رسالة غيّرت وجه المنطقة مرة واحدة وإلى الأبد، ومازال الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، بل وشعوب المنطقة، تعاني من النتائج الكارثية لهذا الوعد.

إن أية قراءة موضوعية لمجريات الأحداث، منذ بداية القرن الماضي إلى الآن، لابد أن تقودنا إلى جملة من الاستخلاصات، لعل أبرزها أن من يمتلك قوة الفعل يكون قادراً على التأثير في مجريات التاريخ، وأن من يمتلك الحق دون قوة لن يلتفت إليه أحد في عالم لا تعنيه كثيراً قضايا الضمير والعدل إن لم تتوافق مع مصالحه.

لقد استطاع المستوطنون الصهاينة الأوائل بناء مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وعسكرية على أرض ليست أرضهم، في وقت كان اليهود فيه يعانون من معاداة النازية والفاشية لهم، وكانوا مطاردين في أكثر من مكان، بينما لم يتمكن الفلسطينيون، ولأسباب عدة، منها وقوعهم تحت سلطة الاحتلال البريطاني الذي كان منحازاً بالكامل للمشروع الصهيوني، وبسبب قلة الموارد الاقتصادية والعسكرية، وبفعل عجز النظام الرسمي العربي آنذاك من نصرتهم، لم يتمكنوا وحدهم من التصدي لمخطط خطير وكبير كمشروع إقامة دولة لليهود في فلسطين.


ومن الاستخلاصات الهامة أيضاً، عدم قدرة إسرائيل، منذ تأسيسها إلى الآن، على إخضاع الشعب الفلسطيني ودفعه إلى الخروج من فلسطين. ورغم خوضها أربع حروب مع العرب، وحرباً خامسة في اجتياحها لبنان عام 1982، ورغم المجازر العديدة التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين العزّل، وسياسة القمع والتنكيل والاغتيالات والاعتقالات والحصار، ورغم استمرار الصراع لأكثر من قرن من الزمن، تعرّض فيه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى جملة من المؤثرات الموضوعية فرضتها التطورات التي شهدها العالم بدءا من الحرب العالمية الأولى حتى ما بعد اتفاقيات أوسلو، لم تتمكن إسرائيل من ثني الفلسطينيين عن النضال لنيل كافة حقوقهم السياسية والوطنية في إقامة دولتهم المستقلة.

ونحن نستحضر الذكرى المشؤومة لوعد بلفور، لا بد لنا من التأكيد أن لا شيء تغير، منذ 100 عام، لا في طبيعة الصهيونية العدوانية التي أمعنت في ذبح الفلسطينيين- وما تزال- ولا في أيديولوجيتها التي توظف من خلالها وتمزج الدين مع الأساطير، ولا في ممارساتها التي تتنكر حتى لوجود الشعب الفلسطيني، ولا في السلوك الاستعماري البريطاني الخبيث الذي كان المسبب الأول لعذابات اللاجئين منذ النكبة إلى الآن. كانت وما تزال الحركة الصهيونية تؤمن بثلاث كلمات "شعب الله المختار"، وكانت وما زالت السياسة الاستعمارية لبريطانيا ترفض بعنجهية أن تضطلع بمسؤوليتها الأخلاقية والقانونية والسياسية في الاعتذار لشعب فلسطين عن المأساة السياسية والإنسانية التي ألحقتها به. بل أكثر من ذلك، فإن الحكومة البريطانية تشدد على دعمها "للوعد" الذي وقعه آنذاك وزير خارجيتها المحافظ، آرثر جيمس بلفور، وأنها سوف تقوم بإحياء ذكرى الوعد.

ولم تستثن الصهيونية من فصول ممارساتها الإجرامية حتى يهود العالم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين، ولم يسلم من الإرهاب الصهيوني حتى المجتمع الدولي، حين قامت العصابات الصهيونية باغتيال الكونت "برنادوت"، المبعوث الدولي إلى فلسطين، هي ذات الدولة البغيضة التي ولدت بفعل وعد بلفور، وما زال جنودها يطلقون النار على رؤوس الأطفال الفلسطينيين حتى الساعة.

مرت مائة عام على الوعد الخبيث، والشعب الفلسطيني، مَن بقي في وطنه أو تهجّر قسراً في المنافي، ما زال يتجرع المآسي من كأس اللجوء والاغتراب عن أرضه ووطنه. ورغم مرور هذا الزمن الطويل، إلا أن الباطل يظل باطلاً، لا يزيده ظلما إلا إعلان بريطانيا نيتها الاحتفال بوعد بلفور، مما يعني الإيغال في إهانة قيم العدالة الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان التي لا يمل الغرب من التشدق بها، بل هو في الأساس إهانة للقوانين والتشريعات البريطانية نفسها ومنظومتها الحقوقية.

(كاتب فلسطيني)