الوساطة الكويتية... جهود كبيرة تصطدم بعراقيل دول الحصار

الوساطة الكويتية في الأزمة الخليجية: جهود كبيرة تصطدم بعراقيل دول الحصار

05 يونيو 2020
باشر أمير الكويت وساطته يوم بدء الحصار(ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

مع كل زيارة لمسؤول أميركي أو جولة لمسؤول خليجي لدول الخليج، يُطرح السؤال عن إمكانية عودة عجلة الوساطة الكويتية في الأزمة الخليجية للدوران، بعد توقفها مرات عدة بسبب إصرار دول الحصار على موقفها وتصعيد حربها السياسية والاقتصادية والإعلامية ضد دولة قطر، منذ الحصار الذي فُرض على الدوحة في 5 يونيو/ حزيران عام 2017، ضمن حزمة من المغامرات السياسية الخارجية التي بدأها وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في ملفات اليمن وقطر ولبنان وليبيا.
وعلى الرغم من تعثر الوساطات، تحديداً الكويتية، إلا أن ذلك لم يثنِ الكويت على مدى الأعوام الثلاثة الماضية عن الاستمرار في مساعيها لتقريب وجهات النظر. ولعل حديث رئيس مجلس الوزراء الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح، أول من أمس الأربعاء، الذي قال إنّ "الآمال أكبر مما كانت عليه" في طريق إنهاء الخلافات الخليجية، يختزل مدى الإصرار الكويتي على بذل كل جهد في سبيل تحقيق تقدم في هذا الملف.

ومما قاله رئيس الوزراء، في اجتماع له مع رؤساء الصحف المحلية نقلت وقائعه وكالة الأنباء الكويتية "كونا": "للأسف، نحن الآن في السنة الرابعة من الخلاف الخليجي، لكن المحاولات ما زالت مستمرة، والآمال أكبر مما كانت عليه، وكنا نتقدم خطوة ونعود خطوتين، لكن الآن إذا تقدمنا خطوة تليها خطوة أخرى".
وأكد أن الكويت تضع المصالحة الخليجية أولوية لها، قائلاً: "عملتُ وزيرَ خارجية قبل أن أكون رئيساً لمجلس الوزراء، وكنت قريباً ومرافقاً لحضرة صاحب السمو أمير البلاد في اهتمامه ووضعه أولوية وشعاراً لا بديل له، وهو الاستمرار في مسعى رأب الصدع وإيجاد الأرضية للبناء عليها لعودة اللحمة الخليجية". وأكد أن الكويت ستكون الدولة "التي تجمع الأطراف المختلفة على أسس تحقق كل الطمأنينة لأي اتفاق مقبل". وأضاف: "متأكد من أن جميع دول الخليج ترى أن مسيرة دول مجلس التعاون مهمة لها وللمنطقة والعالم، وذلك ما يجب أن نبني عليه ونأخذ الأرضية المشتركة للانطلاق لسد الفجوة".

 
وكانت وساطة الكويت قد بدأت منذ الساعات الأولى لبدء الحصار، إذ سارع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى القيام بجولات مكوكية على دول الخليج، في محاولة لتقريب وجهات النظر، لكن "الأزمة التي بدأت بشكل مفاجئ"، بحسب قول الأمير، كانت أكبر مما ظنّ الجميع، إذ فوجئ الوسيط الكويتي بمحاولة دول الحصار القيام بعمل عسكري، وهو ما نجح الشيخ الصباح في وقفه، بحسب حديثه في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض في سبتمبر/ أيلول 2017.

وجاء حديث أمير الكويت العلني آنذاك عن وجود نيات عسكرية لدول الحصار ضد قطر في البيت الأبيض تحديداً، كرسالة واضحة لدول الحصار بعدم تجاوز الوساطة الكويتية، وعدم الإتيان بأي عمل قد يجرّ المنطقة إلى الحرب ويحوّلها لساحة صراع كبيرة. وأكد أمير الكويت خلال المؤتمر نفسه أن أي حل للخلافات الخليجية يجب أن يكون عبر الوساطة الكويتية، رافضاً أي تدخل خارجي بين الدول الخليجية لحل خلافاتها، وهو ما ثمّنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولو الاتحاد الأوروبي، الذين زاروا المنطقة، محاولين تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الخليجيين.

ويملك الشيخ صباح الأحمد، وهو أكبر الحكام سنّاً في الخليج (91 عاماً) تاريخاً دبلوماسياً طويلاً بسبب عمله وزيراً لخارجية الكويت بين عامي 1963 و2006، العام الذي تولى فيه إمارة البلاد خلفاً لسلفه الشيخ سعد العبدالله، إضافة إلى امتلاكه إرث المصالحات في سجله الشخصي، بدءاً من الحرب الأهلية في لبنان، وانتهاءً باستضافة الكويت لمفاوضات السلام بين الحكومة الشرعية اليمنية ومليشيات "أنصار الله" الحوثية عام 2016.

ولم تحقق الجولات المتواصلة التي قام بها أمير الكويت غرضها، مع تعنّت دول الحصار ورفضها الحديث عن المصالحة الخليجية والحفاظ على وحدة مجلس التعاون الخليجي، التي يولي أمير الكويت أهمية كبرى لها بسبب مشاركته في تأسيس المجلس عام 1981. وقال في مقابلة نشرتها وكالة الأنباء الكويتية "كونا" في حينه: "صعب علينا نحن الجيل الذي بنى مجلس التعاون الخليجي، أن نرى بين أعضائه تلك الخلافات التي قد تؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه. أنا شخصياً عايشت اللبنة الأولى لبناء هذا المجلس منذ نحو أربعة عقود، لذلك ليس سهلاً على من هو مثلي، عندما يكون حاكماً أن يقف صامتاً من دون أن يفعل كل ما باستطاعته للتقريب بين الأشقاء، وهذا واجب لا أستطيع التخلي عنه".



ولم تستجب دول الحصار لمحاولات أمير الكويت لإنجاح الوساطة، إذ استمرت بإرسال رسائل غير واضحة وغير مفهومة، بعكس دولة قطر التي أبدت منذ اليوم الأول انفتاحها على الوساطة بشرط احترام الثوابت التي حددتها لسياستها الخارجية. وجاءت القمة الخليجية التي عُقدت في العاصمة الكويت في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2017، كفرصة لأمير الكويت القائم بالوساطة لتقريب وجهات النظر والحفاظ على تماسك الوحدة الخليجية، انطلاقاً من الانفتاح القطري الذي أبداه أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد على المفاوضات، شرط عدم الاستجابة للشروط الـ13 التي وضعتها دول الحصار، والتي وصفها أمير الكويت بأنها مجحفة وغير واقعية وتمسّ السيادة القطرية.

لكن دول الحصار قررت توجيه رسالة علنية واضحة هذه المرة، برفض الوساطة الكويتية، بعد إحجام قادتها عن حضور القمة الخليجية، وخفض مستوى الحضور الدبلوماسي فيها، إلى درجة أجبرت منظمي القمة الخليجية على تقليص جدول أعمالها إلى بضع ساعات فقط، رغم دعوة أمير الكويت لقادتها، ومجيء أمير قطر، الذي جاء حضوره، رسالة إثبات للمجتمع الدولي حول الهدف الذي تسعى إليه دول الحصار، وهو الاعتداء السياسي والاقتصادي والإعلامي، ومحاولة إملاء سياسات معينة على دولة قطر، وإنهاء استقلالها السياسي والاقتصادي.

وعلى الرغم من تعنّت دول الحصار واستهزاء إعلامها بالوساطة الكويتية، فإن الدبلوماسية الكويتية استمرت في محاولة حلحلة الأزمة عبر الرسائل الشفهية والمكتوبة التي جرى تناقلها طوال ثلاثة أعوام. في السياق، شدّد نائب وزير الخارجية، أحد أهم المسؤولين في الخارجية الكويتية خالد الجارالله، على أن بلاده "لم تفقد الأمل رغم الإحباط الذي يعتريها بسبب مقاطعة الوساطة". وفي سبتمبر الماضي، ألغى أمير الكويت اجتماعه السنوي مع ترامب، رغم وجوده في واشنطن، بسبب عارض صحي. وكان من المفترض أن يناقش الأمير الخلافات الخليجية مع ترامب، حسبما كشف السفير الأميركي السابق في الكويت لورانس سيلفرمان.

بدورها، دخلت عُمان على خط الوساطة الخليجية بعد تولي هيثم بن طارق مقاليد السلطنة مطلع عام 2020، فقام وزراء خارجية الكويت وقطر وعمان بجولات خليجية عدة في الأسابيع الماضية، نقلوا خلالها رسائل شفوية ومكتوبة، في محاولة لحلحلة الأزمة التي تعصف بدول الخليج. لكن جهود الوساطة لا تزال تصطدم بتعنت دول الحصار والعراقيل التي وضعتها دول الحصار في طريق الكويت، وهو ما يعني أن أمد الأزمة قد يطول في وقت لا يرغب فيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في التخلي عن مغامراته الخارجية وتوريطه لبلاده في أزمات لا تنتهي.