الهروب من المعتقلات: معتقل كفار يونا

الهروب من المعتقلات: معتقل كفار يونا

24 يونيو 2018
+ الخط -
خبر منشور في مربع لا تتجاوز مساحته باطن الكف، مكتوب بخط صغير الحجم أسفل الجانب الأيسر من إحدى صفحات العدد 658 من مجلة الهدف، المنشور في 31 يناير/ كانون الثاني 1983، ومعنون بـ "عشرة معتقلين يحاولون الهرب من سجن كفار يونا".

وجاء في تفصيلات الخبر: "تحدى عشرة من المناضلين المعتقلين الفلسطينيين إجراءات العدو الصهيوني، وحاولوا الهروب من سجن كفار يونا شمالي فلسطين المحتلة، وذلك بعد أن نشروا قضبان زنازينهم استعدادًا للهرب. ولم تكتشفهم سلطات الاحتلال إلّا في اللحظات الأخيرة".

يُعرف سجن كفار يونا، كما تذكر العديد من المصادر، بسجن بيت ليد أو سجن أشمورت أو "قبر يونا"، أو باسمه المخفف "باستيل كفار يونا". يقول سميح القاسم: "وجدوا في كآبة الجراح منفذًا للدعابة، فأطلقوا على سجن كفار يونا اسم الدلع الرشيق 'باستيل كفار يونا".

على أي حال، أُنشئ هذا المعتقل في عهد الانتداب البريطاني، وأُعيد استخدامه بعد حرب حزيران/ يونيو 1967، وفُتحت أبوابه لاستقبال المعتقلين الفلسطينيين والعرب والجنائيين اليهود في أواخر عام 1968.


يقع سجن كفار يونا في بيت ليد، على الطريق بين حيفا وتل أبيب. وهو مكون من ثلاث شعب للسجناء اليهود، وشعبة للسجناء العرب، وعدد من الشعب للمعتقلين الإداريين. وفي كل شعبة منها ثلاث غرف تضم عددًا من الأسرى الذين يُحوَّلون إليها بعد خضوعهم للتحقيق وقبل محاكمتهم ونقلهم إلى السجون المركزية. لكن كونه يمثّل محطة انتقالية للعديد من الأسرى لا يعني أنّ المكوث فيه أخف وطأة من المعتقلات الأخرى. على العكس من ذلك، فبعد جملة من الحوادث، ومنذ عام 1971، تحوّل إلى ما يصح وصفه بـ "المعتقل الانتقامي".

وسبب هذا التحوّل أولًا أنّه كان قد نُفذ فيه إضراب للأسرى عام 1969، ثم بعد ذلك جاءت إضرابات واحتجاجات المعتقلين في عسقلان بين عامي 1970 و1971، فنُقل على إثرها عدد منهم إلى سجن كفار يونا، وكان هؤلاء المعتقلون قد أسسوا، ولأول مرة، قيادة جماعية وفق أسس تنظيمية واضحة المعالم، فنقلوا معهم هذه التجربة وهذا الوعي التنظيمي إلى معتقلهم الجديد (كفار يونا)، فتشكّلت فيه أطر تنظيمية ناشطة، على خلاف ما كان عليه الوضع سابقًا.

الأمر الذي جعل إدارة المعتقل تشدد قبضتها على المعتقلين، وتكرر ما اُتخذ من إجراءات في عسقلان بنقل الكثير من معتقلي كفار يونا إلى سجنيّ بئر السبع ونابلس في نهاية عام 1972، ونقل أعداد أخرى إلى معتقل جنين بعد الإضراب الذي نُفّذ فيه خلال النصف الثاني من عام 1973.

المهم، تحوّل كفار يونا إلى "معتقل انتقامي" يُحرم فيه الأسرى من المقومات الأساسية للحياة البشرية، والمرضى منهم يُحرمون من العلاج. ولا يُسمح فيه بالخروج إلى الفسحة أو "الفورة" سوى ساعة واحدة في اليوم، وسابقًا لم يكن يُسمح للمعتقلين حتى بالكلام أثناء الفُسح القصيرة.

أضف إلى ذلك كله الضغوط النفسية التي يتعرضون لها خلال فترات التحقيق المتواصلة. هذه الظروف، إلى جانب غريزة الحرية وفكرة الهروب إليها التي تلح على أي سجين منذ لحظة دخوله للسجن، كلاهما شكّلا دافعًا قويًا لجميع محاولات الهرب، ما نجح منها وما لم ينجح.

في الخبر المذكور سابقًا كانت محاولة الهرب غير مكتملة، وانتهت بكشفها وعزل المعتقلين في زنازين مختلفة، وتشكيل لجنة تحقيق لمتابعة القضية. لكنها لم تكن المحاولة الأخيرة، فبعد ثلاثة عشر عامًا جاء خبر آخر في الصفحة الأولى من العدد 9677 من صحيفة القدس، والمنشور بتاريخ 5/8/1996، بعنوان "فرار أسيرين فلسطينيين من سجن كفار يونا". لكن هذه المرة كان الفرار مكتملًا.

كما جاء في تفصيلات الخبر، نفّذ عملية الفرار هذه أسيران من حركة الجهاد الإسلامي، هما غسان مهداوي وتوفيق جباوي، وذلك بحفر نفق من زنزانتهما إلى خارج أسوار المعتقل. وفي تصريح له، قال المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية: "إنّ الأسيرين الهاربين محكوم على الأول منهما بالسجن مدة 17 عامًا بعد إدانته بطعن إسرائيلي، والثاني 12 عامًا بعد إدانته بقتل عميل". وعلى إثر ذلك تحركت قوات الأمن الإسرائيلية وبدأت عملية البحث عن الفارين، فأٌقيمت الحواجز، وحلّقت الطائرات المروحية، وشُكّلت لجنة تقصٍ وتحقيق لتتبع ملابسات الموضوع، واُتخذت قرارات بتعليق عمل قائد السجن وخمسة سجانين من العاملين فيه.

في حديثه عن تفصيلات العملية، في لقاء له نُشر على موقع باب الواد بتاريخ 23/5/2017، ذكر غسان مهداوي كيف بدأ مع رفاقه الثلاثة تنفيذ خطتهم بحفر نفق تجاوز طوله 12 مترًا باستخدام مسمار اقتلعوه من أحد أبواب المعتقل القديمة، وقضيبين اُنتزعا من الأرضية خلال عملية الحفر، وقطعة حديدية صغيرة أدّت دور المطرقة، متجاوزين بعدتهم هذه طبقات من الباطون السميك والرمال والأتربة.

استمر العمل على الخطة مدة أربعة أشهر، تناوب خلالها الأسرى مهمات الحفر، وتذويب الرمال المستخرجة في شبكة الصرف الصحي، ومراقبة حركة الحراس. وتشاركوا خوفهم خلال ثلاث مرات كاد فيها أمرهم أن يُفتضح؛ مرتان بسبب انسداد شبكة الصرف الصحي لكثرة ما أُلقي فيها من رمال، وفي كل مرة منهما كانت تجري عمليات تفتيش دقيقة لجميع الغرف، والثالثة حين قررت إدارة السجون تشكيل لجنة أمنية خاصة لتنفيذ عمليات تفتيش كاملة في جميع المعتقلات. لكن أيًا من هذه المرات لم تكشف ما كان يجري تحت أرض الزنزانة رقم 3.

اكتملت المهمة، وفي ليلة 4/8/1996 قرر الأسرى أنّ موعد الهرب قد حان، فتجهزوا بجميع ما يلزم؛ حبات تمر قليلة، مبلغ صغير من المال، ملابس رياضية مناسبة ارتدوها تحت زي السجن الموحد، ومجسمات قماشية محشوة لتنوب عنهم في أسرّتهم وتغطي غيابهم..

وبالفعل مع حلول منتصف الليل كان أربعتهم في آخر النفق، قريبًا من برج المراقبة. تفحصوا المنطقة الخارجية لتحديد خط سير خطواتهم بعد مغادرة مخبئهم. ولتمهيد طريقهم كان لا بد من أن يتقدم أحدهم لقص الشيك المحيط بالمعتقل، فتولى توفيق الجباوي هذه المهمة التي استغرقت وقتًا طويلًا امتد إلى حين شروق الشمس، الأمر الذي دفع اثنين من الأسرى إلى اتخاذ قرار العودة إلى الزنزانة خوفًا من اكتشاف أمرهم، فيما بقي غسان وتوفيق اللذان تمكنا من تجاوز الشيك إلى الجانب الآخر، والاتجاه نحو حريتهما شمالًا.

ظل الأسيران بعدها ملاحقين إلى أن تجدد اعتقالهما، حيث اُعتقل غسان بعد عام، فعاد ليكمل الأحد عشر عامًا المتبقية من حكمه الأول، وعامين إضافيين بسبب هروبه. فيما اُعتقل توفيق بعد أربعة أعوام، وأكمل ما تبقى من حكمه السابق والبالغ أربعة أعوام أيضًا. لكنّ ذلك لا ينفي نجاح التجربة ولا ينقص من كمالها، فعلى الرغم من انتهائها بعودة الأسرى إلى معتقلاتهم إلّا أن أهدافًا أبعد من ذلك تحققت؛ كسر عنجهية السجان، وتحقيق نصر إضافي يشد من عزيمة الأسرى، جميع الأسرى في جميع المعتقلات.

دلالات

D88F6515-2641-4B76-9D90-9BDC22B8B5E4
منى عوض الله

محررة ومساعدة باحث لدى مشروع بحث وتوثيق الحركة الوطنية الفلسطينية.