النكتة... سلاح المصريين الذي لا يقهر

النكتة... سلاح المصريين الذي لا يقهر

17 فبراير 2014
+ الخط -

يقال إن "النكتة السياسية هي صحيفة المعارضة الأسرع تعليقا والأوسع انتشاراً"، فعلى مر العصور والنكتة السياسية هي سلاح المصري للتغلب على همومه وأحزانه، وهي حاضرة في أصعب ظروفه المعيشية، يعبر من خلالها عن معاناته ونقده للممارسات السياسية الخاطئة، ويسخر من المستبدين به. ويهينهم ويقلل من هيبتهم. وهي دفاعه ضد الحزن الكامن في الشخصية المصرية.

لذا ليس غريباً على المصريين أنهم برغم ما يعانون، يضحكون. يقول الأكاديمي المصري الراحل، عبد الوهاب المسيري، "النكتة باعتبارها جزءاً من الثقافة الشفهية يمكن أن تكون قناة يعبر من خلالها الرأي الشعبي عن رأيه ورؤيته وغضبه بعيداً عن رقابة سلطة الدولة المركزية، وبالتالي يمكن للنكات أن تكون مؤشراً على تصاعد الوعي الشعبي ودعوة لقوى المعارضة وأعضاء المجتمع المدني للتحرك، تساندهم قاعدة شعبية عريضة".

والنكتة بالنسبة للمصري، كما يراها الصحافي عادل حمودة في كتابه "النكتة السياسية" تعني "المقاومة الساخرة، الواعية، الحية، المتفلسفة، وربما السلبية أيضاً، مقاومة تعطي الشعب (الأمان)، وتعبر عن إرادته التي لا تفنى، ولا تقر الخوف، وتسعى إلى أن تتجاوزه"، هي "انتقام مقدس، يدافع به الشعب عن نفسه ضد الطغيان".
اداة لتنفيس الضغط
صاحبت النكتة المصريين في أغلب مشكلاتهم وأزماتهم، وتناولت أغلب قضاياهم وأكثرها حساسية وحزنا فعالجوها بضحكة حزينة منبعها في كثير من الأحيان السخرية والاستهزاء، وانتشرت النكتة السياسية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كما في عهد الرئيس السادات، وعبرت عن أفكار ومشاعر المصريين أيام السلم والحرب.

ومن النكات التي انتشرت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر "تخفى عبد الناصر كي يتفقد أحوال الناس فسمع موظفاً يقول لزميله إن راتبه ينتهي فى اليوم العاشر من الشهر، وسأله زميله وكيف تعيش باقي أيام الشهر؟ فقال له أعيش على الستر، فأصدر جمال عبد الناصر قراراً فى اليوم التالي بتأميم الستر.

وهناك نكتة سياسية شهيرة تقول "إن رجلا من القاهرة سمع أن الأرز متوفر في الإسكندرية، فسافر إليها في القطار كي يشتريه، وفي القطار سأله الكمساري، مسافر فين وليه؟ مسافر اسكندرية عشان أشتري الرز"، ولما وصل القطار إلى طنطا (وتبعد عن الإسكندرية حوالي 100 كلم)، قال له الكمساري "انزل هنا"! فسأله طيب ليه وإحنا لسه موصلناش اسكندرية؟ فأجابه "مش انت رايح اسكندرية عشان تشتري رز؟".. أيوه. "طب انزل، الطابور بيبدا من هنا"!
ورغم أن هذه النكتة في الأصل ليست مصرية، وإنما بولندية وتحكي عن أزمة اللحوم، لكن يقال أنها آلمت (عبد الناصر) للغاية، إلى درجة أنه استدعى وزير التموين وأمره بتوفير الأرز بأية طريقة.

واتسعت النكتة السياسية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات لتشمل قضية الاستعداد للحرب مع إسرائيل، أو ما عرف بعام (الضباب)، ثم ركزت على الانفتاح الاقتصادي، والوعود التي ارتبطت به من انتشار الرخاء الذي سيعم كل المصريين ، وهو الانفتاح الذي وصفه الكاتب المصري أحمد بهاء الدين (بالسداح مداح)، مروراً بكامب ديفيد، والصلح مع إسرائيل.
وفي عهد المخلوع مبارك ركزت النكتة السياسية على جوانب الفساد المالي والإداري، وترهل أجهزة الدولة، وانتشار الرشوة والمحسوبية، وصعود نجم بعض الشخصيات الانتهازية التي ارتبط ظهورها بقربها من مركز السلطة كأحمد عز وغيره، وملف التوريث ؛ وهو الأمر الذي فسره البعض على أنه مجرّد تنفيس ، فيما رأى فيه آخرون نذيراً بثورة قريبة.

وسخر المصريون من موضوع التوريث في نكتة شهيرة تقول إن "الرئيس هيثم جمال مبارك يهنئ الأمة المصرية بمناسبة حلول عام 2075 ويؤكد أن السلطة في مصر لم ولن تورث" ، وقالوا : " أن تعطي ابنك موبايل فأنت لطيف ، أن تعطي ابنك سيارة فأنت كريم ، أما أن تعطي ابنك بلدا وشعبا يلعب بهم هو وأصحابه فأنت " مبارك"

النكتة تهوّن ألم الثورة
جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير ليبدع المصريون كعادتهم بما حباهم الله من خفة دم معروفة فانتشرت نكات كثيرة في إرهاصات الثورة وأثناء الثورة وبعدها، فانتشرت نكات مثل "زين العابدين لمبارك: انا في انتظارك مليت" ، و"ارحل بقا.. ايدي وجعتني"، و " ارحل.. مراتي وحشتني "، و" رابطة نجاريي مصر يسألون الأسطى مبارك: "ما نوع الغراء الذي تستخدمه؟"

وهي نكات أتت كرد على طول الفترة التي قضاها أصحابها في الشارع.

ولعل أبرز هذه النكات أيضا تلك التي تجمع مبارك بالرئيسين الراحلين عبد الناصر والسادات في الحياة الآخرة، فعندما سأله الرئيسان السابقان عن سبب انتهاء حكمه بالقول "منصة ولاّ سُمّ؟"، قال مبارك "لأَ.. فيسبوك." في إشارة لدور موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك فى الحشد ضد نظام مبارك والمساهمة في القضاء عليه.
كما كانت النكتة حاضرة مع بدء محاكمة بعض الشخصيات التي ارتبطت بنظام مبارك، وأسهمت في إفساد الحياة السياسية فيه، فأصبحنا نسمع عن (بورتو طرة)، (حكومة بورتو طرة)، ( بورتو طرة من أجلك أنت)، وكلها كانت تدل على عدم ثقة المصريين في المحاكمات التي تجرى لهؤلاء.
واستمرت النكتة سلاح المصريين إبان فترة المجلس العسكري الذي خلف مبارك في الحكم خلال المرحلة الانتقالية ، وخلال حكم الرئيس محمد مرسي ، ببرامج خصصت لذلك كان أبرزها برنامج " البرنامج " الذي يقدمه الإعلامي الشهير باسم يوسف.

المبالغة في قمع النكتة
وتفاوت تعامل السلطة السياسية مع النكات والسخرية التي كانت سابقا تنتشر في المجتمع تحملها ألسنة الناس وتجمعاتهم المحدودة، في حين أصبح لها اليوم منصات إعلامية ومنابر تطلقها وتنشرها .

وكان عبد الناصر أول رئيس يتحدث عن النكتة في البرلمان حين قال: "الشعب المصري يمسك أي حاجة وينكِت عليها" ، ودفعته بعض النكات إلى عزل بعض الوزراء ، وحدثت بينه وبين بعض الشخصيات الأدبية المعروفة ما يصل إلى القطيعة بسبب نكات قيل إنهم كانوا وراء تأليفها، كما حدث مع الأديب "عبد الحميد السحار" حين أطلق النكتة الشهيرة التي تقول
بأن رجلاً كان يشتري الصحيفة صباح كل يوم، ثم ما يكاد ينظر في الصفحة الأولى حتى يرميها على طول من يده، ولما سألوه: بتعمل كده ليه؟ أجاب: كفاية إني قريت الوفيات. فسألوه: بس الوفيات موش في الصفحة الأولى؟! فقال لهم: اللي مستنّي موته سأجده في الصفحة الأولى!
بينما عرف عن الرئيس السادات أنه لم يكن يبالي بتلك النكات التي قيلت عنه بالرغم من قساوتها وكان يسميها (نكات الصباح) ، وكان مبارك يشبهه في ذلك.

وفي عهد الرئيس مرسي الذي واجه البرامج الساخرة التي تناولته بالتجاهل غالبا أو محاولة مواجهة ما سمي بالتطاول أحيانا، وحسم موقفه بسحب الدعاوى التي تم رفعها ضد صحفيين وإعلاميين تعرضوا له بالسخرية.

وحال مصر اليوم يكاد يضيق بالنقد فضلا عن السخرية أو حتى التلميح بالسخرية، مما وصل بالأمر إلى حد التحقيق مع "دمية"!
حين اتهم بعض الإعلاميين المصريين دمية تستخدم في إعلان ترويجي لإحدى شركات الاتصالات الشهيرة "أبلة فاهيتا" بإرسال رسائل مشفرة لأنصار الرئيس المعزول ، فانقلبت الدنيا رأسا على عقب وهاجم الإعلام الإعلان والشركة والدمية حتى اتهمت الدمية أمام النائب العام بالإرهاب والجاسوسية!
لكن هل تمنع هذه الإجراءات المبالغ فيها المصريين من الاستمرار فى السخرية وإطلاق النكات؟

الدكتور "أحمد فخري" أستاذ علم النفس الاجتماعى أوضح أنه: " لا يمكن أن توقف هذه الإجراءت القمعية المصريين عن السخرية" ، وهو يعتقد أن المصريين سيتحايلون على الموقف لأن المصري بطبعه لديه الإصرار على تكملة فكرته، وأضاف فخري أن الشعب المصري بطبيعة الحال يواجه الضغوط بروح الدعابة والفكاهة، كل الضغوط التى يواجهها في حياته متمثلة وكل ما يمثل القهر والضغط لديه ، سواء الزوجة النكدية أو المدير فى العمل أو القائد السياسي" وفسر ذلك بأنه "رد فعل بشكل ساخر أو كوميدي وهو تنفيس عن عوامل الضغط عليه".

ويقول إيهاب حسن الناشط السياسي، إنه لولا إمكانية السخرية من واقعنا المؤلم خاصة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى لما استطعنا الاستمرار ولما تجاوزنا بشاعة وغرابة ما نعانيه، ويضيف بأن السخرية أصبحت أقوى أدوات الإقناع والتأثير في الرأي العام الآن، ويعتبر "إيهاب" أن السخرية ستظل موجودة طالما هناك مقاومة، ومن الطبيعي أن تسعى السلطات إلى قمعها لكن ليس من الطبيعي أن تنهزم أدوات السخرية أو ينهزم الساخرون.

 

المساهمون