النفوذ الإيراني الإقليمي وإسرائيل

النفوذ الإيراني الإقليمي وإسرائيل

04 سبتمبر 2017
+ الخط -
تتزايد المعطيات الدالَّة على خروج الوضع الإقليمي عن الحدود التي تحرص عليها إسرائيل، يحدث هذا بسبب مآلات الصراع في سورية، من دون انقطاع عن جوارها في العراق، ولبنان، ولا يقتصر التغيير في توزيع النفوذ الدولي والإقليمي على توسُّع النفوذ الإيراني، وتمدُّده، بل يشمل ذلك بروز اللاعب الروسي دوليا، والتركي إقليميا، حيث تملأ موسكو الفراغ الذي تركته واشنطن، على أرضية تفاهمات وتنسيق بينهما.
فهنا، والآن، وعلى جوارها المباشر تحدث مُتغيِّرات، المُرجَّح أنْ تطول، بعد الضعف الكبير الذي لحق بنظام الأسد في دمشق؛ ما جعله غيرَ قادر على توفير ذلك الاستقرار الذي نعمتْ به إسرائيل، ما يزيد عن أربعين عاما، منذ اتفاقية فكّ الاشتباك عام 1974، هذا الضعف الذي يوفِّر فرصة حقيقية لروسيا لتقترب أكثر من المنطقة.
وممَّا يقلق إسرائيل الوجودُ الإيراني في جنوب سورية، وهي تصرِّح إن الوجود السوري هو الذي ينبغي أن يبقى، من دون أن يُنتقَص لصالح إيران، وحزب الله، وغيره من المليشيات، والمقاتلين الذين استقدمتْهم طهران إلى الحرب في سورية، وعليها.
يحاول المستوى السياسي في تل أبيب أن يحقِّق أقصى الطلب، وهو إبعاد نفوذ إيران عن سورية، وإرجاعه إلى سابق عهده، قبل ثورة السوريين؛ لأنها تخشى أن يعزِّز نفوذُ طهران في سورية من قدراتها على تمكين حزب الله في لبنان، فضلا عن أنه يوفر لها تحكُّما أصيلا، في دمشق وبيروت سيكون امتدادا ومعزِّزا لتحكُّمها في بغداد، وإن تعذَّر هذا الهدف، فهي ستعمل بجديَّة على إبعاد النفوذ الإيراني إلى أقصى ما يمكن عن الحدود الشمالية، ولا سيما أن ثمَّة موقعا لإيران ودورا، معترفا بهما، صراحة من موسكو، ومسكوتا عنهما من واشنطن. (وكانت هيئة الاستخبارات الوطنية الأميركية، في عام 2015 قد حذفت إيران وحزب الله من قائمة التهديدات الإرهابية التي تُهدِّد الولايات المتحدة، مشيرةً إلى دور إيران في محاربة "المُتطرِّفين السُّنة"، وإن بقيتا تهديدا إرهابيا في هيئات أميركية أخرى)
غير أن السكوت الأميركي عن شَغْل إيران موقعًا غيرَ هامشيٍّ، في خريطة المنطقة الجديدة، لا بدَّ أن تصحبَه، آلياتٌ لضبط هذا النفوذ الإيراني، كي لا يتَّسع أكثر مما يُسمَح به، ولا سيما أن
في طهران قوى مهمَّة، كالحرس الثوري، ذات تطلُّعات توسُّعية مندفعة، وفي صُلْب دوافع هذا الضبط الأميركي، المخاوفُ الإسرائيلية، من تعاظم نفوذ طهران، ومن تعاظم قوَّة حزب الله الحليف الأخطر لها؛ تعاظما عسكريا، وتعاظما سياسيا، عسكريا بالتطوُّر النوعي في أسلحة الحزب، في امتلاك الصواريخ الأكثر دقَّة، وتهديدا، (حيث يمكنها أن تصل إلى أيِّ نقطة في الأراضي المحتلة، وأنْ تستهدف مرافق حساسة في إسرائيل)، بل في تصنيعه بعض تلك الأسلحة والصواريخ على أرض لبنان، وسياسيا بزيادة التنسيق بينه وبين النظام السوري من جهة، وبين الجيش اللبناني، ومِن ورائِه الدولةُ في لبنان، من جهة أخرى. وقد أضاف الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في خطاب له أخيرا إلى معادلة "الشعب والجيش والمقاومة" (الجيشَ السوري !)؛ فلا بدَّ من "نقطة نظام" تستجيب إلى ترتيبات ما بعد الحرب في سورية، حيث العودةُ الضرورية، ولو في حدِّها الأدنى، إلى تهذيب الحُجُوم التي تزايدتْ للمليشيات الطائفية، لصالح الدول وجيوشها، ومنها حزب الله الذي لا يحظى دورُه وأولويَّاتُه بإجماعٍ في لبنان، كما لا يحظى بشرعيةٍ دولية، وهو المصنَّف إرهابيا.
ولذلك، مثلا، كان الحرص على أن تكون المعركة التي خِيضتْ ضدَّ "داعش" في جرود عرسال، وجوارها، معركة الجيش اللبناني، وحده، رسميًّا، وليس بالتعاون المعلن مع حزب الله، وهذا يصبّ في استبقاء حدود ضرورية، تريدها واشنطن بالدرجة الأولى؛ من أجل كبح الاندفاعة الإيرانية، متجسِّدة، لبنانيا، في حزب الله.
وهنا، وعلى هامش هذا المُحدِّد، لا تنسجم مبادرة إيران، أو حزب الله، إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل، في هذه المرحلة، مع الرغبة في تحصيل هذا الدور والنفوذ الموشك على التكريس، في كلٍّ من سورية ولبنان، وإن كان ذلك التوسُّع الإيراني الذي تخشاه إسرائيل، يستحضر، عند الأخيرة، ولو نظريًّا، خيارَ الحرب، لتفعيل صورة إيران وحزب الله، المُهدِّدة، ولتوظيف ذلك من أجل الدفع نحو مزيد من تحجيم النفوذ الإيراني، وعزله.
أما دلائل الضبط الأميركي لإيران، فمنها حديثُ المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي
هيلي عن النشاط "غير الفعّال" لقوات "يونيفيل" في لبنان التي ينتهي التفويض الممنوح لها، الشهر الحالي، والتي أصبحت، هي والجيش اللبناني، المشرفة على تطبيق قرار مجلس الأمن 1701 الذي ينصُّ على إخلاء المنطقة من الخطِّ الأزرق، وحتى نهر الليطاني، شمالا، من أيِّ أسلحة أو مُسلَّحين، عدا الجيش اللبناني و"يونيفيل". وقد يؤشر هذا الهجوم الأميركي على قوات "يونيفيل"، أو قائدها الجنرال الإيرلندي، مايكل بيري، واتهام قوَّاته بأنها لا تقدِّم عملًا فعّالًا ضدّ جماعات مُتشدِّدة، مثل حزب الله، قد يؤشِّر إلى مساعٍ لاحقة نحو تعزيز النفوذ الدولي والأميركي؛ بما يجعله قادرا على مضاهاة القوة التي اكتسبها حزب الله في لبنان، وفي ظلِّ إحكام السيطرة تقريبا، إيرانيا، على لبنان.
وكذلك يمكن أن يصبَّ استيقاظُ الحديث عن المشروع النووي الإيراني في تقييد الاندفاعة الإيرانية، بقدر ما يقترب من المطالب الإسرائيلية. مع استبعاد رجوع واشنطن عن الاتفاق النووي مع طهران. ويحاول رئيسُ الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الإيحاءَ بجدية خياره العسكري، ومن أجل إضفاء صدقية على التهديدات بتنفيذ هذا الخيار، أعلن ديوانه إنه ينوي تمرير تشريع في البرلمان يُعفيه من الحصول على موافقة الحكومة بكامل هيئتها، عند اتخاذ قرار بشنِّ حرب، وأنْ يكتفي فقط بموافقة المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن.
مع أنَّ خيار الحرب، إسرائيليا، ليس سهلا، ولا في طاقة إسرائيل أنْ تنفرد في حرب شاملة في المنطقة، فإنها في هذه المرحلة الحسَّاسة، تبادر إلى فرض ترتيبات تُفضّلها، أمام خطط دولية، تحظى بتنسيق حثيث بين أميركا وروسيا، وتشترك فيها أطراف إقليمية، كإيران، وتركيا، وعربية كالأردن.
وكلّ هذه المعطيات، والمساعي الإسرائيلية الديبلوماسية والإعلامية الحثيثة، تهدف إلى إحداث مزيد من الضغط؛ لتحقيق ما يمكن تحقيقه من ضمانات، ومحاولة استبقاء أكبر قدر من (التوازن) الذي يحول دون تعظيم دور إيران ومليشياتها، في سورية وحزب الله في لبنان.