النفط والسياسة

النفط والسياسة

23 يناير 2016
+ الخط -
تعتبر الطاقة مشكلة أساسية في اقتصاديات الدول، كما أنَّ توافرها وأساليب إنتاجها يحددان أساليب الإنتاج والتنظيم الإجتماعي، كما أنَّ التغيرات التي تتعاقب في استخدام الطاقة من جيل إلى آخر، كالحطب بدايةً، ثم الفحم، إلى أن اكتُشِفَ النفط، أدّت إلى وقوع الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في عين العاصفة السياسية والعسكرية الدولية، العين التي لا تبصر سوى المصالح والأهداف فقط.
يعدُّ النّفط من صادرات الدول النّامية، فيما يتمُّ تكريره واستهلاكه في العالم الصناعي المتطوّر، حيث أنَّ اعتماد الدول المصدرة له يبدو مرتفعاً نسبياً، ما قد يجعله شريان الحياة الوحيد لهذه الدول.
تشير الدلائل وبعض الدراسات إلى أنَّ الدول المعتمدة على النفط لم تكن قادرةً على تحويل عائداته إلى نمو اقتصادي مستديم، وفي المقابل كان دخل الفرد في هذه الدول يُعاني من تناقص متلاحق، خصوصاً في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث كانت الأنظمة في تلك الفترة تسعى إلى توطيد أركانها وزيادة قوّتها في مناطق حكمها. لذا، كانت هذه الثروة غير متاحة للمجتمع.
إضافة إلى ذلك، فإن السلطة ومن يحيطون بها في البلدان النفطية يحصلون على أفضل جزء من عائدات النفط، حيث كانت ميزانية السلطة في هذه البلدان بين 15 – 20 % من الميزانية القومية.
كان مشروع أوبك نموذجاً لحرمان المنتجين من ممارسة قوتهم الجماعية، من خلال الإتفاقيات والبنود التي تلزم المنتج والمستهلك العمل بها. ومنذ ذلك الوقت، سوف يعتمد المستهلكون، إلى حد كبير، على عدم استعداد الدول الأعضاء لقتل الإوزة التي تبيض لهم ذهباً، برفعهم الأسعار كثيراً، لدرء القضاء على الطلب، بإلحاقها الضرر بإقتصادات الدول المستهلكة. وعلاوة على ذلك، فالأمر مثير لمزيد من القلق، نظراً للأوضاع المتفجرة في الشرق الأوسط الذي هزّ الدول الصناعية الكبرى، بصفتها صاحبة القرار في الحرب والسلم. لذا، كان لا بدّ من إرضاء هذه الدول، وتخفيف الضغط عنها بتخفيض الأسعار، بما يتناسب مع الوضع الإقتصادي والسياسي الراهن.
على الرغم من التماسك الظاهريّ الذي يبدو بين الدول الأعضاء في أوبك، من خلال الرغبة في زيادة الإيرادات إلى الحد الأقصى، لكنّهم منقسمون بفعل أمورٍ عديدة، فالدول ذات الاحتياطات الأصغر والتكلفة الأعلى، ثمة ما يغريها بالسعي للحصول على أسعار أعلى لاستغلال هذا المورد المحدود إلى حد أقصى.
وعلاوة على ذلك، وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فإن احتياطياتها الهائلة والتكلفة المنخفضة للإنتاج قد وجّهاها تقليدياً، نحو السعي إلى إنتاج كميات هائلة بحد ذاتها، ومن ثم الحصول على حصة أكبر في السوق، بأسعار أقل مع أخذ المدى البعيد في الحسبان (على الرغم من أن ضعف الدولار والضغط على ميزانية المملكة قد أثار الشكوك بأنَّ هذه المقدمة المنطقية الأساسية يمكن تحديدها). وتحتاج الدول الأعضاء، ذات التعداد السكاني الأكبر، إلى الكفاح ضمن "أوبك" للحصول على حصص أو أنصبة تصدير أكبر من سقف الإنتاج الكلي. ومن هنا، نلاحظ أنَّ الإنخفاض المتتابع في أسعار النفط يُعتبر موتاً بطيئاً لجميع الدول المنتجة للنفط، مهما كان مخزونها من هذه الطاقة، فهي تعيش الخسائر في كلّ لحظة.
بعض الدولٌ قد تسقط سياسياً لفقدانها الركيزة الأساسية في اقتصادها، ومنها دولٌ قد تفكّر في إعادة ترتيب أوراقها وسياساتها في جميع الجهات والقضايا الدولية والمحلية، لأنَّ شريان الحياة الذي تعيش عليه هذه الدول سيجفّ قريباً.
يبدو لنا جليّاً واقع الأزمة السورية، وتباين المواقف من الدول الداعمة للأطراف في الفترة الأخيرة، فالكل أصبح بحاجة لتهدئة لأجواء في المنطقة، لأنّ الفاتورة ارتفعت على الجميع. لذا، كان لا بدّ من التوافق لحلّ هذه الأزمات على أساس المصلحة المشتركة، وهي الإبقاء على التوازنات الإقتصادية في هذا العالم، فالنظام الإقتصادي يشبه شبكة العنكبوت في تركيبها، تلف خيطاً واحداً يكفي لسقوط البناء كله.
C741516E-C8ED-4D4F-BB6F-58114ABA9CAD
C741516E-C8ED-4D4F-BB6F-58114ABA9CAD
أيهم أبا زيد (سورية)
أيهم أبا زيد (سورية)