النفط بين الفقاعة والانفجار

النفط بين الفقاعة والانفجار

27 يونيو 2016
ارتفاع أسعار النفط (Getty)
+ الخط -
انتعشت أسعار النفط، أخيراً، من أدنى مستوياتها التي شهدتها في عام 2015 وأوائل عام 2016. مع ذلك، فإن سعر النفط الخام لا يزال منخفضاً بأكثر من النصف مقارنة مع أعلى مستوى له قبل نحو عامين، حيث يتداول حالياً حول مستوى 50 دولاراً للبرميل حتى كتابة هذه السطور.
تعتبر فقاعة النفط، وانفجارها في ما بعد، واحدة من عدد قليل من سيناريوهات "الفقاعة والانفجار" التي شهدتها أسواق المال منذ الأزمة المالية العالمية خلال عامي 2008 و2009. فمنذ ذلك الحين، ضخت العديد من المصارف المركزية الكبرى في العالم، الكثير من الأموال إلى أسواق المال، في حين أبقت أسعار الفائدة العالمية قرب أدنى مستوياتها التاريخية.
في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، بدا الأمر كما لو أن أسواق الأسهم قد بدأت مرحلة كساد طويلة الأمد، لكنها استعادت انتعاشها مجدداً منذ ذلك الحين. في الوقت الحاضر، يعتبر النفط الخام من الأصول الاستثمارية الأكثر وضوحاً التي مرت بسيناريو تجربة "الفقاعة والانفجار" منذ فترة الركود العالمي.
من المؤكد أن هناك العديد من العوامل الأخرى، غير تلك المرتبطة بالسياسات النقدية، التي كان لها دور بارز في انفجار فقاعة النفط. من بين هذه العوامل، طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة التي عززت الإمدادات العالمية من النفط، وعدم اتخاذ منظمة أوبك قرار خفض إنتاجها من النفط كما فعلت في مرات عديدة سابقة.
في هذا الصدد، ذهب العديد من محللي أسواق النفط في استنتاجاتهم إلى أن السعوديين كانوا يحاولون إيذاء روسيا، وصناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة بتبنيهم سياسة تدعم عدم تقليص إنتاج أوبك.
كان سقف التوقعات، في كل اجتماعات أوبك التي انعقدت خلال العامين الماضيين، متدنياً للغاية في ما يتعلق باستعداد المنظمة لخفض إنتاجها من النفط في الوقت الذي يُبقي منتجون كبار خارج المنظمة مستويات إنتاجهم عند مستويات مرتفعة.

إضافة إلى ذلك، لم تعد أوبك تسيطر على حصة سوقية كبيرة من سوق النفط العالمية، كما كان الحال قبل عقدين من الزمن، في ظل احتدام المنافسة مع منتجين آخرين، حيث يظهر ذلك بوضوح مع تراجع حصة أوبك، اليوم، إلى 34% من إجمالي الإنتاج العالمي من النفط مقارنة بـ52% منتصف تسعينيات القرن الماضي.
في الواقع، من الصعب عودة الأسعار إلى حيث كانت عليه ذات يوم مع استمرار بقاء إنتاج النفط العالمي متأججاً، إذ إن عودة أسعار النفط إلى أكثر من مائة دولار للبرميل لا تبدو ممكنة في الوقت الحالي، إلا في حال قيام البنوك المركزية العالمية بضخ أموال هائلة إلى أسواق المال، وهو أمر مستبعد للغاية.
لقد كان أمراً مستغرباً صمود العديد من شركات الإنتاج وعدم إعلان إفلاسها عندما كانت أسعار النفط تتداول دون مستوى الثلاثين دولاراً للبرميل، التي بلغتها السوق في وقت سابق من العام. فكيف لها أن تعلن إفلاسها عند مستويات الخمسين دولاراً للبرميل في الوقت الحالي؟ ففي حين تضررت شركات إنتاج النفط الصخري بشدة من انخفاض الأسعار، إلا أن بعضها واصل عمله حتى في ظل تحقيقه للخسائر.
لكن ما سر صمود هذه الشركات المثير للإعجاب؟ في الواقع، ما إن تقوم هذه الشركات بسداد تكاليفها الأولية لاستخراج الصخر الزيتي (أو أي شيء آخر)، فإن ذلك يتيح لها، من الناحية الاقتصادية، أن تعمل بخسارة في حال تمكنت من بيع إنتاجها من النفط فوق تكاليفه المتغيّرة. على سبيل المثال، إذا لم يتمكن تاجر من بيع مخزونه من البضائع لجني أرباح البيع، فإنه لن يقوم برمي المخزون في القمامة، إذ إن بيع المخزون بأي سعر سيسهم في "تقليص" خسائره، وبالتالي، مساعدته في الاستمرار في عمله إلى أن يتمكن من جني أرباح البيع في مرحلة زمنية أخرى.
يقول محللو أسواق النفط إن السبيل الوحيد لارتفاع أسعار النفط هو من خلال حالات انقطاع وتعطل غير مخطط له في إمدادات النفط، وهذا، بالفعل، ما يحدث اليوم. فقد تأثرت نيجيريا، التي لم تكن دولة مستقرة على الدوام، بموجة عنف مستمرة قلّصت إنتاجها اليومي من النفط إلى النصف. في فنزويلا، جلبت الاشتراكية المتطرفة الكثير من الخراب الاقتصادي إلى هذا البلد، الأمر الذي أدى إلى تضرر أهم مواردها الطبيعية وانخفاض إنتاجها النفطي بشكل ملموس. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الناس لا يعلمون أن فنزويلا تمتلك واحداً من أكبر احتياطات النفط في العالم.
إن الأحداث الجيوسياسية في كثير من الأحيان قادرة على تحريك أسعار النفط، فقد صعدت أسعار النفط بعد حرب الخليج صعوداً مدوياً، ذلك أن مجرد ازدياد احتمالات حدوث اضطرابات في الإنتاج يكفي لتحريك أسعار النفط إلى الأعلى.
(خبير اقتصادي أردني)

المساهمون