تشكل تحركات قوات النظام السوري وحلفائه في ريف اللاذقية الشرقي التابع لـ"منطقة خفض التصعيد" (إدلب وما حولها) منعطفاً جديداً، ويبدو أنه سيكون خطيراً، في حال استمر النظام بمحاولة التقدم شرقي اللاذقية، على الرغم من سريان وقف إطلاق النار الذي يشمل المنطقة كاملة منذ مارس/ آذار الماضي. في المقابل، لا تزال الخروقات مستمرة في جنوب إدلب، وتحديداً في قرى جبل الزاوية، من خلال القصف والاستهداف المستمر من قبل مدفعية النظام، والذي زاد عليها في الأيام الأخيرة بمحاولات تقدم بري للقوات على بعض المواقع التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، إلا أن تلك المحاولات فشلت، كما حصل بريف اللاذقية.
ميدانياً، تمكنت فصائل المعارضة، في اليومين الماضيين، من قتل وجرح مجموعتين من عناصر قوات النظام، خلال محاولات تسلل على محور جبهات ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، بالإضافة لصدها محاولات سابقة في الأيام القليلة الماضية. وأعلنت الفصائل العسكرية العاملة ضمن غرفة عمليات "الفتح المبين"، والمقاتلة في "منطقة خفض التصعيد" عن مقتل وجرح مجموعة من عناصر قوات النظام والمليشيات الداعمة لها أثناء محاولة اقتحامهم قرية الحدادة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، عصر أول من أمس الخميس، مشيرة إلى مقتل وجرح عدد آخر من قوات النظام إثر استهداف تجمعهم في قرية كنسبة بصاروخ مضاد للدروع. فيما قالت مصادر عسكرية على الأرض إن طائرة مروحية تابعة لسلاح الجو الروسي هبطت في محيط قرية كنسبة، لنقل جثة ضابط روسي قتل أثناء الاشتباكات على محور الحدادة والراقم في جبل الأكراد بريف اللاذقية.
التكتيك الجديد لقوات النظام يكمن في إحداث اختراق في جبهة ريف اللاذقية
كذلك أكدت "الجبهة الوطنية للتحرير" المدعومة من تركيا، مقتل وإصابة عشرات العناصر من قوات النظام والمليشيات المحلية والأجنبية الموالية لها، خلال محاولتهم التقدم على محور تلتي الحدادة والراقم في جبل الأكراد، مشيرة إلى أن من بين القتلى ضابط روسي لقي مصرعه على محور تلة الحدادة.
إلى ذلك، قصفت القوات التركية المنتشرة في محيط محافظة إدلب مواقع لقوات النظام جنوبي المحافظة، واستقدمت تعزيزات جديدة إلى نقاط انتشارها في المنطقة، ويأتي ذلك بعد إحباط فصائل المعارضة هجمات عدة شنتها قوات النظام في محاولة للتقدم في ريفي اللاذقية الشرقي وإدلب الجنوبي. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القوات التركية المنتشرة في جبل الزاوية قصفت بالصواريخ مواقع قوات النظام في مدينة معرة النعمان بريف المحافظة الجنوبي من دون ورود معلومات عن وقوع خسائر بشرية. وتزامن ذلك مع تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع التركية في أجواء محافظة إدلب، فضلاً عن تحليق طائرات استطلاع روسية في أجواء المنطقة، وفق المرصد.
وكانت قوات النظام قد قصفت بالمدفعية الثقيلة مناطق الفطيرة وكنصفرة وسفوهن وفليفل ومناطق أُخرى في جبل الزاوية ومحاور ريف اللاذقية الشمالي، كما استمرت التعزيزات العسكرية التركية بالتوافد إلى إدلب بأعداد كبيرة عبر معبر كفرلوسين الحدودي، والتي كان آخرها فجر أمس، الجمعة.
وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن أربعة أرتال عسكرية للقوات التركية دخلت بشكل متتال، اعتباراً من فجر أمس الأول، تضم دبابات وراجمات صواريخ ومدافع وعربات مصفحة ومعدات هندسية وشاحنات محملة بمواد لوجستية، توزعت على النقاط العسكرية التركية المنتشرة في ريف إدلب الجنوبي. وكثفت القوات التركية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، من إرسال التعزيزات العسكرية إلى المناطق القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام، بالتزامن مع إرسال قوات النظام تعزيزات عسكرية مماثلة إلى ريف إدلب الجنوبي وسط أنباء عن نيتها شن هجوم عسكري على منطقة جبل الزاوية.
كذلك حاولت قوات النظام في الأيام الماضية التقدم من عدة محاور في ريف إدلب، أهمها محاور دير سنبل والفطيرة ورويحة، من دون التمكن من إحداث أي اختراق للجبهات، وسط تصد من قبل فصائل المعارضة هناك، التي عززت القوات التركية من وجودها بالقرب منها، عبر العديد من النقاط التي أحدثها ونشرها الجيش التركي في جبل الزاوية وعلى خطوط التماس، بعد إظهار النظام وحلفائه ولا سيما من الإيرانيين نية لإنهاء اتفاق وقف إطلاق النار والتقدم ضمن عملية جديدة تجاه ما تبقى من قرى وبلدات في إدلب تحت سيطرة المعارضة، ولا سيما تلك الواقعة جنوبي طريق حلب ــ اللاذقية "أم 4"، الذي يعبر إدلب ويقسم المحافظة إلى نصفين تقريباً.
وبالعودة إلى ريف اللاذقية وجبل الأكراد، قد يبدو التكتيك الجديد لقوات النظام يكمن في إحداث اختراق في جبهة ريف اللاذقية من خلال محور الحدادة وتلة الراقم، بعد الفشل في اختراق جبهة ريف اللاذقية الشرقي من خلال مئات محاولات التقدم نحو تلة الكبينة بالريف ذاته، وذلك قبل توقف المعارك إثر الاتفاق الروسي ـ التركي لوقف إطلاق النار في إدلب ومحيطها في الخامس من مارس/ آذار الماضي.
وتكمن أهمية محور تلة الراقم وقرية الحدادة بالنسبة لقوات النظام، في أنهما تسيطران نارياً على الجزء المتبقي من طريق حلب ـ اللاذقية الدولي "أم 4" في ريف اللاذقية حتى مدينة جسر الشغور بريف إدلب الغربي، إضافة إلى سيطرتهما النارية على طرق إمداد تلال الكبينة وتلال الخضر والتفاحية وتردين.
وتشكل السيطرة على المحور منطلقاً لمفترق طرق، أسهلها وأهمها سلوك الطريق الشرقي الشمالي نحو مدينة جسر الشغور، التي لم يخف النظام تطلعه للتقدم نحوها والسيطرة عليها، في حين سيكون الطريق الأخطر الخط الجنوبي الغربي الموصل مباشرة إلى تلة الكبينة الاستراتيجية بريف اللاذقية، والتي تشكل نقطة صد رئيسية أمام قوات النظام وتقدمها نحو ما تبقى من ريف اللاذقية، وعبورها نحو إدلب مروراً بقرى وبلدات تابعة لسهل الغاب بريف حماه، كلها لا تزال تحت سيطرة فصائل المعارضة.
بيد أن النظام وحلفاءه ربما يكونون قد لجأوا أخيراً لاختراق جبهة اللاذقية بعد الفشل بريف إدلب الجنوبي، كون الوجود التركي بريف اللاذقية الشرقي التابع لـ"منطقة خفض التصعيد" لا يزال ضعيفاً مقارنة بالوجود العسكري التركي في إدلب والريف الجنوبي منها، مع اقتصار الانتشار التركي في ريف اللاذقية على نقطة مراقبة عسكرية واحدة في قرية زيتونة، مقابل عشرات نقاط المراقبة والانتشار المتوزعة في إدلب.
أربعة أرتال عسكرية للقوات التركية دخلت بشكل متتال
ويشير العقيد مصطفى بكور، القيادي في "جيش العزة"، أحد التشكيلات المنضوية ضمن غرفة عمليات "الفتح المبين"، إلى أن "محور الحدادة هو جزء مهم من محور الساحل، وبعد الفشل الذريع الذي لاقاه الاحتلال الروسي أثناء محاولاته المتكررة للتقدم على الكبينة كان لا بد من إجراء تغيير على محاور التقدم لعلها تكون أضعف من محور الكبينة، لكنه اصطدم بدفاعات أقوى من الكبينة وفشلت كل المحاولات حتى الآن". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أهمية الحدادة والكبينة تأتي من موقعها الجغرافي المهم، لأنها تشرف على سهل الغاب وجبل الزاوية، وسلوكها سيجعل المنطقة المحررة حتى باب الهوى في موقف دفاعي ضعيف".
أما بالنسبة للجبهات في إدلب، فيرى بكور أنها "تخضع للاتفاقات الروسية ـ التركية، وإن كان الروس والنظام يحاولون بين الفينة والأخرى توجيه بعض الرسائل حول إمكانية قيامهم بعمل عسكري ضخم للضغط على تركيا بشكل رئيسي"، مشيراً كذلك إلى أن "ريف اللاذقية الشرقي يخضع عملياً كذلك للاتفاقات التركية ـ الروسية إلا أن الجيش التركي لم يعزز بعد من انتشاره هناك".
وتخضع منطقة خفض التصعيد الرابعة، التي تضم كامل محافظة إدلب وأجزاء من ريف حماه الشمالي والغربي وحلب الجنوبي والغربي واللاذقية الشرقي، لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين روسيا وتركيا في مارس الماضي، الذي أنهى المعارك بين قوات النظام والمليشيات المساندة لها المحسوبة على روسيا وإيران من جهة، وفصائل المعارضة والجيش التركي من جهة أخرى. ومنذ توقيع الاتفاق يعمل النظام على خرقه ويسعى لإنهائه من خلال القصف ومحاولات التسلل على الجبهات، الأمر الذي دفع الجيش التركي لزيادة تعزيزاته إلى إدلب بشكل كبير وخصوصاً في الشهرين الماضيين، ومن المتوقع أن يدفع بتعزيزات إضافية إلى محاور ريف اللاذقية وجبل الأكراد تحديداً، ولا سيما بعد التصعيد الأخير للنظام.