المُزيّن.. جمعٌ بين الحلاقة والطب

المُزيّن.. جمعٌ بين الحلاقة والطب

23 مارس 2016
مهنة المزيّن في بعض مناطق الصعيد (Getty)
+ الخط -
أطلقوا عليه في الريف مصطلح "المزيّن"؛ نسبة إلى دوره في تزيين شعر الوجه والرأس. بالرغم من أن هذه المهنة في الماضي، لم تكن تقتصر على عملية الحلاقة. فقد أسند الفقراء قليلو الحيلة والثقافة إلى المزين، مجموعة من الوظائف الطبيّة الأخرى؛ كالختان والحجامة وخلع الأسنان، وخياطة الجروح، وعلاج الحروق، ورمد العيون، والأورام، وجبر الكسور، وتركيب الأدوية وغيرها، حتى أطلقوا عليه اسم "حلاق الصحة"!، وكان بعضهم يقصده في أيام موالد الأولياء الصالحين، ويطلبون منه إجراء الختان لأبنائهم، وذلك تبرُّكاً بالمولد وصاحبه.

يحمل الرجل حقيبته التي تحتوي على أدوات الحلاقة كالمقص والأمشاط، والفرش والمعجون والصابون ومرآة صغيرة، وبعض الأدوات الجراحية وبعض المرطبات والمراهم والكريمات والأعشاب وغيرها.

وقد ساد قديمًا، تداخل مهنة الطب مع مهنة الحلاقة، في أوساط عدد من شعوب العالم كالصين والهند وبلاد أوروبا. وفي إنجلترا، لم يتم الفصل بين المهنتين إلا في القرن الثامن عشر، حين صدر مرسوم يقضي بمنع الحلاقين من ممارسة أعمال الطب، باستثناء خلع الأسنان.

كثيراً ما تسبب حلاق الصحة في عاهات مستديمة لمن قُدِّم لهم العلاج، وكان من أشهر ضحاياه عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، الذي فقد بصره من جرّاء وصفة فاسدة، وضعها حلاق على عينيه المريضتين، فلم تفتح بعدها أبداً. كما يعد حلاق الصحة أحد الأسباب الرئيسية في نشر بعض الأمراض لغياب العناية بتعقيم أدواته.

وفي العادة، كان المزيِّن يأتي إلى البيوت في وقت محدد بصورة منتظمة شهريًا، فيقوم بعمله أولاً مع رب المنزل، ثم يصطف أبناء الدار الذكور، ليحلق لهم واحدًا تلو الآخر. وقد تكون الحلاقة في ساحة البيت، أو على المصطبة في الشارع أمام الرائح والغادي. وكان قديمًا يتلقّى أجره عينيًا لا ماديًا؛ فيتحصل على بعض الحبوب أو البيض أو الجبن أو اللبن، وما إلى ذلك من منتجات البيت الريفي، وربما سيحصل على أجره مجمعاً في موسم الحصاد.


تداول الناس صاحب هذه المهنة في أمثلتهم الشعبية، فيقولون: "يتعلم الحلاقة في رؤوس اليتامى"، وهو تعبير يقال لمن يستحقر أفرادًا يتعلم فيهم صنعة جديدة عليهم، ولا يمتلك المهارات اللازمة. و"تِلِمْ زي المزين" نظراً لأن بعض الحلاقين كانوا يتصفون ببرود الأعصاب، فشاع هذا الأمر على جميع أبناء الحرفة. ويقولون أيضًا: "إذا رأيت المزين بيحلق لحية جارك؛ صبّن وجهك"، أي استعد للحلاقة بوضع الصابون. ويقولون على من يسخر من غيره ويخدعه: "زي المزيّن يضحك على الأقرع بطقطقة المقص". وفي المثل كذلك: "يا عمّ يا مزيّن؛ شعر راسي إسود ولا أبيض؟ قال: دلوقتي ينزل وتشوفه"!


لا تزال المناطق الريفية النائية عن الحداثة، تتعامل مع المزين الريفي الجوال في بعض نجوع الصعيد وقرى الوجه البحري الفقيرة، فيستدعيه كبار السن الذين يرفضون الذهاب إلى صالونات الحلاقة الجديدة التي لا يستسيغونها.

إقرأ أيضاً:عيد الفالنتاين..أصل الاحتفال

دلالات

المساهمون