01 أكتوبر 2018
الموقف الإيراني في العراق
يشكل العراق إطلالة إيران الرئيسية على العالم العربي، وعلى قلب منطقة الشرق الأوسط، وهو جدار الفصل بين إيران الداخل وهلال نفوذها في بلاد الشام، المطلة على البحر المتوسط. ولذلك، تكوّنت سياسة إيران تجاه جارها المزعج من شقين، أولهما تأمين الحدود الغربية من أي خطر محتمل، يأتيها من حاكم قوي في بغداد، وثانيهما محاولة ربط الصلة البرية مع الامتدادات الإيرانية الأخرى في سورية وجنوب لبنان. وأحسن طريقة لجمع المسألتين هي وجود نظام ركيك موالٍ لها، ثم الهيمنة على الشبكات السياسية والدينية الداعمة له، وتأمين غطاء حماية جيوسياسي له، وهذا، بالضبط، ما توفر في فرصة ما بعد العام 2003.
ولا شك أن قادة إيران تراودهم الرغبة في أن يصبحوا يوماً على خبر التهام الأرض العراقية، بدلاً من أن يستمروا في الضغط للحفاظ على مكسبهم الهشّ المُحقّق. وفي ظرف تتعرض فيه الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط لاحتمال التقلّص، بسبب الأزمة التي يوجد فيها النظام الحليف في دمشق، واضطرارها لتوظيف حزب الله اللبناني والنظام العراقي للدفاع عنه. العراق بلد توجد في جيناته التكوينية صفة "صعب على التحكّم"، وكل ما فعلته إيران في السنوات الأخيرة مكّنها من احتواء المارد العراقي، لكنها أبعد ما يكون عن التحكم فيه. سياسة التغلغل الإيراني ساعدت على تهييج المشكلات العراقية التاريخية، ووضعتها على صفيح ساخن في انتظار الشرارة التي تشعله. كان الخيار الإيراني المفضّل بعد العام 2008، لتجنب التورّط المباشر في الفوضى العراقية، هو صناعة ديكتاتور يدير نظاماً متسلطاً، يحاول نظرياً الحفاظ على مركزية الدولة، ويساوي نسخة إيرانية من نظام صدام حسين، ببعده الداخلي (اختزال العراق في مكتب القائد العام للقوات المسلحة).
الخبر السيئ لإيران أن صديقها، نوري المالكي، أحدث مزيداً من المشكلات على طول العراق وعرضه، وهدد معادلة 2003، بانهيار الثقة بين الحليفين، الشيعي والكردي، ومضاعفة تهميش العرب السنّة الذي دفعهم إلى التمرد المسلح، والمطالبة بشكل جديد لتوازنات الحكم بين المركز والأطراف، إذا تجمعت هذه العوامل الداخلية مع الحركية الجيوسياسية الإقليمية والدولية وعناصرها العابرة للحدود، فستشتعل الأوضاع في العراق، وهو ما حدث أخيراً، بطريقة وضعت إيران أمام اختبارٍ للقوة، يصنعه طارئ غير منتظر في أجندة العمل البراغماتي الإيراني، والذي بدلاً من التركيز على ملفاته الساخنة، سينتقل إلى التعامل مع ملف قاعدي، تم تصنيفه، منذ زمن، بناءً على التفاهم الأميركي ـ الإيراني بشأن الوضع العراقي، فإن غاب الاستقرار عن هذا البلد تكون إيران مجبرة على الانخراط في "تحيين" الجيوبوليتيكا الدولية، بطلب الحماية المشتركة لفضاء التفاهم الوحيد، أو على الأقل تأخير حصول قوى إقليمية أخرى، مثل تركيا والسعودية، على مكاسب بالاستفادة من مجريات التطورات الداخلية في العراق، فضلاً عن احتمال التخلي عن الرأس المتسببة في الأزمة لحماية بقية الجسد.
انتشار التطرف، بالموازاة مع الأزمات الداخلية العراقية، هو خطر موضعي (اللحظة الساخنة) على النظام الموالي لإيران في بغداد، لكنه، أيضاً، مصدر قلق مشترك بين جميع الفاعلين الجيوسياسيين. فتلاشيه أمر حتمي، لكن إلى أن يتلاشى، ستتاح الفرصة للمناورات الكبرى، وفيها تسعى إيران إلى سحب الجميع إلى اتفاق بشأن مكافحة التطرف في العراق، ثم سورية. لكن هذا الأمر بعيد المنال حالياً، بما أن اللاعب الإيراني لم يفِ بشروط الانخراط في اللعبة الجيوسياسية، المترتبة عن مجرى التفاوض مع أميركا في مقابل التهدئة في الشرق الأوسط، وحيث غاب الاتفاق بين الجناحين، الإصلاحي والمحافظ، لتبني رؤية واحدة عن كيفية الاستجابة لهذا الشرط، منحت الفرصة للأدرينالين اللاعقلاني في السياسة، ليستمر في التدفق بإيقاع سريع، هو ما أبقى على المأساة قائمة في سورية، ترجمة للمحاولات الإيرانية في تعطيل الحل، من أجل الحفاظ على نفوذها في بلاد الشام.
ومن الواضح جداً أن هذا الأدرينالين سيكون وسيلة الإيرانيين المبدئية، لاستعراض القوة في قدرتهم على حماية نظام المحاصصة الطائفية في العراق، وتجهيز الميليشيات المشحونة بفتاوى التحريض، ستكون الأداة المعوّل عليها لدعم أجهزة الأمن العراقية المنهارة قبل إعادة هيكلتها. ومن المرجّح أن يتمكن الجهد الإيراني من تأمين قاعدة النفوذ الرئيسية في بغداد وجنوب العراق، وصد أي خطر قادم من شمال وغرب العراق. لكن الجهد الإيراني ستنتهي صلاحيته سريعاً، إن لم يوفّق دبلوماسياً في إقناع أميركا وتركيا والسعودية بأهمية إبقاء التوازنات الحالية في العراق، بشعار محاربة المد الجهادي الذي سينحسر تدريجياً. حينها ستعود الخلافات الشيعية ـ الشيعية بقوة إلى السطح، لتتناغم مع الغضب السني، مشكّلة الملمح الحقيقي للأزمة العراقية، فيما ينشطر الاهتمام العسكري الإيراني بين سورية والعراق. ورجحان كفة الأزمة العميقة على الفجوة المؤقتة في البلدين، بدعم محتمل للمعارضة السورية المسلحة وازدياد الاحتقان الداخلي في العراق، سيفرغان جعبة إيران من الخيارات التي في حوزتها دائماً، وسيضعها في محل الإذعان للشروط التي ناورت من أجل تأجيل حتمية الخضوع لها.
موقف إيران من الوضع العراقي مبدئي، وغير قابل للتنازل، لكن جدوى التدخل وديمومته في اللحظات الحاسمة هو مسألة الامتحان الإيراني الرئيسي في هذا العالم المتغيّر.
ولا شك أن قادة إيران تراودهم الرغبة في أن يصبحوا يوماً على خبر التهام الأرض العراقية، بدلاً من أن يستمروا في الضغط للحفاظ على مكسبهم الهشّ المُحقّق. وفي ظرف تتعرض فيه الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط لاحتمال التقلّص، بسبب الأزمة التي يوجد فيها النظام الحليف في دمشق، واضطرارها لتوظيف حزب الله اللبناني والنظام العراقي للدفاع عنه. العراق بلد توجد في جيناته التكوينية صفة "صعب على التحكّم"، وكل ما فعلته إيران في السنوات الأخيرة مكّنها من احتواء المارد العراقي، لكنها أبعد ما يكون عن التحكم فيه. سياسة التغلغل الإيراني ساعدت على تهييج المشكلات العراقية التاريخية، ووضعتها على صفيح ساخن في انتظار الشرارة التي تشعله. كان الخيار الإيراني المفضّل بعد العام 2008، لتجنب التورّط المباشر في الفوضى العراقية، هو صناعة ديكتاتور يدير نظاماً متسلطاً، يحاول نظرياً الحفاظ على مركزية الدولة، ويساوي نسخة إيرانية من نظام صدام حسين، ببعده الداخلي (اختزال العراق في مكتب القائد العام للقوات المسلحة).
الخبر السيئ لإيران أن صديقها، نوري المالكي، أحدث مزيداً من المشكلات على طول العراق وعرضه، وهدد معادلة 2003، بانهيار الثقة بين الحليفين، الشيعي والكردي، ومضاعفة تهميش العرب السنّة الذي دفعهم إلى التمرد المسلح، والمطالبة بشكل جديد لتوازنات الحكم بين المركز والأطراف، إذا تجمعت هذه العوامل الداخلية مع الحركية الجيوسياسية الإقليمية والدولية وعناصرها العابرة للحدود، فستشتعل الأوضاع في العراق، وهو ما حدث أخيراً، بطريقة وضعت إيران أمام اختبارٍ للقوة، يصنعه طارئ غير منتظر في أجندة العمل البراغماتي الإيراني، والذي بدلاً من التركيز على ملفاته الساخنة، سينتقل إلى التعامل مع ملف قاعدي، تم تصنيفه، منذ زمن، بناءً على التفاهم الأميركي ـ الإيراني بشأن الوضع العراقي، فإن غاب الاستقرار عن هذا البلد تكون إيران مجبرة على الانخراط في "تحيين" الجيوبوليتيكا الدولية، بطلب الحماية المشتركة لفضاء التفاهم الوحيد، أو على الأقل تأخير حصول قوى إقليمية أخرى، مثل تركيا والسعودية، على مكاسب بالاستفادة من مجريات التطورات الداخلية في العراق، فضلاً عن احتمال التخلي عن الرأس المتسببة في الأزمة لحماية بقية الجسد.
انتشار التطرف، بالموازاة مع الأزمات الداخلية العراقية، هو خطر موضعي (اللحظة الساخنة) على النظام الموالي لإيران في بغداد، لكنه، أيضاً، مصدر قلق مشترك بين جميع الفاعلين الجيوسياسيين. فتلاشيه أمر حتمي، لكن إلى أن يتلاشى، ستتاح الفرصة للمناورات الكبرى، وفيها تسعى إيران إلى سحب الجميع إلى اتفاق بشأن مكافحة التطرف في العراق، ثم سورية. لكن هذا الأمر بعيد المنال حالياً، بما أن اللاعب الإيراني لم يفِ بشروط الانخراط في اللعبة الجيوسياسية، المترتبة عن مجرى التفاوض مع أميركا في مقابل التهدئة في الشرق الأوسط، وحيث غاب الاتفاق بين الجناحين، الإصلاحي والمحافظ، لتبني رؤية واحدة عن كيفية الاستجابة لهذا الشرط، منحت الفرصة للأدرينالين اللاعقلاني في السياسة، ليستمر في التدفق بإيقاع سريع، هو ما أبقى على المأساة قائمة في سورية، ترجمة للمحاولات الإيرانية في تعطيل الحل، من أجل الحفاظ على نفوذها في بلاد الشام.
ومن الواضح جداً أن هذا الأدرينالين سيكون وسيلة الإيرانيين المبدئية، لاستعراض القوة في قدرتهم على حماية نظام المحاصصة الطائفية في العراق، وتجهيز الميليشيات المشحونة بفتاوى التحريض، ستكون الأداة المعوّل عليها لدعم أجهزة الأمن العراقية المنهارة قبل إعادة هيكلتها. ومن المرجّح أن يتمكن الجهد الإيراني من تأمين قاعدة النفوذ الرئيسية في بغداد وجنوب العراق، وصد أي خطر قادم من شمال وغرب العراق. لكن الجهد الإيراني ستنتهي صلاحيته سريعاً، إن لم يوفّق دبلوماسياً في إقناع أميركا وتركيا والسعودية بأهمية إبقاء التوازنات الحالية في العراق، بشعار محاربة المد الجهادي الذي سينحسر تدريجياً. حينها ستعود الخلافات الشيعية ـ الشيعية بقوة إلى السطح، لتتناغم مع الغضب السني، مشكّلة الملمح الحقيقي للأزمة العراقية، فيما ينشطر الاهتمام العسكري الإيراني بين سورية والعراق. ورجحان كفة الأزمة العميقة على الفجوة المؤقتة في البلدين، بدعم محتمل للمعارضة السورية المسلحة وازدياد الاحتقان الداخلي في العراق، سيفرغان جعبة إيران من الخيارات التي في حوزتها دائماً، وسيضعها في محل الإذعان للشروط التي ناورت من أجل تأجيل حتمية الخضوع لها.
موقف إيران من الوضع العراقي مبدئي، وغير قابل للتنازل، لكن جدوى التدخل وديمومته في اللحظات الحاسمة هو مسألة الامتحان الإيراني الرئيسي في هذا العالم المتغيّر.
مقالات أخرى
22 يوليو 2018
03 ديسمبر 2017
08 اغسطس 2017