المهرجانات الشعبية والنقابة... هاني شاكر باقٍ ويتمدد

المهرجانات الشعبية والنقابة... هاني شاكر باقٍ ويتمدد

13 نوفمبر 2019
تسعى الدولة المصرية إلى منع مطربي المهرجانات من الغناء(Getty)
+ الخط -
قبل أسبوعَين، طرح محمد رمضان أغنية "السلطان"، معلناً استمراره في تقديم الأغاني، إلى جانب التمثيل. في فيديو كليب الأغنية الجديدة، الذي يمتد على مدار خمس دقائق، يركّز أكثر من نصفه على أداء رمضان التمثيلي. بينما جاء النصف الثاني، مخصّصاً للغناء. 
بسرعة، يتبيّن للمستمع فقر الأغنية لناحية الكلمات واللحن. يردّد رمضان، بشكل مزعج، كلمة "السلطان"، ثم يعيد 16 مرة عبارة "العبدلله السلطان"، إلى جانب مجموعة من المفردات المستهلكة والتي لا تنمّ إلا أن نرجسية رمضان، مثل الحاقدين والمعجبين، والأسد، وملك الغابة، والساحة.

أما بالنسبة للموسيقى، فلا جديد. يبتعد رمضان تدريجياً عن نمط المهرجانات الشعبية، متجها إلى الـ"تراب Trap"، لكن من دون أي شكل واضح أو خطوط عريضة يتبعها؛ إذ يتحرك معتمداً على شعبيته، وتحقيقه لأرقام مشاهدة عالية على "يوتيوب". لكن في إنتاجاته الأخيرة، ورغم أرقام المشاهدات، تموت وتختفي أغاني رمضان سريعاً، فلا تلقى إلا نجاحاً لحظياً، وخير دليل على ذلك أغنيته الأخيرة، أي "السلطان" التي رسخت هبوطه الفني.

تم تصوير الكليب في المغرب، واستعانت الشركة المنتجة "روتانا"، بمدير تصوير أميركي والممثلة العراقية نور نعيم، لكن من دون أن يؤدي ذلك إلى أي إبهار أو إضافة إلى العمل. يطرح هذا أسئلة كثيرة حول تراجع نجاح رمضان في عالم الغناء؛ إذ غادر الفنان المصري عالم المهرجانات، ودخل عالم الـ"تراب"، متناسياً أن نجاحه كمغنّ سبب الاستعانة بنجوم عالم المهرجانات. هؤلاء هم الذين صنعوا نجاحه، مثل المدفعجية، وعلاء فيفيتي.
لكن في الوقت الذي كان محمد رمضان يعلن أنه "السلطان"، انتشر فيديو آخر لمغني المهرجانات الإسكندراني حمو بيكا من داخل نقابة الموسيقيين صارخاً وكاشفاً أن النقابة تمنعه من إقامة الحفلات وترفض إعطاءه تصريحاً للغناء في الأماكن العامة.

قال حمو بيكا إن نقابة الموسيقيين طلبت منه دفع مبلغ قيمته 400 ألف جنيه (قرابة 25 ألف دولار) كي تجيز له إحياء الحفلات، وقال في إطار توجيه اتهاماته للنقيب الفنان هاني شاكر "هاجي أكسر النقابة يا هاني... عاوزني أدفع 400 ألف عشان أغني". حنق حمو بيكا يبدو مفهوماً، إذ ما عرفنا أن محمد رمضان الذي يقدّم نفس النوع الموسيقي؛ أي أغاني المهرجانات والـ"تراب"، يقدّم الحفلات من دون أي مشاكل، كما أنّه مسجّل في نقابة المهن التمثيلية. يعيدنا هذا إلى محاولة تأطير هذه الموسيقى في قوالب طبقية معيّنة، واستبعاد الصنّاع الحقيقيين لهذه الأغاني، خصوصاً أن حمو بيكا وغيره من نجوم المهرجانات يتمتّعون بشهرة واسعة في مختلف أنحاء مصر، وهو ما يكشفه التفاعل مع أعمالهم على "يوتيوب" وباقي مواقع التواصل الاجتماعي. مثلاً، متوسّط معدل مشاهدات أغاني حمو بيكا على "يوتيوب" هو 60 مليون مشاهدة.

على الجبهة الثالثة من هذا المشهد، يقف هاني شاكر. مطرب من فترة زمنية سابقة. لم يقدّم فعلياً، رغم نجاحه الكبير، أي تجديد على الساحة الموسيقية المصرية، بل كان مجرد امتداد لتلك الحقبة المعروفة باسم "الزمن الجميل"، فلم يملك مشروعاً فنياً خاصاً طيلة مسيرته.

لم يكن كمحمد منير ولا عمرو دياب (مع اختلاف التجربتين طبعاً)، رغم أن كثيرين قد يستحسنوا صوته أكثر منهما، لكن الصوت وحده لا يكفي. هذا تحديداً ما لم يدركه هاني شاكر منذ وصوله إلى رئاسة نقابة الموسيقيين. فعجز عن مواظبة تغيّر المشهد في مصر وبروز أنواع موسيقية جديدة، تقوم على ما هو أكثر من الصوت. نتحدّث هنا تحديداً عن عالم المهرجانات. عالم خلق شكلاً وقالباً موسيقيين جديدين، بعد ركود أجيال كثيرة من دون أي تجربة مصرية حقيقية خالصة، منذ زمن الطقطوقة. وحدها المهرجانات بدت مصرية الصناعة بشكل تام: شباب يتمتّع بشجاعة التجربة. لكن يبدو أن هذه الشجاعة لم تعجب هاني شاكر. بعد 15 عاماً من ظهور هذا النوع الموسيقي، لا تزال منبوذة من النقابة، ولا يزال المسيطرون على المشهد الفني المصري يحاولون حصرها في إطار معيّن.

المهرجانات التي تُغنى في الأفلام السينمائية ويُستعان بها في الإعلانات وفي أغانٍ للنظام المصري وقت الحاجة، تسعى الدولة بكل أجهزتها إلى منع مطربيها من الغناء بشكل علني، تحت حجة "الذوق الفني". كأن ذلك سيمنع الفنانين من إنتاج أغانيهم ونشرها على "يوتيوب". يعكس هذا الأمر، بشكل فاقع، سذاجة النقابة في التعامل مع التغييرات الفنية، وعجزها عن مجاراة الذوق العام الحقيقي. 

باختصار، إذ قارنّا ما قدمه هاني شاكر في سبيل تطوير الموسيقى المصرية مع ما قدمته المهرجانات كقالب جديد، ستنتصر المهرجانات بشكل ساحق، لأنها قدمت منتجاً جديداً، نوعاً موسيقياً (Genre) مصرياً خالصاً، ولد في الحواري والأحياء الشعبية. موسيقى تعكس يوميات الناس، ومشاكلهم، وهو ما يضع شاكر أمام تحدي مواكبة الزمن، والتخلي عن الدور "الأخلاقي" للنقابة، لتقوم بدور فنيّ حقيقي، لا طبقي ولا إقصائي. أو ربما على هاني شاكر أن يخرج من فقاعته إلى شوارع مصر وحاناتها، ليعرف أن حمو بيكا ورفاقه، نجوم، سواء وافق على ذلك أم لا.

المساهمون