المهجرون إلى الشمال عالقون بين روسيا وتركيا... وعودة أستانة

المهجرون إلى الشمال عالقون بين روسيا وتركيا... وعودة أستانة

11 مايو 2018
قافلة من جنوب دمشق على حدود مدينة الباب(فرانس برس)
+ الخط -
يعيش آلاف المهجرين السوريين والفلسطينيين من جنوب دمشق وريف حمص الشمالي، إلى شمالي سورية، أوضاعاً صعبة، حيث يتقاذفهم كلٌّ من النظام السوري وروسيا من جهة، وتركيا من جهة أخرى، ما اضطرهم للمبيت أياماً حتى الآن في العراء أو داخل حافلات التهجير، وسط ظروف جوية قاسية، وغياب شبه كامل للمنظمات الإنسانية. لكن يتوقع أن يغيب الكباش الروسي التركي الإيراني على طاولة اجتماعات أستانة يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين، حيث تفيد تجربة الجولات السابقة للمسار الذي أرسته كل من روسيا وتركيا وإيران، بأنّ هذه الأطراف الثلاثة راغبة بإبقاء خلافاتها بعيدة عن الإعلام.

وأعلنت وزارة الخارجية الكازاخية أنّ الجولة الجديدة لاجتماعات أستانة ذات الطابع العسكري ــ الإنساني، لا السياسي، ستكون بمشاركة الدول الضامنة، أي تركيا وروسيا وإيران، إلى جانب النظام السوري والمعارضة، مشيرةً إلى دعوة الولايات المتحدة والأردن للمشاركة كدول مراقبة في الاجتماعات. وقالت الوزارة في بيان لها إن الاجتماع سيناقش المستجدات في مناطق "خفض التصعيد" والإجراءات الإنسانية، إضافة إلى موضوع المعتقلين خصوصاً لدى النظام الذي يعتقل عشرات آلاف السوريين.

وكانت عقدت الجولة الثامنة من اجتماعات أستانة يومي 21 و22 ديسمبر/ كانون الأول من العام الفائت، ولكن جرت العديد من التطورات العسكرية التي أفرغت تلك الاتفاقات من مضمونها، خصوصاً على صعيد مناطق خفض التصعيد، حيث سهّلت روسيا للنظام القضاء على المعارضة السورية في منطقتين، هما الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، وتهجير سكانهما باتجاه الشمال السوري. وتشمل مناطق "خفض التصعيد" كامل محافظة إدلب وأجزاء من محافظتي اللاذقية وحلب، وحماة وحمص ودرعا والقنيطرة، ومنطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق.

ومع تسارع عمليات التهجير القسري من منطقتي جنوب دمشق وريف حمص الشمالي، تجمّعت قوافل عدة على حدود مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي الخاضعة لسيطرة قوات "درع الفرات" والتي تشرف عليها تركيا، حيث رفضت الأخيرة السماح للقوافل بالعبور إلى مناطقها بسبب عدم توفّر أماكن كافية لاستيعابهم، كما تقول، وعدم تنسيق روسيا مع الجانب التركي بشأن عمليات التهجير. واضطر هذا الأمر بعض القوافل إلى تغيير مسارها ومحاولة الوصول إلى إدلب، على الرغم من الصعوبات والمخاوف لدى البعض ممن لديهم خلافات مع "هيئة تحرير الشام" المسيطرة على إدلب.

وجرت في الساعات الأخيرة تحرّكات ومشاورات بين الأطراف المعنية لحل مشكلة المهجرين العالقين، شارك فيها بشكل خاص الجانبان الروسي والتركي، وهما طرفان في اتفاق أستانة الخاص بمناطق "خفض التصعيد". وتردد على لسان بعض ممثلي المهجرين أن الجانب التركي أبلغهم بأن الاتفاق المذكور لا يسمح بعمليات تهجير من ريف حمص الشمالي، الأمر الذي دحضته الوقائع، بدليل عدم اعتراض الجانب التركي على اتفاقات التهجير المعلنة منذ أيام في ريف حمص الشمالي، إضافة إلى تهجير منطقة الغوطة بريف دمشق المشمولة بدورها ضمن مناطق خفض التصعيد.

وفي هذا الإطار، قال الناشط الإعلامي، خضر العبيد، الموجود في ريف حمص الشمالي لـ"العربي الجديد"، إن اجتماعاً عقد أمس الخميس بين ممثلي الفصائل والجانب الروسي، واتفق الجانبان بموجبه على نقاط عدة، أبرزها عدم خروج أي قافلة من ريف حمص إلى الشمال السوري قبل أن يتم تأمين القافلتين السابقتين، وأن يتم تسجيل المدنيين الراغبين بالخروج مجدداً في المجلس المحلي التابع لمنطقتهم، على أن يتم خروج أفراد الفصائل العسكرية وأسرهم على دفعات، بعد التنسيق بين قائد الفصيل واللجنة المدنية للتنسيق. كذلك تم الاتفاق على تشكيل لجنة مدنية وعسكرية للتنسيق بين المجالس المحلية والفصائل العسكرية لترتيب قوافل الخروج من المدنيين والعسكريين.

من جهتها، أعلنت لجنة التفاوض في ريف حمص الشمالي أنّ الاجتماع مع الجانب الروسي عند جسر الرستن، تمّ خلاله الاتفاق على إخراج عناصر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) أولاً، وألا تخرج أي قافلة جديدة بدون خروج عناصر الهيئة، وكذلك نشر نقاط مراقبة للشرطة الروسية، وحلّ مشكلة الدخول إلى عفرين وجرابلس بين الأتراك والروس، وتأمين خروج آمن للقوافل بحماية وضمانة روسية، وكذلك تأمين مخيمات للمهجرين في إدلب وجرابلس.

وفي السياق ذاته، لفت العبيد إلى أنّ البند الخاص بـ"هيئة تحرير الشام" هو "مطلب روسي تمّ التوافق عليه بين "الهيئة" والجانب الروسي، ولا علاقة للجنة التفاوض به"، ما يعني أنه رغم توقّف خروج قوافل المهجرين خلال اليومين المقبلين ريثما يتم تجهيز أماكن لاستقبالهم في إدلب وريف حلب، سيتم خروج قوافل تخصّ مقاتلي "هيئة تحرير الشام" وعوائلهم إلى محافظة إدلب.

وكانت قافلة المهجرين الثانية من ريف حمص الشمالي، توجهت إلى مدينة إدلب عبر معبر "قلعة المضيق"، وذلك بعد منعها من دخول ريف حلب الشرقي. وتضم القافلة أكثر من 2800 شخص بين مقاتلين ومدنيين، تقلّهم نحو 60 حافلة، إضافة إلى خمس حافلات فارغة للطوارئ، وثلاث سيارات إسعاف تحمل جرحى.

كما مُنعت القافلة الأولى من مهجري شمال حمص، من الوصول لمخيمات الاستيعاب، رغم دخولها إلى مناطق سيطرة قوات "درع الفرات" منذ الثلاثاء الماضي. كذلك، يتعرّض المهجرون من جنوب دمشق لضغوط لمغادرة حلب نحو إدلب، بعد انضمام قافلة جديدة للأخرى العالقة على أطراف مدينة الباب شرق حلب منذ الاثنين الماضي، وسط حالة إنسانية صعبة، مع تواصل منعهم من الدخول من قبل السلطات التركية.

وتضم القافلتان من جنوب دمشق نحو 1800 شخص يعانون أوضاعاً إنسانية صعبة وإرهاقاً شديداً لا سيما الأطفال والنساء، بسبب السفر والانتظار الطويل داخل الحافلات لمدة تقترب من ثلاثة أيام، في حين سمحت السلطات التركية بمرور سبع حالات مرضية فقط إلى مدينة الباب.

وكان ممثلون عن المهجرين اجتمعوا مع ضابط روسي على الحاجز المتوقفة عنده الحافلات، حيث أخبرهم أن السلطات التركية لم توافق حتى الآن على دخولهم إلى شمال حلب، وقالوا إن الجانب الروسي وعدهم بإنشاء دورات مياه وتأمين مياه شرب وغذاء للمهجرين.

وتقول السلطات التركية إن مراكز الاستيعاب الموجودة لم تعد تتسع لأي قادمين جدد وتتهم الجانب الروسي بعدم التنسيق معها في هذا الشأن. كما تشير إلى حدوث "خلخلة" بالوضع الأمني في المنطقة، بسبب إرسال المزيد من القوافل إلى المناطق التي تشرف عليها، بدون منحها الوقت الكافي للتدقيق في هوية المهجرين، وما إذا كان بينهم عناصر أمنية خطرة، مع تردد معلومات بأن إحدى القوافل التي عبرت حاجز "أبو الزندين" كان على متن إحدى حافلاتها 3 عناصر من "جبهة النصرة" وبحوزتهم أحزمة ناسفة، ما استدعى توقيف القافلة.

وسبق أن منعت السلطات التركية قوافل عدة تقل مهجرين من الغوطة الشرقية من الدخول إلى مناطق "درع الفرات"، نتيجة عدم التنسيق معها، لكنها سرعان ما تراجعت عن القرار، نتيجة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية.

واعتصم اللاجئون الفلسطينيون المهجرون من بلدات جنوب دمشق (يلدا، ببيلا وبيت سحم) إلى الشمال السوري، الأربعاء، على مداخل مدينة الباب، احتجاجاً على مواصلة الجيش التركي منع دخول الدفعة الخامسة من مهجري جنوب دمشق، وغالبيتهم من اللاجئين الفلسطينيين، من دخول معبر "أبو الزندين" في مدينة الباب.

كما أطلق ناشطون نداء مناشدة للهلال الأحمر التركي من أجل العمل على تأمين الرعاية الطبية العاجلة للمرضى والأطفال الموجودين على متن الحافلات، والذين يحتاجون إلى الراحة بعد ساعات السفر الطويلة، إضافة إلى الأدوية والمتابعة الطبية.

وفي هذا السياق، قال الناشط الإعلامي، أبو أسعد الحمصي لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك الآن ثلاث قوافل من المهجرين عالقة عند آخر حاجز للنظام قبل مدينة الباب في ريف حلب الشمالي، اثنتان من جنوب دمشق يضمان نحو ألفي شخص، وثالثة من ريف حمص الشمالي تضم نحو 3000 شخص، إضافة إلى قافلة رابعة دخلت إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر في منطقة الباب، لكن لم يسمح لها بالتوجه إلى المخيمات حتى الآن".

وقد حاولت القوات الروسية المشرفة على تهجير الأهالي والمقاتلين من مدينة الرستن بريف حمص لشمالي، التنصّل من مسؤوليتها عن التنسيق مع الجانب التركي لاستقبال المهجرين، وطلبت من "هيئة التفاوض" في ريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي، التواصل بنفسها مع الجانب التركي للتنسيق حول دخول المهجرين، وفق ما ذكرت مصادر محلية في المنطقة.