المنظمة كما يراها فلسطينيو اللجوء

المنظمة كما يراها فلسطينيو اللجوء

20 يوليو 2015
(غرافيتي لـ بانكسي في غزة)
+ الخط -

"من كان مراهقا في مرحلة أوسلو سنة 1993 هو اليوم في العقد الثالث، فأية علاقة تربطه بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد؟"- عبر هذا السؤال يطرح إبراهيم عبد الله المقيم في الدنمارك منذ 21 سنة معضلة الفلسطينيين في الشتات.

خلال عقدين ظلت العلاقة ملتبسة بكثير من القلق والتشويش، "فهل المنظمة ذراع للسلطة أم العكس؟"- تسأل ابتسام غريري من أوسلو التي جاءت إليها بعد انتقال المنظمة من تونس إلى الداخل.

كثيرون يعبرون عن القلق وقليل من الثقة بإمكانية تطوير وإصلاح المنظمة، وخصوصا بين جيل الشباب الذين يقرأون الواقع قراءة غير تقليدية في العلاقة بين فلسطين وإمكانات وقدرات شعبها في كل مكان. وبعض هؤلاء لا يخفي رغبته في الذهاب إلى "عقد مؤتمرات في الشتات والداخل يشارك فيها الشباب لبحث مستقبل القضية وتمثيل فلسطين" وهو رأي تفاجئك به من برلين "أم محمد" التي خرجت من مخيم تل الزعتر ولم تقطع صلتها بالمنظمة "إلا بعد أوسلو".

"أم محمد" هي اليوم جدة لتسعة من الأحفاد تقول لـ"فلسطين/العربي الجديد": "هؤلاء يعرفون عن فلسطين وقضيتها أكثر منا. نحن حملنا السلاح وانتهى بنا الحال قبل 32 سنة هنا بسبب أخطاء كبيرة قامت بها المنظمة من دون إصلاح ولا إعادة تقييم للمسارات".


حالة جمود أم موات؟

يتوزع الشتات الفلسطيني عبر تجمعات حول العالم من دون أن يفقد صلته بقضيته، ولا حتى بالسؤال المتعلق بشعارات وسياسات المنظمة عبر تاريخها، فبرأي الدكتور جهاد يوسف المقيم في فنزويلا (والناشط في الفيدراليات الفلسطينية في أميركا اللاتينية) تعيش المنظمة اليوم "حالة جمود، إن لم نقل حالة موات منذ أوسلو".

ويعتبر يوسف أن "القوى الديمقراطية تحاول إحياء المنظمة لتكون ممثلا شرعيا وحيدا للداخل والخارج. لكن، السلطة والرئيس يستعملان المنظمة عند الحاجة ولأسباب تكتيكية ثم يتم ضربها بعرض الحائط. يجب إنهاء الانقسام وأن تأخذ المنظمة دورها من جديد في تمثيل كل الشعب".

الشاب الفلسطيني واللاجئ في السويد طارق جلبوط يرى أن "تجربة المنظمة تم إفشالها منذ أن صار تفرد في قراراتها بعيدا عن شعبها والمؤسسات التمثيلية، فمتى عقد اجتماع مجلس وطني ومتى جرت انتخابات حرة؟ يؤسفني القول إن معظم الفصائل أصبحت (خارج التغطية). ومن يمثلني اليوم هم شباب القدس المترصدون للاحتلال والأطفال الجائعون في مخيمات سورية".

خيبة أخرى يشعر بها هؤلاء الفلسطينيون الذين تحدثوا إلى "فلسطين/ العربي الجديد" عن مآلات الحالة التي وصلت إليها المنظمة وفصائلها، فالشاعر الفلسطيني ماجد درباس من ستوكهولم يقول: "لقد ساهمت المنظمة في وأد أحلامنا. وبالنسبة لي حتى تلك الفصائل أصبحت منتهية الصلاحية ولا أمل من إعادة البناء. كل تشكيلاتها لا تمثلني مثلما لا تفعل الحلول المجتزأة وهي أصلا حلول وضيعة ومستحيلة. أنا اليوم أمثل نفسي فقط".

تلك الخيبة لا ترتبط فقط بمن عايش الفصائل والمنظمة، بل تجدها عند من ولد في الغرب، ومن أمهات غير فلسطينيات، وهم يرتبطون بالقضية الفلسطينية بوعي آخر كما في حالة إميل نصار (22 سنة) في الدنمارك والذي يقول: "علينا نحن الفلسطينيين وخاصة الشباب أن نسعى إلى حركة ثورية حقيقية كحركة تحرر لا تعتمد على وعود كاذبة بل تمارس الكفاح بعيدا عن الغرق في المساومات السياسية الفاشلة".

كثيرون أيضا يربطون بين موقفهم من المنظمة وموقف فصائل الأخيرة مما جرى للشتات الفلسطيني في مخيمات سورية، وهو ما تفعله ميسون الشهابي من ألمانيا حيث تقول: "الحدث الكارثي الذي حل بنا منذ سنوات في سورية أشار إلى إجماع على العجز عند المنظمة وفصائلها، وحتى التي هي خارج تركيبة المنظمة". لكن ميسون لا ترى البديل سوى في "إعادة بناء مؤسسات المنظمة على أسس حقيقية تمثل كل الشعب لتستعيد دورها التاريخي وليأخذ الشباب الفلسطيني دوره بدل العجز عند قيادات مترهلة".

ولا يختلف موقف أحمد خطاب في هولندا عن موقف ميسون كثيرا مما حدث للاجئين في سورية، لكنه أيضا يرى أن "المنظمة ببنيتها الحالية لا تعبر عن آمال وتطلعات الشعب، ومن المفترض الدعوة إلى مؤتمر وطني شعبي بعيدا عن القيادات الحالية لانتخاب ممثلين حقيقيين للشعب".

المسرحي الفلسطيني في السويد منصور السلطي ورغم أنه يرى المنظمة كإجابة على "فقدان الفلسطينيين لأرضهم وحلمهم بالاستقلال" إلا أنه يرى مشكلة كبيرة في " تقسيم الشعب وانقسام الفصائل أيديولوجيا، وذلك أفقدها تفوقها الأخلاقي كحركة تحرر وطني. لا أرى بأن الشعب قادر على ابتداع كيان سياسي بدون اجتراح مشروع وطني جامع، فكل الكيانات القائمة لم تعد تمثل الفلسطينيين وحقوقهم التاريخية".

المهاجر الفلسطيني مراد أبو رومي، وهو من العيزرية في القدس المحتلة، ربط أيضا بين "أوسلو وفشل المنظمة". ويدعو أبو رومي إلى "مؤتمر شعبي بعيدا عن إفرازات أوسلو والقوى التي أيدت الطغاة في المنطقة، وهذا أمر ممكن الحدوث".

ومن السويد يربط محمد الشهابي بين "انتهاء المنظمة" و"غياب القادة التاريخيين أمثال ياسر عرفات وجورج حبش وصلاح خلف، وبروز تيارات دينية قوية ومؤثرة كحماس والجهاد. وتقاعس المنظمة عن حماية شعبها جعل الكثيرين في الشتات ينظرون إليها بأنها منظمة لم تعد تمثلهم، لكن الظروف الدولية لن تسمح أيضا بإيجاد بدائل وكيانات أخرى".

أصبحت مجرّد غطاء للسلطة
في نفق "العملية السياسية"
يرى الأكاديمي والباحث في جامعة فلورنسا في إيطاليا أحمد قاسم حسين أنه "بعد أن كانت المنظمة وطنا معنويا دخلت في نفق ما يسمى العملية السياسية. وهي اليوم مجرد غطاء للسلطة لتمرير قرارات معينة، والسلطة ابتلعت المنظمة. أتمنى إعادة تأسيس المنظمة لتكون ممثلة لكل الشعب بعيدا عن المحاصصة مع حماس والجهاد".

الشاب الفلسطيني محمود زغموط، وهو لاجئ من مخيم اليرموك، يقول: "المنظمة بالنسبة لي انتهت، ومن يمثل الشعب هو القوى الفلسطينية القادرة على تبني الحقوق في العودة إلى فلسطين من بحرها إلى نهرها، وليعقدوا مؤتمرا وطنيا جامعا لنرى من يمثل الشعب والقضية".

الكاتب الفلسطيني حسين ديبان في بانكوك في تايلاند يقول: "منظمة التحرير الفلسطينية كانت وما زالت المكسب الأكبر الذي حققته ورسخته مسيرة النضال الوطني الفلسطيني والتضحيات الجسام لتلك المسيرة لتكون العنوان السياسي والوطني والتمثيلي الوحيد للفلسطينيين.

إنها وطن بكل ما تعني كلمة وطن من معنى، وإن حاول طرف متنفذ أن يصادرها لحسابه ومصالحه بذريعة الشرعية الثورية والتاريخية أو حاول طرف آخر تقاسمها مع الطرف الأول بذريعة الشرعية الدينية فهذا لا يقلل من أهميتها ولا يجعلنا نهيل عليها التراب... أزمة منظمة التحرير الحالية هي نتاج لعمل فصائلي عصبوي شللي تاريخي يُقدم مصلحة الفصيل والحزب على مصلحة الوطن والشعب وإن استطاع الشعب الفلسطيني تجاوز ذلك من خلال ربيع فلسطيني ناعم في الداخل والخارج يرفض أصحاب ومروجي المحاصصة والتعامل مع شبه الوطن الناشئ (الضفة وغزة) والوطن التمثيلي (المنظمة) بوصفه مجموعة عقارات قابلة للتقاسم والتقسيم، فإن ما تبقى من المنظمة يمكن البناء عليه وتطويره وتفعيله من جديد ليأخذ دوره المنوط به والذي كانت من أجله، ألا وهو الوصول بالشعب الفلسطيني وقضيته إلى بر الأمان حيث الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافيا والقابلة للحياة وتقرير المصير وحل كل الملفات العالقة في حياة هذا الشعب".


إعادة تفعيل المنظمة غير ممكنة
بشكلها القديم أو بآلياتها القديمة
أمل من مواليد فلسطين وتعيش الآن في الولايات المتحدة وتعمل محاضرة في الأدب المقارن في إحدى الجامعات الأميركية، وتفضل استخدام اسمها الأول فقط، تقول لـ"فلسطين/العربي الجديد":

"في الماضي كنت أسمع عن منظمة التحرير في حديث الكبار عن البطولة والمقاومة والاسم المحظور الذي كان يعتقل شباب البلد لكتابة رموزه على الحيطان.. وفي أيام محادثات أوسلو و"شرعنة" المنظمة كنت أرى رجالاً ببدلات رسمية وحنان عشراوي يجلسون على نفس الطاولة مع سياسيين إسرائيليين.

كنت أشاهد التقارير عن المقابلات في التلفزيون الإسرائيلي وأتساءل إن كان أعضاء المنظمة يعرفون العبرية وأشك في قدراتهم على إدراك دهاء السياسي الإسرائيلي وقدرته الخطابية. بعد أوسلو أصبحت المنظمة - في نظري - شركة لرجال أعمال بكروش وربطات عنق يديرون الكازينوهات والفنادق وأصحاب امتيازات خاصة منها تناول وجبات السمك في يافا دون الحصول على تصاريح خاصة وتدريس أولادهم وبناتهم في جامعات خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا.

لا أحد يمثّل القضية الفلسطينية اليوم غير الفلسطينيين/ات وقصصهم/ ن وذاكرتهم/ هن أينما كانوا/ كن. القيادة "الوطنية" الحالية فاشلة ولا تمثّل إلا فشلها. انتقال منظمة التحرير من مشروع المقاومة المسلحة إلى المفاوضات السياسية في أجواء نيو- ليبرالية أنتج خللاً بنيوياً لا يمكن إصلاحه إلا بحل جذري يقضي بحل السلطة الفلسطينية".

أما عبد الحميد صيام، وهو من مواليد فلسطين ويعيش في الولايات المتحدة ويعمل محاضراً في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة رتغرز في نيوجرزي وكاتب صحافي، فيقول:

"منظمة التحرير هي الإطار الجامع لكافة أطياف الشعب الفلسطيني والذي يضم إلى جانب فصائل المقاومة منظمات المجتمع المدني والاتحادات والنقابات المهنية والشخصيات الاعتبارية المرموقة. وقد أنشئت بناء على الميثاق القومي الفلسطيني الذي أقر سنة 1964 ثم تم استبداله (أو تعديله) بالميثاق الوطني الفلسطيني سنة 1968 عندما قررت حركة فتح دخول المنظمة "لتثويرها" كما قيل آنذاك.

والأساس الذي أقيمت عليه المنظمة هو التحرير أي تحرير الأرض وبناء دولة فلسطين الديمقراطية لكافة أبنائها دون تمييز قائم على الدين أو اللون أو الجنس أو الوضع الاجتماعي. كما حدد الميثاق مبدأين أساسيين: أولاً، أن التحرير يتم بالكفاح المسلح وهو إستراتيجية وليس تكتيكا، وثانياً، أن الاحتلال الصهيوني لفلسطين باطل من أساسه مهما تقادم عليه الزمن.

بنظرة إلى مسيرة المنظمة نجد أن القيادة المتنفذة فيها عملت على هدم المضمون وإبقاء الشكل الخارجي. تحولت المنظمة مع مرور الزمن إلى جهاز رخو لا حل فيه ولا ربط ولا محاسبة ولا مساءلة. وكلما تعثرت القيادة في تمرير تحول سياسي جديد عن طريق الفصائل التجأت إلى إطارات المنظمة ومررته عن طريق المجلس الوطني الفلسطيني الذي تم تعويمه بشخصيات موالية للقيادة دون أية معايير لضم هذا الشخص أو ذاك.

فعن طريق المجلس الوطني اعتمد برنامج النقاط العشر سنة 1974 وهو أول تخلّ رسمي عن هدف التحرير، ثم اعتمد البرنامج المرحلي سنة 1978 القائم على قيام دولة فلسطينية مستقلة وبالتالي القبول بمبدأ حل الدولتين والذي يعني في جوهره قبول حق إسرائيل في 78% من فلسطين. واستمرت سلسلة التنازلات وصولا إلى دورة المجلس الوطني التاسعة عشرة سنة 1988 والتي أقرت رسميا بحق إسرائيل في الوجود في حدود آمنة معترف بها، والتخلي عن الكفاح المسلح والعنف الذي نُعت بأنه إرهاب، والقبول بمبدأ المفاوضات على أساس قراري مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973).

هذه الدورة عقدت ضمن ضجة مفتعلة تحت مسمى إعلان استقلال الدولة الفلسطينية للتغطية على الاعتراف والتخلي عن الكفاح المسلح والتخلي عن مبدأ التحرير. وقد رفع يومها علم الدولة المستقلة داخل قاعة في الجزائر والحناجر تهتف والدموع تنزل والإصبعان الشهيرتان تنفرجان بإشارة النصر، لكن على أرض الواقع لم تقم الدولة المستقلة لحد الآن.

إن إعادة تفعيل المنظمة غير ممكنة بشكلها القديم ولا بآلياتها القديمة. هناك فصائل أساسية ولدت وكبرت وتضخمت بعد إنشاء المنظمة، فهل يعاد البناء بدون تلك الفصائل؟ كما أن هناك فصائل داخل المجلس الوطني كانت تحصل على نصيب من التمثيل إرضاء للدولة التي تمثلها، وبعض تلك الفصائل انتهى ولم يعد موجودا وبعضها تقزم إلى درجة الذوبان.

فهل نبقى نتحدث عن زمن مضى لنعيد إنتاجه بطريقة مسخ، أم نعيد النظر في الواقع الذي نعيشه الآن بما فيه من خراب وانهيار بنيوي جذري، ونحدد ما هو المطلوب فلسطينيا وما هو الهدف الذي يمكن أن تلتف حوله غالبية الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده، ثم يتم تحديد الوسائل التي تحقق ذلك الهدف وانتخاب قيادة واسعة مؤمنة بالهدف ومقتنعة بأن تلك الوسائل التي اتفق عليها قادرة على تحقيق ذلك الهدف في زمن معقول؟ بعد ذلك تبدأ مرحلة حشد الجهود وتعبئة كافة قوى الشعب الفلسطيني والعالم العربي والقوى الدولية المناصرة من أجل تحقيق ذلك الهدف.

عندما تصاغ المنظمة بطريقة يتغلب فيها المضمون على الشكل لا يهم ماذا نسمي العملية أهي إصلاح القائم أم بناء شكل جديد تماما. هذه مهمة لا تحتمل التأجيل 27 سنة أخرى، وهي المدة التي انقضت على آخر جلسة للمجلس الوطني سنة 1988 والتي أقرت حل الدولتين، مما فتح المجال أمام الكيان أن يستقر في جزئه ويعمل على قضم الجزء الآخر كما أثبتت لنا وللعالم الاتفاقية الكارثية في أوسلو سنة 1993 والتي ولدت من رحم مؤتمر الجزائر سنة 1988. وإذا كان مؤتمر الجزائر يعتبر رسميا أول اعتراف بالتخلي عن الميثاق كما قال ياسر عرفات في باريس جملة باللغة الفرنسية واصفا الميثاق بأنه "كادوك" أي عفا عليه الزمن، فإن اتفاق أوسلو يمثل مراسم الدفن للميثاق".

المساهمون