الممانعون والعدوان
السيسي بات نموذجاً، وخلاصاً بالنسبة إلى الممانعين (فرانس برس)
في خضم الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة، والتواطؤ العام في التغطية على الجرائم الإسرائيلية، إقليمياً ودولياً، يبرز الصمت الرهيب والمريب لـ "دعاة المقاومة"، الذين اتخذوا من هذا الشعار ذريعةً كبرى، على مدى السنوات الثلاث الماضية، للوقوف في وجه الثورة السورية ومطالب الشعب، باعتبارها مؤامرة جاءت لتدك عرش الممانعة العربية، المتمثلة، بحسب وجهة نظرهم، في نظام الرئيس السوري، بشار الأسد.
أين هم هؤلاء اليوم مما يشهده قطاع غزة، باستثناء بيانات التنديد والاستنكار التي تضعهم في مساواة دولٍ كانوا في السابق ينتقدونها، ويضعونها في خانة "دول الاعتدال العربي"؟. اليوم، ما عاد هناك مجال للمعايرة، طالما أن الطرفين باتا سواء في التنديد، بل ربما أسوأ من ذلك، وخصوصاً أن نظرياتٍ بدأت تظهر لتبرير العدوان، أو، على الأقل، وضعه في سياق ما يتمناه هؤلاء.
إضافة إلى الصمت المطبق للنظام السوري، الذي اكتفى ببيان إدانة في بداية العدوان، ولم يكرر أي موقف، كان لافتاً غياب حزب الله اللبناني عن المشهد. لم يحضر إلا ببيان إدانة باهت. حتى حوادث إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على فلسطين المحتلة، وقف الحزب تجاهها محايداً، لم يتبنـّها أو يشجعها، وفي الوقت نفسه لم يشجبها. بعد جمهوره فقط، احتل موقع التواصل الاجتماعي لإدانة "الصواريخ المشبوهة"، مع اتهام ضمني لحركة "حماس" بمحاولة تخفيف الضغط عن غزة بفتح الجبهة اللبنانية.
لكن مثل هذه المحاولة، في نظر الممانعين، لن تفلح، أنهم "يقرأون بدقة" أهداف العدوان وغاياته، ومن هو المستهدف الأساسي منه. هذا ما كتبه أحد عتاة الممانعين، الكاتب الأردني ناهض حتر، الذي رأى أن الهدف الأساسي من العدوان الإسرائيلي، الذي يحدث بالتواطؤ مع "حماس"، هو استهداف الدور المصري في المنطقة، ومحاولة إعادة كبح الاندفاع المصري نحو استعادة الريادة إقليمياً. هذا كان ملخص ما رآه حتر في دك المنازل في غزة، وفي سقوط مئات الشهداء والجرحى. المستهدف بنظره هو نظام عبد الفتاح السيسي.
السيسي بات نموذجاً، وخلاصاً بالنسبة إلى الممانعين، خلاصاً ليس من "الاستعمار الإسرائيلي والاحتلال"، الذي يقولون إنه هدفهم الأساسي، بل من الثورات الشعبية، وأي احتمال لقيامها مجدداً. هو المخلص من الأرق، الذي شكلته الثورات لعروشٍ، بنوها بعناوين فارغة.
لا ندري، اليوم، كيف ينظر هؤلاء الممانعون إلى المبادرة المصرية للتهدئة، وإلى الدور الذي يريدون لمصر أن تلعبه في المستقبل. ربما هذا هو الدور الذي يرونه لمصر، بعدما كانوا، في السابق، يخشون توسع نفوذها الإقليمي، على حساب دول أخرى. الآن ربما اطمأنوا. مصر عادت إلى ما هو أسوأ من المباركية، لكن، هذه المرة بمباركة الممانعين ورضاهم.