الملك فاروق أم السيسي؟

الملك فاروق أم السيسي؟

27 اغسطس 2014
+ الخط -

خالف الملك فاروق وجهةَ حكومته، برئاسة محمود فهمي النقراشي، وأصرَّ على مشاركة الجيش المصري في القتال في فلسطين في حرب 1948. كان القرار أن يُكتفى بالسماح لضباط وجنود متطوعين بالسفر إلى فلسطين، ووضع قسمٍ من الجيش في معسكرات العريش القريبة من الحدود، للدفاع عن سيناء عند الحاجة. سلك الملك كل ما في وسعه، من أجل أن تحارب مصر في فلسطين، على الرغم من ممانعةِ النقراشي الشديدة. نجح، فحاربت مصر. ومن تفاصيل عديدةٍ في هذا الأمر، أن حزمةَ أسبابٍ كانت لدى الملك وراء حماسه ذاك، منها أن يبني لنفسه زعامةً عربيةً، ومعرفته بأن الشعوب العربية لن تغفر لمن يتقاعس عن خوض الحرب، وأيضاً، منازعة جماعة الإخوان المسلمين التي أرسلت ثلاثة أفواج من المتطوعين من مصر إلى فلسطين للقتال.
ليس ثمّة أبله واحد في الأرض توقع من الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يعمد إلى إعمال معاهدة الدفاع العربي المشترك، فيأمر بمشاركة الجيش المصري في الدفاع عن الفلسطينيين في غزة، وهم يتعرضون إلى العدوان الإسرائيلي. ومعلومٌ أن تلك المعاهدة مودعةٌ لدى جامعة الدول العربية، منذ إقرارها في 1950، ووقّعت عليها المملكة المصرية، وتعد ملزمةً لأي سلطةٍ حاكمةٍ في القاهرة، تعلن التزامها بالمعاهدات والمواثيق التي صادقت عليها مصر. ولكن، كان في وسع الرئيس السيسي أن يكون سياسياً حصيفاً، فيستثمر العدوان على غزة، فيصنع لنفسِه بعض رضىً لدى الرأي العام العربي، ويبني لنفسه موضعاً مقدّراً، بعض الشيء، بين أترابه الحاكمين العرب، وأن يرمي الإخوان المسلمين بحجر ثقيل أيضاً.
نقرأ أن الملك فاروق أبلغ وكالة أنباءٍ أجنبية، قبل أيام من حرب 1948، أنه سيمدُّ الإخوان العرب بكل مساعدةٍ عسكريةٍ وماليةٍ واقتصاديةٍ، ولن يقبل أن تقوم دولةٌ صهيونيةٌ على أرض مصر، وإنه لا بد من استعمال القوة. أما الرئيس الراهن لمصر، فإن سلطته آثرت استضعاف الغزيين، وتوظيف دمائهم للتأليب ضد حركة حماس، بزعم أنها التي تسبّبت بالعدوان، وذلك كله لحساباتٍ هابطةٍ لدى هذه السلطة، في خصومتها مع الإخوان المسلمين. ويبعث على أسىً عظيم، ويجرح الوجدان العربي العام، أن ترتضي مصر لنفسها أن تكون وسيطاً بين الفلسطينيين، وهم تحت النار، والإسرائيليين المعتدين. وليت هذه الإدارة كانت وسيطاً فحسب، بل دلَّ شحوبُ أدائها على بؤس دور البوسطجي الذي قامت به. ويحدث هذا، رأي العين، فيما كلام صبية الشاشات المصرية عن أمن مصر القومي كثير، ويجعلنا نقلق على راحة نفس لويس عوض الذي قال إن حدود أمن مصر القومي تبدأ عند جبل طوروس، وقد وجدناه أمناً مقصوراً على التشفّي من محمد بديع.
كان في وسع نظام السيسي أن يفرض على إسرائيل المطالب الفلسطينية بشأن غزة ومينائها ومطارها ومعابرها وأمن ناسها، في مفاوضات التهدئة ووقف إطلاق النار، لأن أوراقاً ثمينة بيديه، منها العواطف الفيّاضة التي تمحضها له المؤسسات، الأمنية والعسكرية والسياسية في إسرائيل، ومنها أن هذه كلها ترى فيه مباركيّة عائدة، لا قلق منها. ومنها أن تيسير حال قطاع غزة وناسه، وتأمين عيشهم، واحترام كراماتهم، مفاعيل تحمي مصر من كل تحسّبٍ تحذر من قدومه من هناك.
خسر نظام عبد الفتاح السيسي فرصةً كانت ستؤمن له بعض ما يعينه على ستر عوراتٍ شائنةٍ في أدائه السياسي والقومي والدبلوماسي، لكنه فضّل أن لا يرى قدّامه غير الإخوان المسلمين، وليته خاصمهم بكيفيةٍ أخرى، شبيهةٍ بالتي كانت في ذهن الملك فاروق، لمّا اتخذ قراراً بأن تقاتل مصر في فلسطين، من دون حاجةٍ إلى معاهدة دفاع عربي مشترك، يُقال، والله أعلم، أن السيسي قد يعمَد إلى استخدامها إذا ما عنَّ له أن يحارب قريباً ... علناً في ليبيا.
   
  

358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".