من الدرجة الثانية إلى المنافسة على لقب البوندسليغا، هكذا هي مسيرة الصاعد الواعد لايبزيغ، الفريق الصغير الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى هذا الموسم، ويبتعد فقط عن الصدارة بأربع نقاط، ليتحول سريعا إلى النموذج الذي تتحدث عنه كل وسائل الإعلام في ألمانيا، خصوصا مع الحالة المادية القوية لهذا النادي المرتبط كليا بمجموعة "ريد بول" العملاقة، ما يعني أننا أمام منافس لن يكون سهلا أمام الجميع.
الأبغض!
يتحدث رافائيل هونغستين، الصحافي المختص بشؤون الكرة الألمانية، عن نادي ريد بول لايبزيغ واصفا إياه بالنادي الأبغض في ألمانيا، نظرا لأنه نادي اقتصادي بحت من وجهة نظر الجماهير، ويسير وفق قواعد الكرة الحديثة، من خلال وجود رجل غني على رأس الإدارة، يجلب أي لاعب يريده الجهاز الفني، ويستطيع رفع رواتب النجوم دون مشاكل، وفي النهاية يمثل هذا الفريق جزءا من ثروته الضخمة، مجرد استثمار آخر للمجموعة المالية.
هاجمت جماهير دورتموند خصمها لايبزيغ خلال مباراة الفريقين، ووصفته بأنه دخيل على كرة القدم، نظرا لحداثة تأسيسه في عام 2009، وعللت ذلك بأن تواجد هذه النوعية من الفرق تضر في النهاية باللعبة التي خلقت للجماهير. لكن أولي هونيس، رئيس بايرن، كان له رأي آخر، معبرا عن رضاه عن تجربة هذا الفريق الصاعد، ومشددا على أهمية زيادة التنافس في البطولة الألمانية.
لايبزيغ هي ثاني أكبر مدينة في ولاية ساكسونيا، شرق ألمانيا، ولم يحصل فريقها المحلي على شهرة كبيرة منذ هبوطه في مطلع التسعينات، لينسى جمهور هذه المدينة الكرة نوعا ما، حتى بدأ مستثمرو ريد بول في الدخول إلى دهاليز الكرة الألمانية، وذلك بعد نجاح تجربتهم النمساوية مع سالزبورغ، ليكون فريق أر بي هو الهدف الجديد، ويصعد سريعا من الدرجات الدنيا إلى دوري الكبار، لكنه صار في مرمى نيران جماهير الكرة هناك، مع الهجمات المتواصلة من طرف مجموعات الأولتراس، الأناركية الكارهون لكل ما هو مرتبط بـ"المودرن فوتبول"!
تكتيك راديكالي
رغم اليمينية الواضحة لهذا الفريق اقتصاديا، إلا أنه يلعب بشكل يساري واضح تكتيكيا، من خلال الضغط المتواصل على المنافس، ومحاولة قطع الكرة في منتصف ملعبه، بالإضافة إلى التحرك كالحيوانات المفترسة طلبا للكرة دون توقف، إنهم يلعبون براديكالية خططية مضاعفة، تمتاز بالقوة والسرعة والصلابة في التحولات من الدفاع إلى الهجوم والعكس.
أمام دورتموند بالدوري، لعب لايبزيغ بتكتيك متوازن قائم على إغلاق كافة المنافذ نحو مرماه، بالإضافة إلى محاولة غلق زوايا التمرير أمام لاعبي بروسيا، بصعود 4 لاعبين دفعة واحدة إلى منتصف ملعب الضيوف، ما يعني صعوبة خروج الهجمة من الخلف إلى الأمام، لتنكسر أولى نقاط قوة الفريق الآخر، ألا وهي الهجوم المنظم.
يضغط لايبزيغ بثنائي في العمق مع ثنائي آخر على الأطراف، لمراقبة الظهيرين وتضييق الخناق على قلبي الدفاع. وفي حالة مرور الكرة من هذا الرباعي المتقدم، يأتي دور لاعبي الارتكاز في الصعود برفقة ثنائي الأطراف، وتطبيق الكماشة نفسها لكن في منطقة المنتصف، أي يجمع الفريق بين 4-2-4 هجوميا و4-4-2 أثناء الضغط، ثم 4-6-0 في الحالة الدفاعية الكاملة. تكتيك بهذه المرونة من الصعب الوقوف أمامه، كما حدث لفريق توخيل في بداية البوندسليغا.
اللعب العمودي
مع اتهامات البعض بالتطفل على الدوري الألماني، إلا أن لايبزيغ مفعم بكل مبادئ وقواعد الكرة في الأراضي المحلية، لأنه فريق يجيد بشدة لعب المرتدات، ويستفز منافسيه الأقوياء بكسر استحواذهم، وتطبيق مصيدة الضغط المتوسط القائم على وجود أكثر من خط دفاعي، بمجرد المرور من واحد فإنك تصطدم بالآخر، على طريقة الأتليتي في إسبانيا وأوروبا.
الدفاع قرار لكن بدون تسجيل الأهداف لن تأتي البطولة، لذلك يعتمد المدرب النمساوي رالف هازنهاتل على استراتيجية اللعب العمودي المباشر، الذي يشتهر بقلة عدد التمريرات، مع اتجاه اللعب طوليا من الخلف إلى الأمام دون توقف، أي يصل هذا الفريق إلى المرمى معتمدا على الاتصال السريع بين الدفاع والهجوم مرورا بوسط ناجح في التحولات.
ومع ذكر المدير الفني يجب وضع خطوط عريضة تحت كلمة المدير الرياضي، وبالتحديد رالف رانجنيك، الرجل الخبير الذي له صولات وجولات مع أندية ألمانيا، وبعد ابتعاده عن التدريب لفترة بسبب الإرهاق، عاد مع إمبراطورية ريد بول، ليصبح المدير الرياضي لفرقها، بسبب الثقة العمياء في فكره وشخصه من قبل الملاك، وخبرته العريضة في أمور الكرة، لدرجة أنه أحد المرشحين لتولي تدريب المنتخب الإنكليزي بعد أزمة سام ألاراديس الأخيرة.
"من الصعب تحقيق اللقب الآن، لكننا نسعى منذ اليوم الأول لتثبيت أقدامنا بين الكبار، ونعد الجميع بأننا سنكون خصما صعب المراس مهما كانت العقبات"، يتحدى رانجنيك كل العمالقة بكلمات واثقة، لأنه يعرف جيدا الدعم اللامحدود الذي يجده، في موسم سيكون متاحا أمام كل المتسابقين، في انتظار المفاجأة الصاعقة.