المقاومة تعيد خلط الأوراق العربية

22 يوليو 2014
+ الخط -
منذ انطلاقة ثورات الربيع العربي، وما نتج عنها من هروب الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، إلى السعودية، والزيارة الشهيرة لوزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، إلى مصر في آخر أيام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وما تلا ذلك من دعم إماراتي سعودي للثورات المضادة، والأزمات تتصاعد في المنطقة، ويتصاعد معها الحنق والغضب الشعبي على سياسات هاتين الدولتين في الدول العربية. وتؤيد الدولتان سلطات الانقلاب في مصر، التي تعمل، بكل جهدها، للتضييق على الحركة، عبر استمرار إغلاق معبر رفح، والذي يعتبر المتنفس الوحيد لأهل القطاع المحاصر، وما قامت به من هدم للأنفاق، بالإضافة إلى الهجمة الإعلامية المستمرة ضد الحركة والشعب الفلسطيني. 

وللأسف، فإن سياسيين ومحللين إسرائيليين باتوا يتحدثون علناً عن دعم دول عربية حربهم على غزة، ما يساهم في تعزيز قناعة عربٍ كثيرين، يعتبرون أن "اسرائيل" تشن حرباً بالوكالة عن بعض الدول العربية، في محاولة لتحجيم حماس في غزة، بعد اعتقال قادتها وعدد كبير من كوادرها والتضييق على مؤسساتها في الضفة الغربية. وذلك كله يأتي بالتزامن مع الحملة التي يقودها الحلف الإماراتي السعودي، الذي يهدف إلى القضاء على الإسلاميين في المنطقة.

التصريحات الإسرائيلية، والاتهامات التي يوجهها الجمهور العربي، وخصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي الى السعودية والإمارات، بدعم العدوان على غزة، قد لا ترقى إلى مستوى الحقيقة، لكن الحراك العربي الرسمي بعد بدء العدوان، يعكس موقفاً متخاذلاً من دولٍ عربية تظهرُ وكأنها تعطي الاحتلال وقتاً كافياً في محاولته قصم ظهر حركة حماس وفصائل المقاومة، وهو ما فشل فيه الاحتلال، حتى الآن، على الرغم من الغطاء العربي والدعم الدولي الواسع. أكثر ما يتجلى الغطاء العربي في المبادرة المصرية التي تساوي بين الجلاد والضحية، والتي لا تنص إلا على وقف إطلاق النار، متجاهلة دماء الشهداء وتضحيات المقاومة والشعب الفلسطيني، وقد ظنت مصر، ومعها دول الاعتدال العربي التي أيدت المبادرة، أن حماس وبقية الفصائل ستقبل بها سريعاً، تحت ضغط القصف الجوي والبري والبحري أو الحرب البرية. ولكن، خاب ظنهم على عتبة صمود المقاومة، ورفضها أية مبادرةٍ، لا تحقق شروط الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها رفع الحصار على غزة. فإن كانت اسرائيل، ومعها بعض الدول العربية، تهدف إلى تركيع حماس، فإن المقاومة تهدف إلى رفع رأس الشعب الفلسطيني والعربي.

بعض الدول العربية التي راهنت على دور مصريٍّ في غزة يعزز شرعية السلطات الانقلابية إعلاميّاً، خصوصاً بعد إخفاقها في حلّ المشكلات الداخلية، اصطدمت بفشل جديد تمثّل في سوء إدارة مصر هذا الملف، ما دفع الفلسطينيين والعرب إلى مقارنة الأداء الحالي لمصر بأدائها في أثناء حكم الرئيس المعزول، محمد مرسي. فرق كبير بين من يدعو إلى وقف العنف المتبادل ومن يحذر من غضبة الشعب والقيادة، وهذا ما أدى، أيضاً، إلى دخول دولٍ عربية إلى المعادلة، كانت دولٌ عربية أخرى كثيرة قد حاولت تحجيم دورها بسحب السفراء وتشويه صورتها في أذهان الشعوب العربية، وهذه الدول، وتحديداً قطر وتركيا، يتمثل نجاحها في أنها دائماً ما تتبنى خيارات الشعوب، والجاهل يعرف، اليوم، أن قلوب الشعوب العربية كلها تنبض مع غزة ومقاومتها، فاختارت هاتان الدولتان دعم مبادرة المقاومة التي تنص على وقف إطلاق النار، ورفع الحصار عن غزة بشكل كامل، بالإضافة إلى الإفراج عن أسرى صفقة وفاء الأحرار، والمعتقلين في سجون الاحتلال، وخصوصاً رئيس المجلس التشريعي وقيادات حركة حماس والمقاومة، وغيرها من البنود الأساسية التي تتعلق بحفظ كرامة الشعب الفلسطيني.

لم يعد أمام الدول العربية، اليوم، لتحفظ ماء وجهها أمام شعوبها، ولتمحو من ذاكرة العرب بعض ما علق بها من اتهامات لها بالخيانة والعمالة والتآمر على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، إلا أن تقف مع مطالب المقاومة، وتتحرك جديّاً لوقف العدوان على غزة، وإلا فإن كل ما يحكى عن تواطؤ عربي مع الاحتلال الاسرائيلي سيتأكد حصوله، ما ينذر بغضب شعبيٍ، بدأت ملامحه تتشكل، وعندها لن يقتصر التعبير عن الرفض عند التغريد على تويتر أو فيسبوك، بل سيتحول الأمر إلى مسيرات وتظاهرات شعبية، بدأت في الداخل الفلسطيني ومصر وتونس، وستنتقل عدواها إلى بقية الدول العربية.

avata
avata
يحيى خيرالدين (لبنان)
يحيى خيرالدين (لبنان)