المقاومة تحبط مخططات العدو

على الرغم من حجم الخسائر البشرية والمادية التي ألحقها العدوان الصهيوني بقطاع غزة، لا زالت عصابة الكيان تتمادى في جرائمها ضد المدنيين الفلسطينيين، أمام مرأى العالم ومسمعه، في تواطؤ مكشوف مع الاحتلال الصهيوني، ومن دون أن يتحرك زعماء العرب والمسلمين لوقف المجازر التي ترتكب في حق الأطفال والنساء والشيوخ. يجب ألا ننساق مع الحرب الإعلامية التي يشنها الصهاينة، ومن ورائهم من جماعات ضغط غربيةٍ داعمةٍ للمشروع الصهيوني، والتي تصور العمليات العسكرية الهمجية ضد المدنيين أنها موجهة ضد حماس، وهي، في حقيقة الأمر، عدوان غاشم على الشعب الفلسطيني بكل فئاته، وحرب إبادة ضد مدنيين عزل، يستخدم فيها الصهاينة أحدث الأسلحة الفتاكة، في مواجهة الفلسطينيين وقدرات مقاومتهم، التي لا يمكن أن تقارن، حسب المستوى المادي، بالترسانة العسكرية للعدو الصهيوني.
على الرغم من ذلك، استطاعت المقاومة الفلسطينية، بكل فصائلها، تلقين الاحتلال الصهيوني درساً في الصمود وروح القتال، جعلته يعيش في رعب مستمر، بفضل صواريخ المقاومة التي على الرغم من محدودية قدراتها التدميرية، إلا أنها هزت منظومة الأمن الصهيوني، وجعلته يبحث، بكل الوسائل، عن مخرج من المأزق الذي سقط فيه قادة الاحتلال، ما تجلى في التحركات الدبلوماسية الغربية والعربية، توجت بالمبادرة المصرية المشبوهة، والتي في حقيقتها مبادرة إسرائيلية، تخدم كيان الاحتلال، وتبناها النظام الانقلابي في مصر.
ما يروج له إعلام العدو الصهيوني، ومعه الإعلام المصري المتصهين، أن العدوان الهمجي ضد الشعب الفلسطيني يهدف إلى ضرب القدرات العسكرية، والبنية التحتية لحركة حماس، في حين أن الحقيقة أن ما يجري حرب إبادة موجهة ضد شعب أعزل بكامله، ولا أدل على ذلك من العدد الكبير للضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء الاجتياح الجوي والبري لقطاع غزة، والدمار الهائل في المباني السكنية والمستشفيات والمدارس، لأن هذا الشعب الأبي يحتضن المقاومة الوطنية الشريفة التي تسعى إلى تحرير الوطن من دنس الاحتلال، ولا يتنصل منها، فهي منه وهو منها.
إذن، الحرب على غزة جزء من الحرب الشاملة لكيان الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين وشعبها، لفرض الأمر الواقع عليه، والقبول بالاحتلال والعبودية، لكن الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني أفشل جميع المؤامرات الصهيونية والغربية. يبقى السؤال: ما هي دواعي شن العدو حربه مرّة أخرى على الفلسطينيين في قطاع غزة؟
قد يجد بعضهم في الرواية الصهيونية للعدوان مسوغ مقبول، وهي "الانتقام للمستوطنين الثلاثة الذين اختطفوا وقتلوا قبل أسابيع قليلة"، لكن هذه الرواية لا تصمد أمام حقائق الواقع، حيث أن العدوان جاء رد فعل على المصالحة الفلسطينية، بين حركتي فتح وحماس، أكبر فصيلين فلسطينيين، وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وقد أبدى قادة الاحتلال الصهيوني رفضهم القاطع هذه المبادرة الوحدوية، وكان رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، واضحاً عندما خيّر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بين السلام مع الاحتلال والمصالحة مع حماس، وعندما تأكد أن المصالحة الفلسطينية أصبحت حقيقة، وحظيت بتأييد دولي، سارع قادة الاحتلال إلى شن حرب عدوانية على غزة، في سعي إلى إفشال المصالحة وإعادة الانقسام إلى الصف الفلسطيني.
لا شك أن المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني في قطاع غزة هي امتداد للجرائم والحروب التي يشنها كيان الاحتلال، منذ اغتصب أرض فلسطين قبل 70 عاماً، وهجّر شعبها، وشرده خارج الحدود، ولن تكون الحرب الأخيرة، وستبقى إلى ما شاء الله أن تبقى، لكن التحوّل النوعي في هذه الحرب يتمثل في قدرة المقاومة الفلسطينية على إبداع أشكال جديدة من النضال المسلح، على الرغم من الحصار والإمكانات المتواضعة، استطاعت أن تخلق قدراً هائلاً من توازن الرعب، في حرب غير متكافئة عدداً وعدّة. لكن، كفاها أنها خلخلت منظومة الأمن التي أقامها الصهاينة، لحماية كيانهم من الأخطار.
لا يجب أن نعوّل كثيراً على تحرك ضمير العالم الحر، لحقن دماء الأبرياء، ووقف حرب التدمير والإبادة، لأن الكيان الصهيوني يحظى على دعم القوى الكبرى، وحتى عندما يتحرك، فهو أشد ما يكون حرصاً على أمن الكيان الصهيوني، إنما نعول على الوعد الإلهي بنصر عباده المجاهدين الصابرين.