المقاومة تبعث روح الأمة

20 يوليو 2014
+ الخط -

من الواضح أن وقوع الاعتداء الغاشم على قطاع غزة، في هذه الظرفية، يوحي بأن الكيان الصهيوني لعب كثيراً على ورقة المتغيرات الجديدة التي طرأت على الساحة الدولية، وانشغل بها الرأي العام الدولي، سواء منها المتغيرات الفلسطينية الداخلية، خصوصاً حدث المصالحة الفلسطينية، وإقامة حكومة الوفاق الوطني بين حماس وفتح، أو المتغيرات الخارجية، المرتبطة، أساساً، بالأحداث الواقعة في بعض الأقطار العربية، وخصوصاً الجارة مصر، التي تتوج الانقلاب فيها بإعلان المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً.

بات جلياً أن الكيان الصهيوني قصد إعادة ترتيب العلاقة بين إسرائيل والمقاومة، متمثلة بقيادة حماس، ما يعني أن المستهدف الأول والأخير من الاعتداء هو المقاومة الفلسطينية أساساً، ذلك أن كيان الاحتلال ظهر وكأنه يسعى إلى قياس رد فعل المقاومة، خصوصاً بعد عملية المصالحة الفلسطينية، فما لا شك فيه أن الدوائر الاسرائيلية راهنت على حدث المصالحة من جهة، وعلى النظام المصري الجديد من جهة ثانية، وعلقت عليهما آمالها في ترويض المقاومة وتطويعها، وبالتالي، إدخالها في سلسلة من التنازلات والمساومات، ليأتي الهجوم على غزة وكأنه اختبار لظنون الكيان الصهيوني الواهية.

لكن، ومن الناحية العملية؛ ما حدث أن المقاومة الفلسطينية، بالشكل الذي ظهرت به، سفهت أحلام الكيان الاستيطاني وخيبت ظنونه، فلا عملية المصالحة، ولا النظام المصري الجديد بتواطئه المكشوف، قادران على احتواء المقاومة أو إيقافها. وكان الهجوم الأخير على غزة أول اختبار حقيقي لنظام السيسي. ظهر من خلال المواقف الرسمية للإدارة المصرية، وهي مواقف عرّت حقيقة هذا النظام الذي امتلك المقدرة على وصف "جماعة الإخوان المسلمين"، بل وحماس أيضاً بــ "الإرهابية". في حين لم يمتلك الجرأة نفسها لإلصاق التهمة نفسها بإسرائيل، لما ترتكبه من مجازر وإبادات في حق الشعب الفلسطيني الأعزل.

ليس من الغريب ولا العجيب، إذن، أن ينحاز السيسي ونظامه إلى الكيان الصهيوني ضد المقاومة، التي يعتبرها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أن المقاومة فندت ذلك الاعتقاد الذي ظلت أبواق إعلامية متحاملة تروجه، والذي ذهب إلى أن المقاومة الفلسطينية هي المتضرر الكبير من الانقلاب المصري الأخير، والذي أدى إلى عزل الرئيس الشرعي محمد مرسي، وتنصيب السيسي مكانه، وكأن المقاومة شيء طارئ على الساحة، لم يكن لها وجود قبل حكم مرسي، وظهرت بظهوره، وستختفي بعزله مباشرة!

أوجدت المقاومة الباسلة مفاجآت لم تتوقع دوائر الكيان الغاصب قوتها، ولا حدتها، ولا مقدرتها على مواجهة الغطرسة الصهيونية الفاشلة، فالمقاومة لا تموت ولا تخفت، وإنما تتقدم باستمرار، لا تزيدها الأيام إلا قوة وتمكيناً، لأنها مبدأ متأصل، وعقيدة راسخة في وجدان الشعب الفلسطيني الأبي، وقد فاجأت الرأي العام الإسرائيلي الغاشم فقط؛ والخونة المتواطئين معه؛ بالتطور التنظيمي والتقدم التقني الهائل الذي أكسبها مقدرة عجيبة على الوقوف في وجه الغطرسة الصهيونية.

كانت النتيجة المادية الملموسة التي حققتها المقاومة، هي التمكن من اختراق قلب الكيان الصهيوني من الداخل، وبالتالي، ضرب مناطق لم يكن في حسبان الكيان الغاصب أن صواريخ المقاومة ستصل إليها. أما النتائج المعنوية، وهي الأشد وقعاً وخطراً، فقد انعكست في الرعب والفزع الذي خلفته صواريخ المقاومة في صفوف الصهاينة الذين جعلتهم أضحوكة أمام أنظار العالم، ليجدوا أنفسهم في مأزقٍ، يبدو أنهم دخلوا فيه استكباراً وعجرفة، ولن يخرجوا منه إلا صاغرين أذلاء، أمام صمود المقاومة التي أدّبت بحق العدو الصهيوني.

من خلال هذا كله؛ يتبين أن المقاومة الفلسطينية أربكت حسابات، ليس الكيان الصيهوني الغاصب وحسب؛ وإنما حتى القوى المتواطئة معه، وأعطت درساً في الصمود والتحدي، على الرغم من الخذلان العربي، وأثبتت قدرة على مواجهة العدوان الصهيوني الغاشم، فعلى الرغم من تواضع الإمكانات المادية أمام تغول الكيان الغاصب، لم ترضخ للضغوط والتدخلات الخارجية المباشرة وغير المياشرة، المطالبة لها بوقف إطلاق الصواريخ، خصوصاً من الإدارة المصرية الحالية التي أبدت تعاوناً، بل وتنسيقاً مع كيان الاحتلال من أجل ضرب المقاومة في غزة، على الرغم من أنها حاولت تغطية هذا العار بإقدامها على فتح معبر رفح بتلك الطريقة المحتشمة والمخجلة.

شكلت صواريخ المقاومة، ورجالها الأبطال، مصدر فخر واعتزاز للأمة الإسلامية، في هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، وعلى الرغم مما هو قائم من ظروف وملابسات، وما رافقها من قلة العدة والعتاد أمام الغطرسة والظلم، فإن صمود رجالها وإيمانهم القوي وعزائمهم الشديدة، صنع المعجزات، وسيحقق النصر على الغاصبين، ويعيد الأمل إلى الأمة في الانبعاث والتحرر.

عبد الحكيم كرومي (فلسطين)
عبد الحكيم كرومي (فلسطين)